أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 7th June,2001 العدد:10479الطبعةالاولـي الخميس 15 ,ربيع الاول 1422

الثقافية

نابغة الجزيرة العربية في العصر الحديث
صالح بن إبراهيم العوض
من أصعب الطروح الفكرية في ميدان الكتابة، تناول الشعراء والمبدعين. ويكون الأمر أشد صعوبة إذا كان الانتاج غزيرا والعطاء كثيرا متميزا.
وكل هذه المقومات يكاد الشاعر الكبير محمد حسن فقي، يحيط بها. فهو ذو دفق سيال، وعطاء منهال، وفكر متفرد.
أكدت بعض المصادر - قاطعة - ان تاريخ ميلاده هو 17/11/1332ه. مستندة بذلك الى وثائق خطية بيد الشاعر. ولد في مكة المكرمة لأسرة ذات يسار وغنى.ولكن وفاة والدته وهو في الشهر السابع جعلت هذه الثروة نهبا للمرضعات اللاتي تنافسن على ابتزاز والده الحريص على هذا الولد الذكر الوحيد.
نشأ نشأة صحية ضعيفة كانت سببا لقلق اخواته ووالده.. إلا أنه كان - رغم ذلك - يتمتع بأسباب النبوغ والذكاء الحاد حتي تفوق على أقرانه في مدارس الفلاح.
تخرج منها وعين فيها مدرسا للأدب العربي.
تقلد عدة مناصب حكومية وخاصة ومنها:
- رئاسة تحرير جريدة صوت الحجاز.
- محرر في وزارة المالية والاقتصاد الوطني.
- مدير عام في وزارة المالية والاقتصاد الوطني.
- سفير للمملكة العربية السعودية في إندونيسيا.
- أسس ديوان المراقبة العامة بتكليف من الملك فيصل - رحمه الله-.
- نائب رئيس ديوان المراقبة العامة بالمرتبة الممتازة.
- مدير عام مؤسسة البلاد الصحفية.
مدير عام مجلس ادارة البنك الزراعي.
- مستشار ثقافي في بعض القطاعات. ومنها المجلة العربية التي تصدر في الرياض.
- أعمال تجارية حرة متنوعة.
تزوج مبكراً، وتوفي ابن له، ولحقته ابنة له - أيضا - في عام واحد. وكان لذلك أثره البالغ على شاعرنا - الفقي- إذ قال:«فقدان ابني وابنتي هو أكبر حزن عشته». وقال:
«كتبت قصيدة طويلة بعنوان: أكباد تحترق.. قلت فيها أخاطب ابنتي - يرحمها الله-:


ضريحك للندى والحب مثوى
كريم جاده الغيث العميم
وضمك في الثرى صدر حنون
وحفك - بعدُ - في الخلد النعيم
وأنت وقد طواك الموت ضيف
لدى الرحمن وهو هو الرحيم
تهيم بك القلوب وأي قلب
يرى هذي الخلال ولا يهيم

