أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 7th June,2001 العدد:10479الطبعةالاولـي الخميس 15 ,ربيع الاول 1422

الثقافية

محمد حسن فقي شاعر أم فيلسوف
في فضاءات الرؤية والمعرفة والتنبؤ والحدس، والاحساس الجارح بالوجود وبالمسؤولية عن بعض جدلياته، وبواجب التعبير عن هذا الاحساس وهذه المسؤولية وبضرورة اتخاذ موقف أو مواقف تجاه ما يدور في عالم الانسان وتسجيل هذا الموقف أو المواقف كشهادة تتحرى الصدق والاخلاص وتنزع الى الكشف والتطهير؛ يدور كل من الشعر والفلسفة والحكمة.
الشعر أو الفلسفة والحكمة أيضاً، نشاط انساني اجتماعي وان اعتمد على الموهبة والخبرةوالمران.
تجتمع هذه الأنشطة الثلاثة في فضاء حسي وروحي واحد، ولابد لكل منها ان يمر بهذا الفضاء وان يجترح السفر في أعماقه.
قد يكون هذا السفر عارضا، أو راسخا، وبحسب قوة سيطرة أحد هذه الأنشطة الثلاثة على النشاطين الآخرين أو النشاط الآخر، وقد يكون هناك نوع من التبادل بينها، وقد ينشأ عن هذا التبادل تعارض أو تناقض أو تكامل، وبحسب السبب السابق.
من هنا أراد أبو الطيب المتنبي ان يصبح شاعرا فأصبح حكيما.
ومن هنا أراد أبو العلاء المعري ان يصبح شاعرا فأصبح فيلسوفا.
ومن هنا أراد محمد حسن فقي ان يصبح شاعرا فيلسوفا فحلّ في منطقة وسط، بين الشعر والفلسفة.
هناك شبه كبير بين محمد حسن فقي والشاعر الصيني هان فوك.
تجمعهما الرغبة المبكرة في معرفة حقيقة كل شيء، ومحاولة بلوغ الكمال الذي يجمع بين الفن والمعرفة، أي بين ما يتصل بالخيال وما يتصل بالمنطق، وما بين العقل والجنون، وما بين العبث والرزانة، وما بين الرغبة في التحليق والخوف من الطيران الحر البريء ومغادرة الأرض التي تعرفها الخطى جيدا.
كما يجمعهما أيضا، عدم القناعة بما وصلا اليه، لأن قلب كل واحد منهما كان مليئا بطموح ان يصبح شاعرا بكل معنى الكلمة، وليس فيلسوفا فقط.
وعلى الرغم من كل ما حققاه، لم يشعرا، أبدا، بالراحة والسكينة، وبقيا وحيدين غريبين، يشعران بالتمزق الحاد بين العقل والعاطفة، بين الجمال والقبح، بين الخيال والمنطق، وعلى الرغم من ان فلسفة كل منهما كانت من النوع التأملي أكثر منها فلسفة قائمة على المقدمات والحيثيات والبراهين والأدلة والنتائج والاستقراء، أي ان فلسفتهما كانت تأملا وتحليلا تتعالق مع علم النفس أكثر مما تتعالق مع علم الكلام.
كان ما يحزنهما ويجعلهما يفكران مليا، وبمرارة، قناعتهما بأن «السعادة الحقيقية والقناعة العميقة يمكن ان تكون بحوزتهما فقط، ولو أنهما نجحا مرة في تصوير الكون بصورة تبلغ حد الكمال تماما في احدى القصائد التي ستمكنهما من امتلاك العالم نفسه» مطهرة ومخلدة لهما وللعالم في الآن نفسه.
كلاهما، جلس وحيدا غريبا، بعينين حالمتين باكيتين بين جوقة الشعراء المبتهجين. وكلاهما، وصل به الأمر الى الحزن العميق الذي مصدره الشعور بعدم الجدوى وبانعدام القيمة وباستحالة الوصول. كتب محمد حسن فقي شعره الكثير جدا، وهو يفكر ويتأمل وليس وهو يحلم ويتخيل، حين وقف على جزيرة بين بحرين، بحر الشعر وبحر الفلسفة، وحيث تنعكس أمامه آلاف الصور، محاولا التمييز بين الصور الحقيقية والصور المنعكسة، في الوقت نفسه الذي انشغل فيه بمحاولة تأمل هذه الصور وتوليدها والاستمتاع بها، وكأن المسألة لا تعني له الكثير، كما أصبحت بالنسبة لقرائه أيضاً.


أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved