أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 8th June,2001 العدد:10480الطبعةالاولـي الجمعة 16 ,ربيع الاول 1422

أفاق اسلامية

بدعة الاحتفال بالمولد النبوي
ضلالة ظلماء لمن تنكَّب طريـق سـلف الأمـة
الشيخ العامر: بدعة لا أصل لها وهي تشبُّه بالنصارى الشيخ إياس: يجب منع هذه البدع ومحاربتها
الشيخ آل مسبل:ابتداع عمل لم يفعله الصحابة والسلف
> أبها - تحقيق: محمد العضابي
«عضُّوا عليها بالنواجذ»، هذا هو توجيهه صلى الله عليه وسلم لمن بعده من أصحابه وتابعيه إلى قيام الساعة باتباع سنته وعدم التغيير، والدخول إلى مفترق الطرق، وضلالات الجهل والهوى، ولأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى فقد قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبدالله ورسوله»، وهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما ترك خيراً إلا ودلَّ الأمة عليه، وما ترك شراً إلا وحذَّر الأمة منه، وقول الله عز وجل: «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً»، منزل على نبيه الذي بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة صلى الله عليه وسلم، فكيف بمن خالف هديه وتنكَّب الطريق السوي وأبى إلا أن يكون من أهل البدع والأهواء، وكل ما ذكر آنفاً ما هو إلا توطئة للتحذير من بدعة ابتدعها الجهلة وأصحاب الضلال، ألا وهي بدعة الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم، لذا كان لزاماً التنويه عنها، ومحاربتها، ونحن هنا نتطرق إليها مع عدد من أهل العلم.
ü الاتباع لا الابتداع:
وعن أهمية هذا الموضوع وأهمية التحذير منه يبدأ فضيلة الشيخ عامر بن عبدالمحسن العامر المدير العام لفرع الرئاسة بمنطقة عسير الحديث قائلاً: إن منهم من يقيم هذا الاحتفال في المساجد ومنهم من يقيمه في البيوت أو الأماكن المعدة لذلك. ويحضر جموع كثيرة من دهماء الناس وعوامهم يعملون ذلك تشبهاً بالنصارى في ابتداعهم الاحتفال بمولد المسيح عليه السلام والغالب أن هذا الاحتفال علاوة على كونه بدعة وتشبهاً بالنصارى لا يخلو من وجود الشركيات والمنكرات بإنشاد القصائد التي فيها الغلو في حق الرسول عليه الصلاة والسلام إلى درجة دعائه من دون الله والاستعانة به وأي غلو أعظم من قول القائل:
يا أكرم الخلق مالي من الوذ به
سواك عند نزول الحادث اللمم
فإن من جودك الدنيا وضــرتها
ومـن علومـك علم اللوح والقلم
ترى ماذا ترك لله بعد أن جعل جميع الكون بما فيه علم اللوح والقلم من إيجاد البشر، إن شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم غنية من هذا الإطراء وحسبه فخراً أن الله اختاره ليكون رحمة للعالمين وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً. وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الغلو في مدحه فقال: « لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبدالله ورسوله»، والاطراء معناه الغلو في المدح وربما يعتقدون أن الرسول صلى الله عليه وسلم يحضر احتفالاتهم والأناشيد الجماعية المنغمة بالطرب وضرب الطبول وغير ذلك من أعمال الصوفية المبتدعة والتي قد يصاحبها الاختلاط بين الرجال والنساء مما يسبب الفتنة ويجر في الوقوع إلى الفواحش وحتى لو خلا هذا الاحتفال من هذه المحاذير فاقتصر على الاجتماع وتناول الطعام وإظهار الفرح كما يقولون فإنه بدعة محدثة:«وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة»، وأيضاً هو وسيلة إلى التطور فيحصل فيه ما يحصل في الاحتفالات الأخرى من المنكرات أقلها انه بدعة، لأن لا أصل له في الكتاب والسنة ومجمل السلف الصالح والقرون المفضلة وإنما حدث متأخراً بعد القرن الرابع الهجري، قال الإمام أبو حفص تاج الدين الفاكهاني «رحمه الله»: «أما بعد فقد تكرر سؤال جماعة من الباركين عن الاجتماع الذي يعمله بعض الناس من شهر ربيع الأول ويسمونه المولد هل له أصل في الدين؟! قصدوا الجواب عن ذلك معيناً والإيضاح عنه مبيناً فقلت وبالله التوفيق: لا أعلم لهذا المولد أصلاً في الكتاب ولا السنة ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين المتمسكون بآثار المتقدمين بل هو بدعة أحدثها البطالون وشهوة نفس اغتنى بها الاكالون» وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- : وكذلك ما يحدثه بعض الناس من مضاهاة النصارى في ميلاد عيسى عليه السلام وإقامته محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيماً من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيداً مع اختلاف الناس في مولده فإن هذا لم يفعله السلف ولو كان هذا خيراً محضاً وواضحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة للرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا وهم على الخير أحرص، وإنما كانت محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطناً وظاهراً ونشر ما بعث به من جهاد على ذلك بالقلب أو اليد أو اللسان فإن هذه الطريقة هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان.
ويختتم الشيخ العامر حديثه بقوله: وختاماً أقول إن البدع دين لم يشرعه الله ورسوله والبدعة شر من المعصية الكبيرة لأن العاصي يفعل المعصية وهو يعلم أنها معصية فيتوب منها والمبتدع يفعل البدعة يعتقدها ديناً يتقرب به إلى الله فلا يتوب منها والبدع تقضي على السنن وتكرِّه إلى أصحابها فعل السنن، والبدعة توجب غضبه جل وعلا وعقابه وتسبب تزيغ القلوب وفسادها.
ü إخماد الفتنة والقضاء عليها:
ثم تناول الشيخ إياس بن علي مديش بجوي القاضي بالمحكمة الشرعية المستعجلة بجازان فقال: عرَّف بعض الباحثين الموالد بأنها: تلك الاجتماعات التي تقام لتكريم الماضين من الأنبياء والأولياء».
حيث يقوم بعض الناس بإقامة الاحتفالات والاجتماعات لتكريمهم في ذكراهم، وبيان مآثرهم، والتذكير ببطولاتهم، وما غرسوه في مجتمعهم إبان حياتهم من خير وفضيلة ويأخذ ذلك أساليب متعددة، أحياناً على شكل أسبوع وأحياناً عن طريق الاحتفال بيوم مولده، وأسابيع بعضها إثر بعض، وكأن هذه الأمة لم تخلق إلا لذلك. والموالد بذلك التعريف المتقدم ذكره لا خلاف في أن اسم البدعة ينطبق عليها لغة وشرعاً إنما الخلاف في حسن هذه البدعة أو قبحها ومن هنا نشأ الافتراق.
وأضاف الشيخ إياس ولست هنا بصدد شرح الخلاف في حسن البدعة أو قبحها وما احتج به كل فريق، فذلكم قد أشبعه العلماء بحثاً وتنقيحاً وأصبح النقاش فيه يتكرر كل عام وتتكرر معه الفتاوى المحرمة والمبيحة وكل إناء بما فيه ينضح، وكأننا ندور في حلقة مفرغة لا نصل في ذلك إلى نتيجة حاسمة وكأن الخلاف من أجل الخلاف أصبح سمة في المجتمع المسلم وأصبحت الموالد قضية تحشد لها الجهود، وتحشد لها الخطب والمقالات وذلك كل عام كما هي منذ سنين، وأهل الموالد ينفقون الأموال الطائلة لإحياء هذه البدعة رغم أنف المخالفين لهم، فيقيمون سرادقات واحتفالات، ورقص وغناء وجهود تهدر كل عام ترى أليس من الأوفق بنا أن نبحث عن حل لإماتة هذه البدعة بدل التذكير بها كل عام؟
وأشار فضيلته إلى أن البدع في مجتمعنا الإسلامي كثيرة ومتنوعة والكثير منها قد حظي بما يلزم من التبرير لإقامتها تحت هذا المسمى أو ذاك، وإذا كان من قول فصل في هذه القضية فهو لأولئك الأخيار الذين صحبوا الرسول صلى الله عليه وسلم، وفدوه بأنفسهم وأهليهم وأموالهم وكان أحب إليهم من أنفسهم وأولادهم والناس أجمعين، ويستنون بهديه بل يتبعون المواضع التي حل فيها صلى الله عليه وسلم ليصلوا فيها، ترى هل كان فاتهم مع كل ذلك الحب العظيم والولاء الكبير الذي لم يسجل التاريخ له مثيلاً أن يقيموا مولداً كل عام ؟! فلو كان الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم خيراً لسبقونا إليه.
وأكد الشيخ بجوي أنه لا علاج في نظره لهذه البدعة سوى منعها ومعاقبة من يقترفها وليس ذلك بدعاً في التاريخ، بل إن التاريخ ليخبر بأنه قد جرى إبطال هذه البدعة في بعض العهود حتى نسيها الناس أو كادوا أن ينسوها.
ü تشبُّه بالنصارى وطقوس بدعية:
فضيلة الشيخ عازب بن سعيد آل مسبل رئيس كتابة العدل الأولى بأبها يوضح خطورة هذه البدعة وأصولها بقوله في الحقيقة إن هذا الأمر من الأمور التي يجب أن تناقش بموضوعية صادقة وواضحة وفي هدوء بعيداً عن التعصب والتشنج على غير بصيرة فأقول نحن أمة أنقذها الله من مهاوي الفساد والتخبط في ظلمات الشرك والوثنية بهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ولكي تتحقق العبودية الخالصة لله أمرنا باتباعه: «قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله»، ونحن قد شهدنا الشهادة الحقة فلا يسوغ لنا مخالفتها فمفتاح الدخول إلى الإسلام قول: لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله» ومعنى ذلك باختصار أنه لا معبود بحق إلا الله وإننا لا نعبد الله إلا عن طريق هذا النبي صلى الله عليه وسلم، وما دام الأمر كذلك فلنطرح هذه الأسئلة:
ü لقد عاش -صلى الله عليه وسلم- قبل النبوة أربعين عاماً فهل احتفل بميلاده؟
ü عاش -صلى الله عليه وسلم- بعد البعثة ثلاثة وعشرين عاماً فهل احتفل بميلاده؟ وهل كان يقر أمراً كهذا؟
ü ولي الخلافة أفاضل الصحابة فهل من المعقول أن يترك أولئك الأفاضل أمراً فيه فضل أو خير ليأتي من بعدهم من يحرص على ذلك، إنه عجب؟ هذا من ناحية:
أما توقيره -صلى الله عليه وسلم- واحترامه وتقديره ومحبته فهذا لازم الإيمان لكل مسلم لا يتم إيمانه إلا به وحقيقة ذلك اتباعه -صلى الله عليه وسلم- وطاعته فيما أمر والانتهاء عما نهى عنه وسأسوق إليكم الشذرة الفائقة في كمال خلقه وأقواله وأفعاله، فقد تحلى -صلى الله عليه وسلم- بأربع خصال في كمال خلقه بعد اكتمال صورته وهي:
أولاً : السكينة الباعثة على الهيبة أو التعظيم الداعي إلى التقديم أو التسليم.
ثانياً: الطلاقة في الوجه الموجبة للإخلاص والمحبة الباعثة على الصفاء والمودة.
ثالثاً:حسن القبول الجالب لممايلة القلوب حتى تسرع لطاعته وتذعن بموافقته.
رابعاً: ميل النفوس إلى متابتعه وانقيادها لموافقته وإتيانه على شدائده ومصابرته.
هذه الأربعة قد تكاملت فيه -صلى الله عليه وسلم- فمن يوازيها واستحق ما يقتضيها أما خلقه فقد كمل وإليك هذه الخصال في ذلك:
أولاً: رجاحة عقله وصحة رأيه وصدق فراسته.
ثانياً: إتيانه في الشدائد وصبره على البأساء.
ثالثاً: زهده في الدنيا وإعراضه عنها وقناعته بالبلاغ منها مع كرمه فهو يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.
رابعاً: تواضعه للناس وهم اتباع وخفض جناحه لهم وقد دخل عليه الأعرابي فارتاع من هيبته فقال «هوِّن عليك فإنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة»، فإن هذه غاية الرفعة وكمال وشرف الأخلاق وكريم الشيم.
خامساً: سعته للناس وحلمه: فلم يوجد منه نادرة ولم يحفظ عليه بادرة ولا حليم غيره إلا ذو عثرة ولا وقور سواه إلا ذو هفوة.
سادساً: حفظه للعهد والميثاق ووفاؤه بالوعد فما نقض لمحافظ عهداً ولا أخلف لمراقب وعداً بهذا تكاملت فيه الخصال السابقة وهذا بالإجمال وإلا فلن يفي أحد بكريم فضائله -صلى الله عليه وسلم- وإما فضائل أقواله معتبراً بهذه الخصال:
الأولى: ما أوتي من الحكمة البالغة والعلوم الجمة وهو أمي من أمة أمية «وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون» العنكبوت 48.
الثانية: الحفظ والضبط لما أطلعه الله عليه وعلم به من قصص الأنبياء والأمم السابقة ولم يضبطها بكتاب يدرسه إلا أن الله شرح صدره: «ألم نشرح لك صدرك».
الثالثة: ما حظي به من جوامع الكلم «أوتيت جوامع الكلم واختصرت لي الحكمة اختصاراً».
الرابعة: ما أمر به ودعا إليه من محاسن الأخلاق وحث عليه من صلة الأرحام وندب إليه من التعطف على الضعفاء والأيتام.
الخامسة: وضوح جوابه إذا سئل وظهور رجاحه.
السادسة: محفوظ اللسان من التحريف بالأقوال: «وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى»، ولكم حرص أعداء الدين على أن يحصلوا على كذبة نادرة في غير الرسالة ليجعلوها دليلاً ولكن كان ذلك محالاً.
السابعة: حلاوة قوله وعظيم تأثيره على الأسماع ولا غرابة في ذلك، فهو -صلى الله عليه وسلم- أجمل الناس صحة وأحسنهم سمعاً، وهو أفصح الناس لساناً وأوضحهم بياناً وأوجزهم ألفاظاً وأصحهم معاني ولا يظهر فيه هجنة في التكلف ولا يتخلله فيقهة التعسف. وقد دوَّن كثير من جوامع كلمة ومع ذلك فلا يأتي عليه إحصاء ولا يبلغه استقصاء. أما فضائل أعماله فحسبك منه تصديق لمعالم الدين ونوازل الأحكام حتى أوضح للأمة ما كلفوه من العبادات وبيَّن لهم ما يحل ويحرم من مباحات ومحظورات وفصَّل لهم ما يجوز ويمتنع من عقود ومناكح ومعاملات حتى احتاج أهل الكتاب إلى شرعه في كثير من معاملاتهم ولم يحتج شرعه إلى شرع غيره فهو كامل مرتضى: «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً»، ثم مهد -صلى الله عليه وسلم- لشرعه أصولاً تدل على الحوادث المغفلة ليستنبط لها الاحكام المعللة ليكون هناك مجالاً لاتباعه للاجتهاد والحصول على الأجر المستمر ثم أمر الشاهد أن يبلِّغ الغائب ليعلم بإيذانه ويحتج بإظهاره فقال -صلى الله عليه وسلم- : بلغوا عني ولا تكذبوا علي فرب مبلِّغ أوعى من سامع ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه»، وأشهد أنه قد بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة فلا مجال لمحاول ألد خصم ولا لمبتدع ضال فضل في افتراء وكذب على سيد الخلق أجمعين بدعوى المحبة، فالمحبة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- تكمن في الاتباع إلا في الابتداع ودين الإسلام ليس دين طقوس بدعية بل هو دين حق يوافق طبيعة الإنسان ويوجه غرائزه وميوله إلى ما يرفع شأنه.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved