| شرفات
عشق المسرح
> في البداية كيف نمت بداخلك بذرة الكتابة ولماذا اتجهت الى المسرح:
- بدايات أي كاتب بشكل عام تكاد أن تكون متشابهة، وهي أن الاهتمامات الخاصة بالكاتب - طالما لديه الموهبة - مشتركة فإنه يسعى لممارسة الأشكال الفنية المتعددة كالشعر والقصة والرواية..وهذا ما حدث لي منذ أن وعيت بالاتجاهات الفنية والأدبية حيث كتبت الشعر والقصة القصيرة والزجل والاغنية، ومارست الفن والموسيقى منذ المرحلة الابتدائية ولا أدري لماذا اتجهت الاتجاه الأدبي أو الفني، فهي من القدرات الخاصة أو الموهبة التي لا يدري صاحبها إلا أنها بداخله. فقد نشأت في بيئة بسيطة لا يهتم فيها أحد بالفن أو الأدب، فالأم لا تقرأ ولا تكتب والأب توفي وأنا في سن العاشرة وكنت أكبر إخوتي، وبالتالي لم يكن هناك ما يمكن أن يكون عاملا مؤثرا في اتجاهاتي الفنية أو الأدبية. ولكن فيما أذكر في مدينتي دمياط كان يوجد مولد من الموالد المعروفة وهو مولد أبو المعاطي، ربما كان له تأثير في هذه الاتجاهات الفنية وخاصة الاتجاه للمسرح، فقد شاهدت فيه الأشكال الفنية المتعددة ابتداء من الحاوي الى فنون السيرك واحتفاليات الذكر وصندوق الدنيا والسامر الشعبي وما إلى ذلك من أشكال فنية شعبية، ربما كان لها التأثير في اتجاهي الى المسرح بعد ممارسة كتابة الشعر والقصة. أذكر أيضا أساتذتي في المرحلة الابتدائية الذين استثمروا فيّ هذه الموهبة فيما كان يقدم من مسرحيات بسيطة في احتفالات نهاية العام الدراسي. ثم تطورت هذه الاتجاهات مع دخولي معهد المعلمين العام ومع اطلاعي على المكتبة في هذا المعهد وفي مكتبة مركز الثقافة ومكتبة محافظة دمياط ومكتبة المعلمين.. كل هذا ساعد في بلورة الاتجاه الفني والأدبي الذي تركز أخيرا في كتابة المسرح.
من المسرح الى التليفزيون
> ولماذا اتجه كتاب المسرح كيسري الجندي ومحفوظ عبدالرحمن وأنت للتليفزيون؟
- هناك ظرف موضوعي وظرف خاص.. بالنسبة للظرف الموضوعي أو العام هو أن المسرح المصري في السنوات الأخيرة تدهورت به الأحوال فنيا وإداريا، فلم يعد يؤدي دوره الذي كان من المفروض أن يقوم به كما كان في الستينيات.. فقد جاء جيلنا بعد أن انطفأت شعلة المسرح وحاولنا بقدر الإمكان أن نحيي هذا المسرح باستخدام أشكال فنية جديدة والاتجاه الى الجذور الشعبية والعودة الى التراث وأعتقد أننا حققنا جانبا مهما في تطوير حركة التأليف المسرحي، بحيث أصبح للمسرح المصري من خلال ما كتبه جيلنا، أصبح له سمات تؤصله وتجعله مسرحا مصريا أصيلا وليس مجرد مسرح فنقول عن المسرح الأجنبي.
أما الظرف الخاص فهو أن المخرجين والجهات الإنتاجية في التليفزيون وخاصة في الدراما التليفزيونية كانت تسعى الى جذب كتاب المسرح للكتابة للتليفزيون باعتبار أن كتاب المسرح هم أقرب الكتاب الى كتابة الدراما التليفزيونية، فالدراما التليفزيونية هي في حقيقتها دراما مسرحية لكنها لا تقتصر على عرض ساعتين - كما يحدث في المسرح - إنما تمتد الى ساعات أطول.. ومن هنا جاء انتقالي للكتابة التليفزيونية على يد مخرجة قديرة هي السيدة علوية زكي التي ما إن شاهدت عرض رجل في القلعة - في المسرح القومي - حتى طلبت مني الكتابة للتليفزيون وكانت تجربتي الأولى معها مسلسل البحيرات المرة.
> ألا تعتقد أن الكتابة للتليفزيون أضرت بحضورك ككاتب مسرحي؟
- لا أعتقد أن الكتابة للتليفزيون قد أثرت على الجانب المسرحي، بل ربما أقول العكس.. أي أن الكتابة للمسرح كانت الأساس الذي جعلني أكتب للتليفزيون وخصوصا أن الحوار هو العنصر الأساسي في المسرح والتليفزيون معا.
الكتابة للتليفزيون بالفعل أكثر اتساعا وشهرة عن الكتابة للمسرح لأن جمهور المسرح بالطبع جمهور محدود لا يتعدى الآلاف بينما نجد أن مشاهدي التليفزيون يصلون الى ملايين، وهذه هذ خطورة الكتابة للتليفزيون باعتباره وسيلة العصر الأولى التي تؤثر في المجتمع وخصوصا أن هذا التأثير يكون مباشرا وفي نفس اللحظة. ولكنه يختلف عن المسرح في أن تأثير المسرح قد لا يظهر إلا بعد سنوات. فالكتابات المسرحية الإغريقية أو الشكسبيرية ما زالت قائمة رغم مرور مئات السنين.
بينما التليفزيون لا يؤثر الى في لحظة تاريخية معينة ودوره في المستقبل لا يكاد يذكر بالنسبة لما هو مكتوب أو كنص أدبي.
المسرح الجاد
> تعاملت مع المسرح بنوعيه الجاد والتجاري.. فما أهم ملامح تجربتك المسرحية بعد هذا المشوار؟
- الكتابة للمسرح في اعتقادي تعتبر كتابة فكرية وفلسفية، وهذا في الحقيقة هو سبب خلود واستمرار المسرح كنص أدبي منذ عصر الإغريق حتى الآن، فهذه النصوص وضعت فيها أفكار وفلسفات وقيم فكرية تظل دائما تعيش في وجدان الإنسانية إلى يوم الساعة.وبالتالي فإن أي كاتب يكتب للمسرح ويعرف هذه الأبعاد الفكرية لابد أن يدلي بدلوه في هذا الخضم الفكري الهائل. وقد حاولت وأرجو أن أكون قد نجحت في أن أقدم أعمالا ذات قيمة فكرية مثل :«الثأر ورحلة العذاب» عن حياة الشاعر الجاهلي امرئ القيس والتي أخرجها للمرسح شيخ المخرجين المصريين عبدالرحيم الزرقاني ومسرحية «رجل في القلعة» التي قدمت على المسرح القومي من إخراج سعد أردش، ومسرحية ديوان البقر التي قدمت على مسرح الهناجر من إخراج الفنان الراحل كرم مطاوع.
بالإضافة الى مسرحيات أخرى كانت تحمل في طياتها ما أعتقد أنها قيم فكرية فلسفية.هناك جانب آخر حاولت أن أدلي فيه بدلوي وهو جانب المسرح التجاري في محاولة لترشيد هذا المسرح وإعطائه قيمة فنية وفكرية الى جانب المتعة الفنية، فقدمت عملين هما «المليم بأربعة» بطولة نور الشريف و «بحبك يا مجرم» بطولة عبدالمنعم مدبولي. ولكن للأسف لم أكرر التجربة ربما لأنني أدركت أن من العبث محاولة ترشيد هذا المسرح.
وثمة ما يميز تجربتي المسرحية باعتبار أن الكتابة اتجهت الى اجتهادين الأول هو تقديم دراما تاريخية تعبر عن التراجيديا التي تخص مجتمعنا الشرقي، فهي تراجيديا ذات خصوصية تحاول أن تقدمها في الإطار الشرقي والعربي.. والاجتهاد الآخر هو تقديم أشكال مسرحية نابعة من التراث كالسامر الشعبي وفن المحبظين والاحتفالات الشعبية وهذا ما تحقق في بعض المسرحيات مثل: رواية النديم عن هوجة الزعيم - مأذون المحروسة - سيف الله - أبو نضارة - وغيرها من الأعمال.
أزمة نص
> برغم ما تعيشه الدراما التليفزيونية من ازدهار يقال إن هناك أزمة نص .. ؟!
- لا أعتقد أن هناك أزمة نص.. أو أزمة كتاب دراما ولكن هي أزمة إنتاج وإنتاج قادر على تقديم النصوص في إطار فني راق.. لأن المسألة هي مسألة مادية في الأساس.. ولأننا إذا حاولنا مقارنة أعمال تليفزيونية بغيرها من الأعمال الفنية الأجنبية مثلا سنجد أن المشكلة في تكنولوجيا الفن والإنتاج.
> وإذا اقتربنا من الدراما العربية بشكل عام كيف تراها؟ وهل ثمة أزمة ما تعوقها ... ؟
- أعتقد أن هناك أعمالا جادة ذات قيمة خصوصا ما يقدمه التليفزيون السوري، كما أن حصول بعض البلاد العربية على جوائز في مهرجان التليفزيون بالقاهرة دليل على أن هناك أعمالا جيدة ولكن كما قلت المسألة ما زالت مرتبطة بتطور تكنولوجيا الإنتاج لأننا لا ننفق على هذه الأعمال إلا النذر اليسير بينما الآخرون ينفقون الملايين.
> وتطور وسائل الاتصال كالكمبيوتر والإنترنت.. هل سيضر بالأشكال التقليدية للدراما؟
- أظن أنها تحسن الابداع وتظهره في أبهى صوره، والابداع هو ابداع إنساني.. أما الكمبيوتر والإنترنت فهما مثل الزخارف التي تزخرف لهذا الابداع. مثلا الأعمال التي تقدم بالوسائل الحديثة تعتمد في الأساس على جهد إنساني ولم تأت من فراغ، فأنا متفائل بأن هذه الوسائل ستكون عناصر مساعدة للابداع عامة وليس مضادة له.
شريف صالح
|
|
|
|
|