| الاخيــرة
أحب العرب خضرة الأرض وزرقة السماء، وهدوء البحر، ونسيم الصبا، كما أحبوا الورد والإقحوان والخزامى، وطربوا لخرير الماء، وزقزقة العصافير، وتغريد البلابل.
وعشقوا روح المرأة وأبدعوا في رسم مشاعرها وخلالها وجيدها ووجدانها، وأماطوا اللثام عما خفي من أحاسيسها، وكشفوا ما توارى بين أنفاسها، وما استتر خلف آهاتها.
لقد تعدى العرب وصف تلك المشاعر الروحية إلى تجسيد المرأة تجسيداً يظهر بجلاء ذلك الافتتان العربي، وأخذوا في وصف المرأة وصفاً دقيقاً يظهر تربع كل ماهو جميل على سويداء قلوبهم.
ويكاد يجمع العرب على معايير ثابتة لذلك الجمال الأخَّاذ، فوصفوها بذات المعيار، رغم تباين قطينهم، وعصورهم، وقبائلهم، ويكادون يجمعون على نعتها بنفس الألفاظ، واتفقوا على رسمها بنفس الريشة ،وهي قائمة وقاعدة، ومقبلة ومدبرة، ومطمئنة ووجلة، وضاحكة ونائحة، ومبتسمة وعابسة، كما أجمعوا أو كادوا يجمعون على مواضع الجمال بها، فرأوا جمالها في العين والشعر، والخد والقد، والصدر والكفل، فوصفوه بما يستهويهم.
وجاء هذا العصر الحديث بمعاييره الجديدة فانقلبت المعايير عند البعض تأثراً بما يراه متحركاً في التلفاز أو صامتاً في مجلة أو جريدة.
في كل يوم تتسابق القنوات الفضائية على إظهار عارضات الأزياء، وكأنهن أعواد من خشب، أو قصب سكر، ليس لهن طعم ولا رائحة، وليس فيهن من معايير جمال العرب سوى طول القامة. ومع هذا فقد تسابقت بنات حواء على تقليدهنَّ تقليداً غير ذي معنى.
لقد كان العرب ومازالوا كذلك يعشقون العين الحوراء، الكحلاء، الوطفاء، النجلاء، أي شديدة سواد العين وبياضه طويلة الأهداب واسعة العينين. ويرغبونها ناعسة، ذابلة فاترة، تنظر إلى المرء نظرة السقيم. أما البعض في هذا العصر فهم يرون جمال العين في زرقتها، ولا يرونه في ذبولها اعتقاداً منهم أن حدة العين تضفي قوة في الشخصية. ومن الخدود أحب العرب الأحمر والوردي ووصفوه بلون الأرجوان أو التفاح. أما اليوم فهم يتسابقون على التعرض للشمس لإضفاء شيء من السمرة تقليداً للغير، مع أن الغير لم يكن ليفعل ذلك لولا بياض لديه استوجب السعي لكسر حدته.
والشعر الأسود الفاحم، السبط، الناعم محط أنظار العرب فهاهو شاعرهم يقول:
الخد كالصبح مبيض
والشَّعْر كالليل مسودُّ
ضدان لما استجمع حسنا
والحسن يظهر حسنه الضد |
أو كما قال الشاعر:
فكأنها منه نهار ساطع
وكأنه ليل عليها مظلم |
ومعيار العصر الحديث هو الشعر الأشقر القصير وشتان بين الشعْرين.
وفي سائر الجسد رأى العرب الجمال في الجسم الممتلئ ذي الخصر الضيق فقال شاعرهم:
تمشي فتثقلها أردافها
فكأنما تمشي إلى الخلف |
وقال آخر:
من رأى مثل حِبَتِي تشبه البدر إذ بدا
تدخل اليوم ثم ت دخل أردافها غدا |
نعم، لقد جعل العرب ذلك من معايير الجمال بينما جاء المعاصرون ليقلبوا تلك المعايير، فتتنافس النساء على تلمس سبل الرجيم التي تجعلهن كالأخشاب البالية.
إن المرأة المسلمة تمتاز على غيرها بالعفاف والتقى والبعد عن الخنى والحمدلله وظلت وستظل متمسكة بهذه الثوابت.
من المنطق أن تتغير الثقافات الظاهرية حسب ما تحمله الموائد العلمية من كتب ومجلات وأدوات تثقيف، وقنوات. ولكن ما لايمكن اعتباره منطقياً أن يتجاوز التأثير ذلك حتى يبلغ معايير الجمال التي توارثها الناس عبر آلاف السنين وألفوها واستمزجوها، وهتفوا لها في شعرهم ونثرهم.
وهل هذا التغيير في المعيار تغير حقيقي؟
أو لايعدو كونه مسايرة لما هو حديث مع بقاء الوجدان مرتبطا بتلك المعايير الأصيلة؟ لست أدري!!!
|
|
|
|
|