بلغ نتاجه الشعري رقما لم يبلغه شاعر قط!! فمجموعته الشعرية التي تجاوزت عشرة مجلدات اقتربت من خمسة آلاف صفحة مضغوطة بشكل يلفت الانتباه، حيث تضم الصفحة أبياتا فقط قد تتجاوز العشرين، ولا تحتوي الصفحات على أي رسوم أو صور تعبيرية تشغل حيزا وتقلل عدد الأبيات في الصفحة كما نراه في بعض الدواوين المطبوعة بهدف الاخراج الجيد.
وما طبع يمثل ما أقره الشاعر ورضي عنه.
إن مبدعا بهذه الغزارة والكثرة ليجعل الناقد في حيرة من أمره.. لذلك تخبط كثير من دارسيه، فيصنف في عدة تيارات واتجاهات؛ وللحق فإن الفقي: «شاعر عظيم، مرهف الحس، عميق التجربة، متمكن من أساليب اللغة، وجماليات التعبير، يزاوج في شعره - بمهارة فائقة - بين القديم الموروث والرومانسية الحالمة. والفكر الفلسفي الرصين، والخيال المجنح، والأحلام الراقصة».
يقول الشاعر الفقي عن نفسه:«أنا لا أريد أن أكون صورة لأي أديب، بل أريد أن أكون صورة لنفسي، لأفكاري، لمشاعري وخوالجي». والشاعر محمد حسن فقي شاعر تقليدي حافظ على عمود الشعر العربي والتزم به.. ومحاولاته التي لا تتجاوز أصابع اليدين في الشعر المنفرط أو شعر التفعيلة لا تخوله الولوج في ميدان التجديد والمجددين.. ذلك لضعفها في البناء والمعنى.
ينقاد الشاعر الفقي للقصيدة بطواعية فكثيرا ما استدعاه الشعر فجاءت الاستجابة عميقة الغور، قوية السبك، متسقة الألفاظ، متجانسة المعاني، متجاذبة الأفكار.. وغالبا ما يستدعي الشعر - لأمر ما فيند ويظهر مهزوزا يعتريه شيء من الضعف وتظهر به ندوب التهالك.
التجربة الشعرية لدى الفقي ليست إلا مخاضا للألم والمعاناة التي تصطرع في أعماقه، فتفور حتى تظهر بثوبها القشيب بعد ان تتآلف مع روافد أخرى.
إن الشاعر - في نظر كثير من الناس، لاسيما أولئك الذين لا يعرفون عن الشعر إلا القراءة فقط - في نظرهم - محظوظ، ذلك أنه يسري عن نفسه ويخفف معاناته ويلجأ الى الشعر متى شاء.!!.. وليس الأمر كذلك، فلا يأتي الشعر طوعا، ولا ينثال اختيارا، بل يأتي مغالبة، ويهبط بمشيئة لا يرتقبها الشاعر، ولحظة لا تشترط عليه الاستعداد. لذلك ما كان على الشاعر ان يلتزم بأمور يقفها على نظمه لحقيقة التعارض بين الموهبة والالتزام. ويتجلى خرق هذا المنحى لدى شاعرنا الفقي إذا التزم - أو ألزم نفسه - بطرح كثير من القضايا التي عالجها شعرا وتعهد لاحدى المطبوعات، بل بعض المطبوعات الدورية، بأن يزودها بما يكتب.. وهو بهذا يستجيب لداعي الالتزام الذي فرضه على نفسه وينتظره منه المسؤول والمتلقي. والالتزام قد يلجىء الشاعر - كما أنه يلجىء الكاتب أيضا - الى أن يسد زاويته بما يحفظ ماء وجهه أمام قرائه والقائمين على المطبوعة التي التزم بها. كما ان الالتزام قد لا يكون دوريا كما في المطبوعات المنتظمة الصدور، بل ربما يكون لمناسبة، وقد يكون وقتها ضيقا فيكتب ما اتفق مما يهز مكانته الأدبية أمام النقاد والمتذوقين والمريدين. وقد يكون هناك استثناء من هذا الحكم، عندما يكون الشاعر موهوبا مميزا ذا دفق سيال تسعفه المقومات الفنية ويمتلك زمامها كما الشاعر الفقي، الذي وصفه أحد دارسي أدبه بأنه:«.. نفحة من نفحات الشعر العبقري، وباقة من رياض الخلد، وحكمة من حكم الدهر، ونغمة مطربة من نغمات الفن العالي، ولوحة زاهية من لوحات الشعر الحديث».
إن محمد حسن فقي سار في رباعياته على نمط خاص، جعل الصلة بين الأدب ونفس الأديب جلية ظاهرة.. قال الدكتور محمد حسين هيكل في كتابه: ثورة الأدب:«إن حياة الأدب إذا لم تتصل بنفس الأديب وروحه، وإن لم يظهر وحيها في آثار حياته، كان الأدب فاتراً ضعيفا، لأنه لا يصف الواقع ولا يجلو الحقيقة، وخير ما يكفل وضوح ذاتية الأديب في أدبه أن يتصل ما يكتب بقلبه وعقله وكل حياته».
ومتى ما خرجت تلك الرباعيات - الملتزمة- عن الاطار الذي يتطلبه الشعر وحاول الفقي ترسمه - ودخلت في منحى واقعي وصفي فإنها بلاشك توقع في عنق الزجاجة، ومضيق الالتزام الذي فرض عليه ما يكتب ثم انه استلهم ولم يلهم.
إن الفقي صوت اجتماعي وصوت وطني وصوت عربي وهمس ذاتي وبلبل حاكٍ تقلب على أفنان الأدب وآرائك الشعر وغرد ما شاء الله له ان يغرد ولكنه اليوم بعيد عن تلك المراتع بسبب معاناته الصحية.. نسأل الله ان يجزل له المثوبة ويحسن له الخاتمة.


أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved