| الثقافية
)احتفل الفرنسيون بميلاد الروائي الكبير )بلزاك( المئة.. وفي شيلي يقيمون تمثالا بحجم جبل لسيف اللهب )نيرودا( وشجرة تقف بذراعين لكافكا.. في كل بلدان العالم يضعون تمثالا للجندي المجهول ويرقصون مع الموسيقى الشعبية عند كل مناسبة بأعلامهم من الكتاب والمبدعين.. والمفكرين.. وكل الذين برزوا كبثور على اديم اوطانهم من المشاهير..(
عبدالعزيز مشري - الجزيرة - *
عندما كنا في امتحان الشهادة الثانوية وفي مادة العروض والقافية جاءنا هذا البيت الشعري:
من الناس من يصل الأبعدين ويشقى به الأقرب الأقرب
وكان المطلوب منه بعض المسائل العروضية، عرفنا البحر الذي ينتمي اليه البيت، وحالة عروضه وضربه وتقسيم التفعيلات فيه.. الخ لكننا مع كل هذا لم نعرف من هو قائل البيت والى اي عصر او بلد ينتمي؟ قدرت يومها ان قائل البيت اما ان يكون مصريا او شاميا.. كما تعودنا خلال مراحل دراستنا التي تزدحم بنتاج الادباء العرب.. ولم يخطر ببالي أبدا ان يكون قائله سعوديا!
عرفت فيما بعد ان هذا البيت من قصيدة للشاعر السعودي الكبير محمد حسن فقي، ومع ذلك فقد كنت اظنه قد رحل عن الدنيا - اطال الله في عمره - لأنني لم اكن أراه في التلفاز او الصحف مثلما كنت ارى نجوم الفن والرياضة!حين كبرنا قليلا.. ادركت ان شاعرنا الكبير لم يزل على قيد الشعر والابداع.. والتقيت بأعماله الكاملة في ثمانية مجلدات صادرة عن الدار السعودية للنشر والتوزيع وللعلم فقد طبعها الشاعر على نفقته الخاصة.. كما يصنع اي شاعر مبتدئ ينشر ديوانه الاول!!
لن اتحدث عن تجربة الشاعر الرائد محمد حسن فقي فليس مثلي الذي يقوِّم رمزا وتجربة بهذا الحجم ولكنني اجدني مطعونا في الخاصرة من كمية التجاهل والتغييب التي يعاني منها الادباء والمبدعون السعوديون وبخاصة الاوائل منهم، اولئك الذين رسموا الخطوط الاولى في مسيرة الابداع السعودي، امثال العواد، قنديل، شحاتة، الزمخشري، حسين سرحان، القرشي، الفقي، السنوسي، الى آخر القائمة المشعة من رموز الادب في بلادنا.
انك تكاد لا تجد نتاج هؤلاء الكبار متوافراً بين ايدي الباحثين والمهتمين فضلا عن الاجيال والناشئة، باستثناء الفقي الذي طبع اعماله الكاملة على حسابه الخاص ومحمد السنوسي الذي قام نادي جازان الادبي - قياما واجبا - بطباعة اعماله الكاملة عدة طبعات اضافة الى ديوان حمزة شحاتة الذي طبعه الامير الشاعر عبد الله الفيصل على نفقته الخاصة..والسؤال هنا.. اين بقية الاسماء الكبيرة؟ اين دواوينهم.. ومن المسؤول عن ضياعها واندثارها؟ محمد حسن عواد على سبيل المثال.. لن تجد له اي ديوان مطبوع مهما بذلت من الوسائل وحاولت من الحيل سوى بعض مصورات مهترئة! وهو واحد من أوائل الذين كتبوا القصيدة الحديثة في الوطن العربي بأكمله. والعجيب في الموضوع اننا نجد في قائمة اصدارات ومنشورات مكتباتنا التجارية الكبيرة اسماء كبيرة للعرب والاجانب اكثر مما نجده للادباء السعوديين، وكأن هؤلاء السعوديين عاشوا في عصور ما قبل التدوين؟! حقا )من الناس من يصل الأبعدين(!
من المسؤول عن ضياع هذا الكم المضيء من النتاج السعودي؟ من نخاطب؟ والى من نلجأ؟ ان المسؤول الاول والاخير - في نظري على الاقل - هو المؤسسات الثقافية )الجامعات، جمعية الثقافة والفنون، الاندية الادبية، وسائل الاعلام( فمثلا في جانب مسؤولية الجامعات نحن نعلم ان ثمة بحوثا ورسائل اكاديمية ودراسات كثيرة قد انجزت عن الادب السعودي ورموزه تأريخا ودراسة وجمعا.. اين هي؟ لم لا نراها تطفو على السطح؟ الجواب باختصار انها في احسن الاحوال قابعة في ارفف المكتبات المركزية لهذه الجامعات.. لم تنشر او تطبع او حتى توزع على مكتبات مماثلة في الجامعات الاخرى ليفيد منها الباحثون وطلاب الجامعات واساتذتها والا ماذا نقول عن رسالة ماجستير بعنوان )الاتجاه الابتداعي في الشعر السعودي( للشاعر المبدع محمد حمود حبيبي، رسالة جميلة جدا احتوت على تحليل فني وتقسيم نقدي ممتاز ونماذج مجموعة لن نجدها في غير هذه الرسالة، ما الذي حصل للرسالة؟ رفضت الجامعة التي نوقشت فيها ان تطبعها! وفي النهاية تصدر مطبوعة عن طريق المهرجان الوطني للتراث والثقافة * ويكتفى بتوزيعها )يدويا( على حضور الامسيات الشعبية والندوات وبعض الفعاليات و... فقط ليس غير؟! وغيرها الكثير جدا من الرسائل والبحوث القابعة في زوايا الرطوبة المعتمة لدى جامعاتنا العزيزة.
azaalah @ yahoo. com
|
|
|
|
|