أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 8th June,2001 العدد:10480الطبعةالاولـي الجمعة 16 ,ربيع الاول 1422

شرفات

مبدعون وروائيون يؤكدون:
هـذا البطـل يشـبهني
هذا البطل يشبهني.. تتردد هذه المقولة كثيراً عند قراءتنا لرواية أو قصة ونتتبع سيرة هذا البطل حتى النهاية وقد نحصي الفوارق والمتشابهات بينها، ولكن من هو البطل الذي يشبه مبدعه، وإلى أي مدى يؤكد المبدع أن هذا البطل في روايته تلك يشبهه إلى حد كبير، فدائماً ما يستقي المبدع شخصياته وأبطاله من عالم حميمي خاص به وقد يكون هذا العالم مزيجاً من الواقع والخيال أو من الواقع وحده أو الخيال فقط وقد يحب شخصياته وأبطاله أو يكرههم ولكن في جميع الحالات لا يستطيع انكارهم والتنكر لهم.
في مبادرة جديدة لشرفات غاصت في عوالم الشخصيات والأبطال الروائية لرصد التشابه والملامح المشتركة بينها وبين أصحابها المبدعين الحقيقيين..شخصية سي السيد التي أبدعها نجيب محفوظ في تلاثيته الشهيرة من أوائل الشخصيات التي أثارت هذا الجدل حول مدى التشابه بينها وبين شخصية مبدعها وهل محفوظ هو سي السيد الحقيقي أم والده،و شخصية سي السيد تتصف بالازدواجية الشديدة فهي تمارس حياتها بشكل ديكتاتوري داخل المنزل وتصبح على النقيض خارجه في السهرات الليلية وبعد طول جدل لم يؤكد أحد أن هذه الشخصية تخص في جوانبها نجيب محفوظ أوغيره حتى محفوظ نفسه أجاب بمراوغة عندما سئل في هذا السياق فقال «أحاول دائماً اخفاء ذاتي أثناء الكتابة، ولعلي قد أكون نجحت..»وفيما عدا محفوظ أشار العديد من الأدباء والمبدعين إلى وجود شخصية ما أو بطل داخل عمل له مؤكدين أن هذا البطل يشبههم إلى حد كبير.
ويأتي القطار
الأديب محمد البساطي يقول:
لا بد من الاشارة أولاً إلى أن أبطالي وشخوص أعمالي يحملون مزيجاً من الواقع والخيال وبعيداً عن اضافات المخيلة الابداعية فإن شخصياتي تأتي من حصاد حياة ثرية وخبرة وافية اكتسبتها من جولاتي في القطر المصري بجميع أنحائه وهذا يعود لظروف عملي كمفتش بالجهاز المركزي للمحاسبات فقد كنت أزور كل شهر منطقة مختلفة وهكذا اكتسبت مشاهدات أساسية بالنسبة لأي كاتب، أما البطل الذي يشبهني في كثير من الجوانب فهو بطل رواية «ويأتي القطار» والذي تناولت حياته منذ الطفولة وحتى المرحلة الثانوية من حياته وانتظاره للقطار الذي سينقله إلى العاصمة لمواصلة تعليمه في الجامعة وذلك من خلال رصد لتطور المجتمع خصوصاً مجتمع المدن الصغيرة وتطور حياة هذه المدن والتي أحدثت فيها التكنولوجيا تغيرات كثيرة ويكفي الاشارة إلى مشهد افتتاح أول سينما في البلدة والتغير الذي أحدثته فقد خرج الناس من السينما كالنائمين فهم لم يتعودوا السهر ولا أخفي أن هذه الأحداث قد تضمنت بعضاً من السيرة الذاتية التي دخلت في سياق سيرة البطل رغماً عني فغالباً ما نجد لمحات من حياة الكاتب في شخصيات العمل الأدبي ولكن لا يمكن تحديدها بدقة أو فصلها فهي تكون ممزوجة بصفات أخرى يقتضيها العمل الفني أما عن صلتي الواقعية بأبطال وشخوص أعمالي فأنا أعرف أغلبهم وتعاملت معهم وأنا أكتب دائماً عن الشخصيات التي أعرفها فهذا أفضل من الشخصيات التي لا أعرفها ولكن لا أقوم بنقل هذه الشخصيات من الواقع إلى داخل العمل الأدبي مباشرة بل يحدث بعض التغيرات التي تقتضيها ظروف العمل الفنية.
وأحب أبطال رواياتي إلى نفسي هو بطل روايتي الأولى «التاجر والنقاش» لأنه شخصية قريبة إلى نفسي واكتشفت معه قدرتي على كتابة الرواية بما كان يحمله من أحاسيس ومشاعر وامتلاء تجربته الحياتية بالعديد من الأحداث إلا أنني أفضل رغماً عن ذلك التمسك بالمقولة التي تؤكد أن الأديب والكاتب يحب كل أبطال وشخوص أعماله وأيضاً مقولة الأديب الراحل احسان عبدالقدوس بأنه يحب كل أعماله بشكل متساو مثل محبته لأولاده، فأنا لا أكره أبطالي وإن كان يوجد أبطال مكروهون داخل العمل بما يمثل نمطاً مكروهاً في الحياة وهؤلاء الأبطال تختلف نسبة الكره معهم من أديب إلى آخر وإنما دائماً نظرتي حيادية لمثل هؤلاء الأبطال ولا أتحامل عليهم رغبة في اظهار كره لهم حتى لا ينعكس ذلك بالسلب على فنية العمل فعلى الأديب أن يكون على قدر كبير من المهارة الفنية في اظهار ذلك وهذا أيضاً ينعكس على الشخصيات والأبطال التي نحبها فيجب أن نحبها بالقدر الذي يحتاجه ويتطلبه العمل ولا نكشف عواطفنا الخاصة تجاهها بما يقلل من قيمتها الفنية.
مستجاب الثالث عشر
ويقول الأديب محمد مستجاب:
رغم أننى لم أطرح في كتاباتي سيرة ذاتية لكن بالتأكيد طرحت هماً شخصياً جاء متوافقاً مع هموم الآخرين ومع ذلك فإن القاسم المشترك بين مشاعر الطفولة وأحداثها التي تظهر في كتاباتي مرتبطة بأبطال هي في الحقيقة تعبر عني حتى لو لم أقم بها فعلاً مثلماً حدث مع بطلي نعمان عبدالحافظ في رواية التاريخ السري لنعمان عبدالحافظ فهو يشبهني، وبكل المقاييس أنا نعمان عبدالحافظ، وبكل المقاييس أيضاً لست نعمان عبدالحافظ، وما أريد قوله هو أنه توجد بديهية تكاد من اتساعها أن تصبح ساذجة وهي أن الكاتب في أحسن حالاته جزء من كتاباته، أي أن التعبير الأدبي وأقصد به النوع المعترف به نقدياً وذوقياً هو جزء خاص من أداء خاص غير أنني أود أن أفصل بين حوادث حياة عشناها وحوادث حياة عبرنا عنها وصنعناها أدباً حتى لو كان قد عشناها فعلاً، ولا أقصد هنا الصياغة والأسلوب، وإن كان الاسلوب عنصراً أساسياً، ولا أقصد المصداقية مع أهمية تواصل الثقة بين الكاتب وقارئه، كما لا أقصد الهدف الذي يسير إليه النص الأدبي وهو قضية الكتابة وجوهرها إنما هي كل ما سبق منسوجة في ذلك العالم الساحر الذي لا يمكن أن نفصل بين أجزائه والذي يجعل للأمر زخماً وسطوة وقدرة على التفاعل، وعلى ذلك أنا أشبه نعمان عبدالحافظ وفي نفس الوقت لست هو على شكل دقيق.
محمد النص
أما الأديب يوسف أبو رية فيقول:
أنا أشبه أبطالي جميعاً فأنا موجود في كل الأعمال التي كتبتها ستجدني موزعاً ومنتشراً وظلالي موجودة ومتناثرة سواء في قصصي القصيرة أو رواياتي ومن السهل جداً اكتشاف ذلك وتتفاوت درجة التشابه بيني وبين أبطالي فالبعض يحمل ملمحاً صغيراً، وأخرى تحمل ظلالاً ورتوشاً بسيطة ولكن البطل الذي يحمل جزءاً كبيراً مني هو ياسر احدى شخصيات روايتي «عطش الصبار» وسوف أحكي لك واقعة طريفة تدخل في نسيج هذه القضية وتكشف عن مدى ما يواجهه الكاتب من الشخصيات التي يكتب عنها والتي يحمل الواقع بعضاً من ملامحها، فقد كتبت ذات مرة قصة بعنوان «ليل النهر» عن شخصية تدعى محمد النص وهو شخصية حقيقية تعيش في قريتنا وهو رجل مبتور الساقين رأى ذات يوم جثة طافية على سطح الماء والناس يتحلقون حولها فقام بابعادهم ونصحهم بالانصراف حتى لا يكون محل اتهام من قبل الشرطة فانصاع الناس لأوامره ثم غطى الجثة واختفى وصار اسمه شهيراً في القرية بـ«محمد النص» نظراً لأنه مبتور الساقين وبعد نشر القصة فوجئت أن محمد النص يحاول رفع قضية ضدي بسبب وصفه بالنص وكان غاضباً مني وعندما كنت أمر عليه كان لا يرد عليّ السلام هذا مثل من أمثلة كثيرة وقعت لي مع شخصيات كتبت عنها ووجدت من بعضهم التسامح والبعض الآخر التفهم لعملية الكتابة والبعض الآخر لم يحفل لأنه يرى أن الكاتب مجرد كائن زائف يقص على الناس حكايات زائفة، ولكن الحقيقة انها حكايات صادقة يحمل أبطالها شبهاً كبيراً بي.
الشيخ حسني
ومن جهته يرى الأديب ابراهيم أصلان:قد تندهش لو قلت لك ان الشخصية التي تشبهني إلى حد كبير هي شخصية الشيخ حسني في رواية «مالك الحزين» فرغم أنه كفيف إلا أن طريقة حياته وبصيرة القلب التي كان يتمتع بها اضافة إلي خفة دمه وأسلوبه في فهم الحياة وأرى كل ذلك قريباً مني، وعندما كتبت هذه الرواية كنت مثل الشيخ حسني لم يكن عندي أشياء قاطعة حتى الرواية نفسها لم يكن عندي يقين في الانتهاء منها وكتبت معظمها على المقهى وسط الناس لأنني عندما أكون وسط الناس أكون مع نفسي أكثر، وكلما كانت هناك أصوات تشرخ الصمت من حولي أثناء الكتابة أشعر بالامتلاء الداخلي، وهذه طريقتي في الكتابة وربما في الحياة أيضاً مثل الشيخ حسني فعندما كنت أقيم في «الكيت كات» في امبابة كنت أكتب بالنهار وسط الضجيج أو في المقهى، أما حالياً فقد تغيرت الأمور فرواد المقهى أصبحوا أبناء أجيال أخرى.
ندى
وترى الأديبة الشابة ميرال الطحاوي أن شخصية ندى بطلة روايتها الثانية الباذنجانة الزرقاء تشبهها إلى حد كبير، فهي شخصية منطوية على نفسها عاشت لفترة طويلة في انعزال ثم تفتح وعيها وانفتحت على المجتمع من حولها بعد دراستها الجامعية وأنا كنت بالفعل كذلك فطوال حياتي في المدرسة ثم في الجامعة كنت في شبه انعزال وكنت أرتدي النقاب وعشت أثناء فترة الدراسة الجامعية وبعدها تحت راية النضال الديني السياسي وانتمي بعنف إلى الحركة الدينية السياسية لكن عباءة هذه الحركة لم تتسع لترقى وطموحي حتى وجدت الكتابة هي الشيء الوحيد الذي يمنحني حرية الفعل والحركة وهذا ما فعلته ندى في روايتي فقد ولدت في ظروف غير عادية حيث هزيمة 67 وعاشت في خوف وانعزال حتى ذهبت للجامعة وحاولت الخروج من عزلتها إلا أنها فشلت حتى الشاب الذي أحبته لم تستطع أن تصرح له بالحب أو تتجرأ على تبادل الحديث معه حتى رأت في النهاية أن الكتابة منفذها الوحيد للخروج والتفاعل مع ا لحياة والتمرد على الأطر والتقاليد الجامدة. هذا التمرد الذي حدث لندى في الرواية وحدث لي في الواقع كان من أسبابه اكتشاف زيف الشعارات التي سيطرت علينا في فترة من الفترات وأن التيار الديني السياسي كان كغيره من التيارات الليبرالي أو اليسارى يرتزق من الشعارات وقد أدنت الجميع في روايتي الباذنجانة الزرقاء بمن فيهم نفسي أيضاً.
أخيراً يرى الناقد الأدبي الدكتور مدحت الجيار أنه من الصعب التأكيد على وجود مشابهة تامة بين المبدع وأحد أبطاله فالكاتب لا يكتب سيرة ذاتية، خاصة به ولكن يمكن القول أن أي كتابة ابداعية تحمل ملامح كثيرة من كاتبها ليست بالضرورة أن تكون متطابقة تماماً وإنما تحمل اضافات كثيرة بحسب خيال المبدع، وهذه القضية تفضي بنا إلى قضية كتابة الذات فهناك عدة أنواع من الأدباء فمنهم من يكتب بحياد تام وعن كل ما هو خارج الذات ويتعامل مع العالم من حوله برؤية حيادية وهذا النوع من الصعب أن نجد له شبيهاً في أبطاله وشخوصه، وهناك من الأدباء من يتعاملون بحميمية في الكتابة ويصور مشاعره وأحاسيسه ودائماً ما نجد هناك تشابهاً كبيراً من المبدع وأبطاله، ونوع آخر من الأدباء قادرون على اخفاء ذواتهم في العمل ولكن الناقد المتابع لحياة هذا المبدع وأعماله يستطيع تلمس المتشابهات بسهولة.
عثمان أنور

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved