| مقـالات
في الحلقة الماضية كان الحديث عن الحجاب الشرعي للمرأة، وفهم نساء الصحابة لدلالة الحجاب في سورتي النور والأحزاب، وتطبيقهن لذلك فور نزولها، تطبيقا عمليا بستر الوجه واليدين، والوجه يدخل معه الشعر، والسورتان مدنيّتان: الأولى نزلت بعد آل عمران، والثانية نزلت بعد الحشر، وهما من آخر ما نزل من القرآن الكريم في المدينة المنورة.. وأوردنا فهم بعض الصحابة والتابعين وأتباعهم.. دون حصر ولا اقتصار..، لما يعنيه الحجاب للمرأة المسلمة. ولما كان استدلال بعضهم بحديث أسماء رضي الله عنها.. فقد أوردنا رأي سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز يرحمه الله فيه وأنه ضعيف لا يحتج به، وبيان ذلك.. كما ورد عنه يرحمه الله في رسالة حكم السفور والحجاب..
ووجه الدلالة عندهم في قصة المرأة الخثعمية، والمرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وتعليل سفور وجهها.. ولكثرة الحملات التي يراد منها إبعاد المرأة عن فطرتها، رأيت ايراد آراء من عاصر بداية الحملات ضد شرائع الاسلام.
ولما كنت وعدت بأن أورد تعليل الشيخ: بديع الزمان سعيد النّورسي، على ما تقتضيه الحشمة عند المرأة، تلك التي فطرها الله عليها ويراد اخراجها من هذه الفطرة.. والنّورسي المذكور من علماء تركيا الكبار، أيام الدولة العثمانية، وله كتب كثيرة في فضائل الاسلام، ترجم بعضها، ولم يترجم الأكثر.. وقد رأيت فائدة في موضوع الحجاب إيراد ما فيه نفع، في هذا الموضوع.
وهذا الموضوع: الاحتشام تقتضيه الفطرة، مقطع من أحد كتبه ترجمه: احسان قاسم الصالحي، يقول فيه النّورسي: هذه الآية الكريمة )الأحزاب 59(، تأمر بالحشمة والتستر، بينما تذهب المدنيّة الزائفة، إلى خلاف هذا الحكم الرباني، فلا ترى الحشمة والتستر امراً فطريا للنساء، بل تعده اسراً وقيداً لهن.
وسنبيّن جوابا: أربع من الحِكَم فقط، من بين حكم غزيرة، دالة على كون هذا الحكم القرآني تقتضيه فطرة النساء، وخلافه غير فطري..
الحكمة الأولى: أن الاحتشام والتستر امر فطري للنساء، تقتضيه فطرتهن، لأن النساء خلقن على الرقة والضعف، فيجدن في أنفسهن حاجة الى رجل يقوم بحمايتهن، وحماية أولادهن، الذين يؤثرونهم على أنفسهن.
فهنّ مسوقات فطريا نحو تحبيب أنفسهن للآخرين، وعدم جلب نفرتهم، وتجنب جفائهم واستثقالهم.
ثم إن ما يقرب من سبعة أعشار النساء: إما متقدمات في السنّ، أو دميمات لا يرغبن في اظهار شينهنّ أو دمامتهنّ، أو انهن يحملن غيرة شديدة في ذواتهن يخشين أن تفضّل عليهن ذوات الحسن والجمال، أو أنهنّ يتوجسْنَ خيفة من التجاوز عليهن، وتعرضهن للتّهم.
فهؤلاء النساء يرغبن فطرة في التحفظ والتستر، حذرا من التعرض والتجاوز عليهن، وتجنبا من أن يكنّ موضع تهمة في نظر أزواجهن بل نجد أن المسنّات أحرص على التستر من غيرهن.
وربما لا تتجاوز الاثنتين او الثلاث من كل عشر من النساء هن: شابات وحسناوات، لا يخجلن من إبراز حسنهن، ولا يتضايقن من إبداء مفاتنهن.. وهؤلاء لسن بحجّة.. إذْ من المعلوم ان الإنسان يتضايق من نظرات من لا يحبه، وحتى لو فرضنا أن حسناء جميلة ترغب في أن يراها اثنان أو ثلاثة من غير المحارم، فهي حتما تَسْتَثْقِلْ وتنزعج من نظرات سبعة أو ثمانية منهم، بل تنفر منها.
المرأة بكونها رقيقة الطّبع سريعة التأثر، تنفر حتما ما لم تفسد أخلاقها ، من نظرات خبيثة، تصّوب إليها، والتي لها تأثير ماديّ كالسّم كما هو مجرّب ، حتى أننا نسمع: أن كثيرا من نساء أوروبا وهنّ موطن التكشّف والتّبرج يشكين الى الشرطة، من ملاحقة النظرات اليهن، قائلات: إن هؤلاء السّفلة يزجّوننا في سجن نظراتهم.
نخلص مما تقدم: أن رفع المدنيّة السفيهة للتستر، وإفساحها المجال للتبرج، إنما هو أمر يناقض الفطرة الانسانية وأنّ امر القرآن الكريم بالاحتشام والتستّر فضلا عن كونه فطريا يصون النساء من المهانة والسقوط ومن الزلة والأسر المعنويّ، ومن الرذيلة والسّفالة، وهنّ معدن الرأفة والشفقة، والرفيقات الأمنيات لأزواجهن في المستقبل.
والنساء فضلا عما ذكرناه يحملن في فطرتهن تخوفا من الرجال الاجانب، وهذا التّخوف يقتضي فطرة التّحفظ، وعدم التكشف إذ ربما تنغص لذة غير مشروعة لتسع دقائق بتحمّل أذى حمل جنين لتسعة أشهر ومن بعده القيام بتربية ولد لا حامي له زهاء تسع سنين.
ولوقوع مثل هذه الاحتمالات بكثرة تتخوف النساء فطرة، خوفا حقيقيا من غير المحارم «الأجانب» وتتجنّبهم جبلّة، فتنبهها خِلْقَتُهَا الضّعيفة تنبيها جادا الى التحفظ والتستر، وتندفع الى ذلك. ليحول دون اثارة شهوة غير المحارم، وليمنع التجاوز عليها، وتدلها فطرتها على أن حجابها هو قلعتها الحصينة وخندقها الأمين «فلا يُؤْذَيْنَ».
ولقد طرق سمعنا أن: صباغ أحذية قد تعرّض الى زوج رجل ذي منصب دنيويّ كبير كانت مكشوفة المفاتن، وراودها نهاراً جهاراً في قلب العاصمة «أنقرة» أليس هذا الفعل الشنيع، صفقة قوية على وجوه أولئك الذين لا يعرفون معنى الحياء، من أعداء العفّة والفضيلة؟.
الحكمة الثانية: أن العلاقة الوثيقة والحبّ العميق، بين الرجل والمرأة ليسا ناشئين عما تتطلبه الحياة الدنيا، من حاجات فطرية فحسب، فالمرأة ليست صاحبة زوجها في حياة دنيوية وحدها، بل هي رفيقته أيضا في حياة أبدية خالدة.
فما دامت هي صاحبته في حياة باقية، فينبغي لها ألاّ تلفت نظر غير رفيقها الأبديّ، وصديقها الخالد إلى مفاتنها، وألاّ تزعجه ولا تحمله على الغضب، وسوء الظن والغيرة.
وحيث ان زوجها المؤمن بحكم إيمانه لا يحصر محبته لها، في حياة دنيوية فقط، ولا توليها محبّة حيوانيّة قاصرة على وقت جمالها، وزمن حسنها، وإنما تكن له حبا واحتراما خالصين دائمين، حتى وقت شيخوختها، وزوال حسنها، بل يدومان إلى حياة أبدية خالدة.
فإزاء هذا لابد للمرأة أيضا ان تخصّ زوجها وحده، بجمالها ومفاتنها، وتقصر محّبتها به، كما هو مقتضى الانسانية. وإلاّ ستفقد الكثير، ولا تكسب الا القليل.. ولذا جاء في الأثر: إن الزوجين اذا دخلا الجنة تكون المرأة لزوجها في الدنيا ثم إن ما هو مطلوب شرعا: أن يكون الزوج كفوءاً للمرأة وهذا يعني ملاءمة الواحد للآخر ومماثلتهما، وأهم ما في الكفاءة هذه: هي كفاءة الدين.. كما هو معلوم.
فما أسعد ذلك الزّوْجُ الذي يلاحظ تديّن زوجه، ويقوم بتقليدها ويصبح ذا دين، فلا يفقد صاحبته الوفيّة، في حياة أبدية خالدة، إنها حياة سعيدة في كنف الاسلام والحرص على امتثال أمر الله وأمر رسوله.
وكم هي محظوظة تلك المرأة التي تلاحظ تدّين زوجها، وتخشى أن تفرّط برفيق حياتها، الأمين في حياة خالدة، فتتمسك بالإيمان والتّقوى علاوة على ما تحظى به من اجر عند الله وحسنات تسجل لها.
والويل كل الويل، لذلك الرجل الذي ينغمس في سفاهة تفقده زوجه الطيّبة الصالحة، ويا لتعاسة تلك المرأة التي لا تقلد زوجها التقيّ الورع، فتخسر رفيقها الكريم الأبدي السعيد، والويل والثبور لذينك الزوجين الشقيين اللذين، يقلدان بعضها البعض الآخر في الفسوق والفحشاء، فيشابهان البهائم ويتسابقان في دفع أحدهما الآخر الى النار.
والبهائم غير مكلفة بشرع فلا حساب عليها، ولكن ابن آدم مكلف بشرع الله، وأعطي عقلا وفهما ليتدبر ما في الاسلام من تكاليف: أوامر تتبع، ونواه تجتنب.
الحكمة الثالثة: ان سعادة العائلة في الحياة واستمرارها، إنما هي بدوام الثقة المتبادلة بين الزوجين واستمرار الاحترام اللائق والودّ الصادق بينهما، الا ان التبرج والتكشف يخل بتلك الثقة ويفسد ذلك الاحترام والمحبة المتبادلة.
ففي محيط متكشّف مثل هذا تلاقي تسعاً من عشرمتبرجات، أمامهن رجال يفوقون أزواجهن جمالا، بينما لا ترى غير واحدة منهن، من هي أقلّ جمالاً من زوجها، والأمر كذلك في الرجال فلا يرى إلاّ واحدة من كل عشرين منهن، من هي أقل جمالاً من زوجته، بينما الباقون يرون امامهم، من يفقن زوجاتهم حسناً وجمالا، فهذا المحيط المتكشف المتبرج قد يؤدي الى انبعاث أحساس دنيء، وشعور سافل قبيح في النفس فضلا عما يسببه من زوال ذلك الحب الخالص، وفقدان الاحترام..وهذا من حكمة غضّ البصر المأمور به شرعاً.
إن الانسان لا يمكنه ان يحمل فطرة شعورا دينيا حيوانيا، تجاه المحارم اللائي ينظر اليهن نظرته لأخته لأن سيماء المحارم تُشْعِرُ بالرأفة والمحبة النّابعين من صلة القربى فهذا الشعور النّبيل يحدّ من ميول النفس الشهوية إلا أن كشف ما لا يجوز كشفه قد يثير لدى النفس الدنيئة حساً سافلاً خبيثاً لزوال الشعور بالحرمة .
وما ذلك إلا أن ملامح المحارم، تميّز بعلامات فارقة عن غيرهم، لذا فكشف تلك المواضع من الجسد يتساوى فيه المحرم وغيره لعدم وجود تلك العلامات الفارقة، التي تستوجب الامتناع عن النظر المحرم، ولربما يهيج لدى بعض المحارم السّافلين ممن خف الوازع الديني ونقص عندهم فهم تعاليم الاسلام، هوس النظرة الحيوانية، فمثل هذه النظرة سقوط مريع للانسانية، تقشعر من بشاعتها الجلود وتأنف من عملها الحيوانات، حيث روي أن فلاحاً أراد أن يمتحن عجلاً عندما كبر، فعزله عن أمّه، وفي وقت الهيجان، أدخله الحظيرة معصوب العينين فنزى على أمه ثم فكّ العصابة عن عينيه، فنظر يميناً وشمالاً، ولم ير في الحظيرة معه، غير أمه، فأصيب بهيجان قفز معه على جدار الحظيرة، ثم واصل الجريان من مكان إلى مكان حتى وصل النهر فرمى بنفسه في جوفه، ومات غرقاً.
الحكمة الرابعة: من المعلوم أن كثرة النسل مرغوب فيها دائماً، فليس هناك أمة، ولا دولة، لا تدعو إلى كثرة النسل، وقد قال الرسول الكريم: «تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة» وفي رواية أبي داود: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم». بيد أن رفع التّستّر، وإفساح المجال أمام التبرج، والتكشف يحدّ من الزواج، بل يقلّل من التكاثر كثيراً، لأن الشاب مهما بلغ فسوقه، فإنه يرغب في أن تكون صاحبته في الحياة، مصونة عفيفة، ولا يريدها أن تكون مبتذلة متكشّفة مثله.
لذا تجده يفضّل العزوبة على الزواج، إن لم يجد ما يبغيه، وربما ينساق إلى الفساد.
أما المرأة فهي ليست كالرجل، حيث لا تتمكن أن تحدّد اختيار زوجها، فالمرأة: من حيث كونها مدبّرة لشئون البيت ومأمورة بالحفاظ على الأولاد من زوجها وأمواله، وكل ما يخصه، فهي تتّصف بأعظم خصلة هي: الأمانة والثقة، إلاّ أن تبرجها وتكشّفها يفسد هذه الأمانة، ويزعزع ثقة الزوج بها، فتجرِّع الزّوج آلاماً معنوية، وعذاباً وجدانياً.
حتى ان الشجاعة والسخاء، وهما خصلتان محمودتان لدى الرجال، إذا ما وجدتا في النساء، عدّتا من الأخلاق المذمومة لإخلالهما بتلك الأمانة والثقة، إذ تفضيان إلى الوقاحة والإسراف.
وحيث ان وظيفة الزوج، غير قاصرة على الائتمان على أموالها، بل تشمل حياتها والرحمة بها، والاحترام لها، فلا يلزمه ما يلزمها - أي الزوجة - ولا يفيد اختياره للزوجة، ويمكنه أن ينكح غيرها من النساء.
إن بلادنا - بلاد المسلمين - لا تقاس ببلدان أوروبا، فهناك وسائل صارمة للحفاظ - إلى حدٍ ما - على الشرف والعفاف، في وسط متبّرج متكشّف، منها المبارزة وأمثالها، فالذي ينظر بخبث، إلى زوج أحد الشرفاء، عليه أن يعلّق يده في عنقه، مقدماً.. هذا فضلاً عن أن طبائع الأوروبيين باردة جامدة كمناخهم.
أما هنا في بلاد العالم الإسلامي خاصة، فهي من البلدان الحارّة قياساً إلى أوربا، ومعلوم مدى تأثير البيئة في أخلاق الإنسان،.. ففي تلك الأصقاع الباردة. ولدت أناس باردين، قد لا يؤدي التبرّج، الذي يثير الهوى الحيواني، ويهيّج الرّغبات الشّهوانية، إلى تعديات كثيرة، وفساد كبير- في قلوبهم - مثلما يؤدي إلى الإفراط والإسراف في المناطق الحارّة، وفي أناس حسّاسين يُثَارُونَ بسرعة..
ومع ذلك نسمع ونقرأ عندهم كثرة في التّعديات والتحرشات، التي ضج منها المجتمع، وتعالت منها صيحات النساء، وامتلأت منها المحاكم. فالتّبرج وعدم التّستر، الذي يثير هوى النفس، ويطلق الشهوات من عقلها، في مثل هذه المناطق يؤدي حتماً إلى الإفراط وتجاوز الحدود، وإلى ضعف النسل، وانهيار القوى، حيث إن الرجل الذي يمكنه أن يدفع حاجته الفطرية في شهر، أو في عشرين يوماً، يظن نفسه مضطراً إلى دفعها كل بضعة أيام، وحيث إن هناك عوارض شرعية - كالحيض - تجنبه أهله ، وقد تطول خمسة عشر يوماًً - تراه ينساق إلى الفحش إن كان مغلوباً لنفسه.
ثم إن أهل المدن ينبغي لهم، ألاّ يقلدوا أهل القرى والأرياف في حياتهم الاجتماعية، ولا يعرفوا التّستر فيما بينهم، لأن أهل القرى يشغلهم شاغل العيش، وهم مضطرّون إلى صرف جهود بدنية قوية، لكسب معيشتهم، وكثيراً ما تشترك النساء في أشغال متعبة، لذا لا يهيّج ما قد ينكشف في أجزاء من أجسامهن الخشنة، شهوات حيوانية، لدى الآخرين، فضلاً عن أنه لا يوجد في القرى سفهاء عاطلون، بقدر ما هم موجودون في المدن، فلا تبلغ مفاسدها، إلى عشر ما في المدينة، - ومجتمع القرية صغير معروف، يبين فيه كل شيء، تخشى عواقبه المدينة بعكس ذلك مع ضعف الرقابة على الشباب. - ولذا لا تقاس المدن على القرى والأرياف .. ا. ه. مع بعض التصرف..
وفي بلاد الغرب والشرق، لما انتشر التّبرج، مع عدم وجود الحجاب، جاء الاختلاط في الدراسة وفي العمل، ونتج عن ذلك احصائيات سنوية تقدر بالملايين، عن الاجهاض، والأولاد غير الشرعيين، مما جعل العقلاء، يضجّون، ويرون الحلّ فيما وضعه الإسلام للمرأة من حشمة ووقار، وقد بيّنت نماذج من ذلك في كتابين صدرا لي قبل سنوات: المرأة بين نور الإسلام وظلام الجاهلية، وحماية الإسلام للمرأة. وسبحان من حمانا بشرعه، الذي أنزله لحكم عديدة منها ما يخصّ الفرد، ومنها ما يتعلق بالمجتمع.
من آداب النساء:
قال عبدالملك بن حبيب الأندلسي في كتابه البداية والنهاية: بلغني أن الإمام مالك بن أنس رحمه الله، خيّر ابنته في نفسها، - قيل إن اسمها فاطمة، وعدّها القاضي عياض، من رواة الموطأ -، أن تنكح من أحبّت - مما تقدم لخطبتها - فاختارت فتى من أبناء الملوك، قد رفض الدنيا، وأخذ في الزهادة. فلما كان انتقالها إليه، اجتمع إليها أخوات ثلاث وحاضنة لها، فابتدرت الحاضنة وصيّتها فقالت: أي بنيّة، من لم يغضّ من نور نظره، ما يتبيّن له به رشده، ويعرف ما يؤذيه فيجتنبه، كان كآكل السموم وهو لا يدري، أي بنيّة، النساء بخمس خصال لا غنى لهن عن واحدة منهن، بينهنّ وبين الأزواج: المحبة بالغيب، فإن القلوب شاهدة، وحسن الطاعة فإنها تثبت المودة والاقتصاد فإنه يؤمن من الملامة ويستبقي حسن المودة، والطهارة فإنها تستهيل الهوى، والعفاف فإنه يدعو إلى الخير، فخذي حظّك من عقلك، وانتفعي بنصيحتي من نُصْحك.
ثم قالت إحدى الأخوات: يا أخيّتي إنك كنت مالكة، فصرت مملوكة، وكنت آمرة فصرت مأمورة، وكنت مختارة فصرت مختاراً عليك، وإنه لا جمال للمرأة إلا بزوجها، كما أنه لا جمال للشجرة إلا بأغصانها، فلا تُعَاصي زوجك فَتلْحيه، ولا تُسْلِسي كل السلس فَتُملّيه، وتوقي بوادر ضجره، واستبيني طرفاً من دَعْنه، ولا تجعلي هزلك في ما يغضب في جدّه، وقفي في نفسك على حدود أمره،وليكن رأس طيبك الماء، ورأس وسيلتك إليه الطاعة، ورأس آلتك العفاف، ولا تغيّريه بسببه، ولا تَمُنّي عليه بحسنه، وكوني له أمة يكن لك عبداً، ثم قالت الثانية: يا أُخيَّتي، اجعلي لزوجك رقيباً عليك من نفسك، وملكيه عنان طاعتك، وتأمّلي ما أحبّ فابتغيه، ولا تتّبعي ما يكره فاجتنَبيه، واستقبلي بصره بالطهارة، ومجانته بالعفاف، وتفويضه بالاقتصاد، وثمرة قلبه بالموّدة واعلمي أن لا عزّ للمرأة الا بزوجها، كما أنه لا عزّ للشجاع إلا بسلاحه.
ثم قالت الأخت الثالثة: يا أُخيّتي، إنك أخرجت نفسك، إلى رقّ الزوج، بعد ملك النفس، ولا حياة للمرأة إلا بزوجها، كما أنه لا حياة للسمكة إلا بالماء.
يا أُخيّتي، استصغري إحسانك لزوجك، فإنما هو منك لنفسك، وعظّمي إحسانه إليك، فإنه أرغب في الزيادة لك، وليكن استعدادك له، كأن له عليك حافظاً منه، وعاشريه بالتواضع، وتحلّي عنده بالصدق، وتزيني عنده بالطهارة، وتحصّني من رينته بالعفاف والتسليم، واجعلي قصدك فيما بين دُنُوَّكِ وبُعْدكِ.
فلما فرغن .. قالت الفتاة: قلتنّ بالنّصيحة فلاعَدِمْتُها معكنّ، ولا عدمتها من نفسي، لكن الطاعة، وبالله التوفيق ومنه المعونة
)ص 164 - 166(
|
|
|
|
|