| أفاق اسلامية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
الدعوة إلى الله تعالى أشرف الأعمال وأفضلها، يقول سبحانه وتعالى «ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين»، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم «بلّغوا عني ولو آية»، وقال لعلي رضي الله عنه «والله لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمْر النعم». وجاءت الآيات والأحاديث النبوية بفضل الدعوة، وشرف القائمين بها إذ هي مهمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فالدعوة هي طريق الرسل ومن اتبعهم إلى يوم الدين، يقول الله تعالى: «قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني»، فالدعوة إلى الله حمل لهذه الأمانة التي أوجبها الله على خلقه والتي هي من أجلها خلقهم، يقول سبحانه وتعالى «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون». فمهمة الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام الدعوة إلى الله وتوحيده وإقامة شرعه في حياتهم. ولا أعظم ولا أشرف من الدعوة إلى عبادته سبحانه وتعالى.
والدعوة إلى الله من حيث موضوعها وأركانها ووسائلها تحدث العلماء عنها كثيراً، فالداعية الذي هو الركن الأول في الدعوة إذ يجب عليه أن يكتسب من خصائص الدعوة ما يقدره على أن يواكب مسيرة الدعوة، وصدق الله جل وعلا إذ يقول: «الذين يبلّغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيباً»، رجال اصطفاهم الله على عباده، يقول سبحانه وتعالي: «إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين»، وهؤلاء المصطفون من أعظم الناس أخلاقاً وأجلهم سلوكاً وعبادة وإخلاصاً لله، فكان على الداعي والذي يتبع سبيلهم أن يلتزم صفاتهم حتى يكون قادراً على حمل رسالة الدعوة ومنها:
1 - أن يكون ذا عقيدة راسخة صحيحة وإيمان كامل، فصلاح الدعاة ينعكس أثره على المجتمع.
2 - الإخلاص لله سبحانه وتعالى في القول والعمل وتقوية الصلة به والتجرد له، لأن الداعية هو المبلّغ للإسلام والمعلم له والساعي إلى تطبيقه، وقد وردت آيات كثيرة تحث على الإخلاص، قال تعالى: «قل إني أُمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين».
3 - أن يتزود من العلوم الشرعية ما يكون به قادراً على دعوة الآخرين على بصيرة وهدى، قال تعالى «هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون».
4 - أن يتصف بالصفات الأساسية في المسلم مثل الصبر لأنه خلق النبيين عليهم السلام، قال تعالى: «فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنّك الذين لا يوقنون»، والحلم والأناة والرحمة والعفو والصفح والكرم والصدق، قال تعالي: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين»، والتخلق بالأخلاق الحسنة، قال تعالى في وصف نبيه «وإنك لعلى خلق عظيم».
5 - العمل بالعلم والاستقامة في السلوك، قال تعالى على لسان شعيب عليه السلام: «وما أُريد أن أُخالفكم إلى ما أنهاكم عنه».
لذا كان واجباً على هذه الأمة أن تسارع إلى حمل تلك الأمانة وتبليغ الرسالة وترتفع لمستواها وتأخذ بفقهها لأن الله تعالى اصطفى هذه الأمة على سائر الأمم، يقول الله تعالى: «هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس».
وتأتي أهمية التبليغ لأن الإنسان لا يستغني عن دعوة الله تعالى أنها تحمل معها تعاليم الخالق جل وعلا بدقتها وحكمتها. كما تأتي أهمية الدعوة لحاجة البشرية الشديدة لها.
، فالدعوة تحتاج للحكمة والرفق واللين ومراعاة أحوال المخاطبين والتدرج في دعوتهم بالعقيدة ابتداءً عملاً بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه حين أرسله إلى اليمن: فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.. فبدأ بالتوحيد ثم بالصلاة وهكذا.. فلا بد للداعية أن يلاحظ أن هناك تأثيرات نفسية وميولا وعقائد وثقافة ومفاهيم خاصة للمدعو لا بد أن يراعيها في وسيلته سواء الحسية التي تستثير الأحاسيس الطبيعية في الإنسان أو العقلية التي يستعمل فيها الكتاب الجيد والحجة البينة والإقناع العقلي من خلال الحوار والندوات والمحاضرات المعدة إعداداً جيداً.
ولذا نصل إلى أن أقول لماذا معرض لوسائل الدعوة؟
فإذا كانت أركان الدعوة من حيث الدعوة والداعي والمدعو، فماذا عن الركن الرابع الذي هو وسائل الدعوة.
إن الوسيلة لها حكم الغاية وتبليغ الدعوة بالقول والعمل وسيرة الداعي لتجعله قدوة حسنة لغيره. فإذا كانت الغايات واجبة فإن الوسائل واجبة من أجل توصيل الدعوة، وغاية الدعوة هي تبليغ الإسلام إلى الناس، وتعليمهم إياه وتطبيقه، وموضوع الدعوة هو الإسلام لشموله وكماله. قال تعالى «يا أيها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته». والدعوة منذ نشأتها وهي تقوم على الكتاب والسنّة، فإن أصول الدعوة لا بد أن تكون شرعية قائمة على أصل شرعي في مناهجها وخططها وأساليبها ووسائلها. والوسائل هي كل ما هو مشروع يستخدمه الداعي لغرض التأثير على الناس وتوجيههم الوجهة الصحيحة.وإذا كانت الوسائل هي التي توصل إلى الغاية فلابد أن نعطي اهتماماً وعناية بهذه الوسائل من حيث أن تكون:
أولاً شرعية: لأن الدعوة عبادة لله والعبادة لابد أن تكون بإخلاص ومتابعة كما قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى: «ليبلوكم أيكم أحسن عملاً»، أخلصه وأصوبه، وقال العلامة ابن القيم: «لا يكون العبد متحققاً بالعبودية إلا بأصلين عظيمين: أحدهما: متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، والثاني: الإخلاص للمعبود. فهذا تحقيق «إياك نعبد». كما تكون بانضباط جميع الوسائل الدعوية بحكم الشرع فلا يجوز للداعية الخروج على أحكام الشرع في مناهجه ووسائله لأن الدعوة في حقيقتها طريق تطبيق الشريعة.
ثانياً التكافؤ: وهو التماثل بين الوسيلة والغاية، فالوسيلة القاصرة عن الغاية لا يمكن أن توصل إلى الغاية في الوقت المناسب ولا بالكيفية المطلوبة.
ومن وسائل تبليغ الدعوة إلى الله تعالى التبليغ بالقول «المشافهة» لما له من أهمية عظمى في الدعوة إلى الله. سواء كان مقروءاً أو مكتوباً أو ملفوظاً، فقد كانت بعثة الأنبياء والرسل بالقول البين، قال تعالى «فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى». فالكلمة هي القوة المسيطرة والفعالة في عالمنا الحاضر، ولا شك أن وسائل الدعوة في التبليغ أصبحت كثيرة ومتنوعة وذات تأثير كبير وخطير في نفوس المتلقين سواء السمعية منها والبصرية مثل الكتاب والنشرات والمطويات والصحف والمجلات وأشرطة المواعظ الإرشادية والدروس العلمية والإعلام المرئي والمسموع والخطب.
وهناك ضوابط يجب مراعاتها في تبليغ الدعوة إلى الله بالقول، ومنها وضوح الفكرة المراد تبليغها وأن تخدم هدفاً لدى المدعوين، وكذلك التبليغ بالعمل ومن وسائله:
1 - القدوة الحسنة، فيجب على الداعية التخلق بالأخلاق الحسنة التي توافق الكتاب والسنة حتى يكون قدوة لمن يقوم بتبليغهم رسالة الله سبحانه وتعالى وبحيث تتوافق أقواله مع أفعاله، يقول الله تعالى: «ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك».
2 - المسجد، فهو القاعدة الأساسية التي انبعثت منها الدعوة الإسلامية وهو مركز إشعاعي تربوي، وله في حياة المسلم منزلة ترتبط بحياته الروحية، كما أن له دورا متميزا وعظيما في التربية الإسلامية التي تقوم على العقيدة والإيمان، وتعظيم الله شأن المسجد ورد في آيات كثيرة منها قوله تعالى: «في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه»، وقد اختار الرسول -صلى الله عليه وسلم- المسجد ليكون مركزاً للتعليم والتوجيه والتفقه في الدين.
3 - التربية والتعليم، حيث يجب تربية المسلم على معاني الإسلام وصياغة سلوكه وفق هذه المعاني، والتعليم هو الطريق الصحيح لفهم الدعوة ونشرها على أسس سليمة. ومن المدرسة تبدأ هذه الصياغة السلوكية للفرد المسلم فلذا يجب أن تتوفر الجهود في المدرسة للمدرسين وأفضل شيء لتحقيق ذلك هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، كما يجب أن تراعى حاجات كل مرحلة النفسية منها والعقلية. وفي الجامعة يبلغ الشباب مرحلة علمية معينة ويكون لهم تطلعاتهم الخاصةإضافة إلى انفتاحهم العلمي الثقافي واطلاعهم على الثقافات العالمية والمحلية وقضايا أمتهم، ويجب على الداعية أن يكون قدوة حسنة وأن يتميز بالتفوق العلمي في تخصصه لأن النجاح الشخصي يلفت النظر إلى فكر صاحبه، ويتحلى بالصبر على المناهج التي قد تخالف الفكر الإسلامي في بعض الكليات في بعض الدول وعلى تصرفات الشباب المندفع المتحمس فلا يقابله بالشدة والعنف بل بمزيد من البيان والوضوح لأهداف الدعوة إلى الله.
من هنا جاءت أهمية وسائل الدعوة وإبرازها، فقد جاء بها القرآن وبينتها أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهي من الأمور الاجتهادية غير أنها لا تخرج عن حدود المشروع حيث لا يمكن العمل بمبدأ «الغاية تبرر الوسيلة»، يقول سبحانه وتعالى : «فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً». وهذا المعرض الذي تقيمه وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بفكرة ومتابعة من معالي الوزير الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ بإبراز هذه الوسائل لعامة الناس وخاصتهم انطلاقاً من توجيهات حكومتنا الرشيدة في الدعوة إلى الله التي تقوم عليها هذه البلاد وتحرص عليها بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني -أعزهم الله- وجميع المسؤولين في بلادنا الذين هم ولله الحمد دعاة إلى الله سبحانه وتعالى.
إن الناس صغيرهم وكبيرهم، ذكرهم وأنثاهم، وعالمهم وغير ذلك في حاجة إلى الدعوة إلى الله، فكل المجتمع بكافة طبقاته في حاجة إلى الله وذلك من حاجتهم إلى دينه وإلى شرعه وتوحيده. لذا فهم في حاجة لهذه الوسائل التي توصلهم إلى ما يريدون، المعرض يريد أن يبرز ويوضح هذه الوسيلة إلى هذا المجتمع الطيب المبارك.
وأنتهز هذه الفرصة الطيبة لأشكر صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز أمير المنطقة الشرقية -حفظه الله- على عنايته ورعايته لهذا المعرض، واهتمامه بالمناشط الدعوية التي تخدم المسلمين وترشدهم أينما كانوا. تمشياً مع ما تسير عليه البلاد من نهج نشر التوحيد وفضائل الإسلام في الداخل والخارج.
وأعبر عن شكري وامتناني لولاة الأمر في المملكة -حفظهم الله- على ما يولونه لأحوال المسلمين من اهتمام وعلى الدعم غير المحدود الذي تلقاه الجمعيات والمؤسسات والمراكز الإسلامية والدعاة إلى الله في كل مكان، وأدعو الله تعالى أن يوفق هذا البلد قادة وحكومة وشعباً لما فيه الخير والصلاح وخدمة الإسلام والمسلمين وأن يجعلهم دعاة صلاح وهداية.
وبالله التوفيق، والحمد لله رب العالمين
رئيس اللجنة التنفيذية للمعرض
|
|
|
|
|