| مقـالات
أحسب أن قراءة هذا العنوان سوف تؤدي إلى الاشمئزاز لأن الفقر أيّاً كان نوعه لا يجعلنا نحس بالراحة نفسيا على الأقل وقد كان الخليفة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه من بين الذين توعدوا هذا الزائر الكريه حين قال: )لو كان الفقر رجلا لقتلته( اذن فهو امرأة لا تؤاخذ على ما فعلت بالعباد من المكاره ليس لانها حسناء صرعت كل من نظر إلى جمالها ولكن لانها دوخت رؤس حتى الحكماء بمكرها فأفقدتهم اتزانهم. اذ حين يلمّ الفقر بأناس من فصيلة البشر تراهم يتصرفون بدون تحكيم للعقل إذ لا يستوي الفقر والعقل فلكل طريقه الذي يتقاطع مع الآخر. الفقر أهوَج بينما العقل اتزان. وأسوأ اعراض الفقر هي المشاعر المرَضِيّة التي تصيب الإنسان فتجعله يحس بالفقر بينما هو يملك الكثير من المال والمتاع لولا ان الهاجس الداخلي يقرع عليه الأبواب والنوافذ محذراً بأن ما لديه يوشك أن ينفد ويقتضي منه الركض في أكثر من اتجاه حتى لا تنكشف الأسرار المحزنة لأن الفقر في تقديرهم نوع من المسبة وقد نسوا بأن توزيع الأرزاق هي بتوجيه من الخالق سبحانه وتعالى. وإن كانوا قد أفهمونا بأن الغنى هو غنى النفس وليس بما تحت اليد من المال والأطيان فان اليهود وحدهم الذين شذوا عن تقبل هذه الحكمة لانهم جبلوا على تكديس الأموال والسيطرة على مسارها حتى يتسنى لهم اخضاع الآخرين لتحكمهم وتوجيههم. والفقر هو في الحقيقة من نتاج شح الواردات من مردود العمل كالبطالة أو تواضع الحصاد من الزرع والضرع إلى جانب تداول المظالم أو مصادرة الفرص واستحواذ الأقوياء على أرزاق الضعفاء. كما يحدث اليوم بالنسبة لمظاهر العولمة التي تركز المحاصيل والثروات في أيدي قلة طامعة جشعة وبالقضاء على المنافسات الصغيرة. فالنظام الرأسمالي البغيض لا يعترف بالضعفاء، وحقهم في الحياة الكريمة بتشجيع من الفئات الحاكمة التي هي غالبا تقف إلى جانب القوي الذي يرتفع صوته عاليا بالحق والباطل أحيانا بمعنى ان الفقر هو حالة من انتاج السلوك البشري وذلك لأن الموارد متنوعة وتكفي لاحتياجات كل مجتمع لولا ان الجشع والطمع يحاول السيطرة ومصادرة نصيب الأكثرية بحيث تنتفي العدالة في التوزيع وليس في الانتاج غالبا بدليل ان هناك أقطاراً غنية بمواردها وانتاجها تجد العديد من أفرادها يعيشون دون مستوى الفقر. اذن فالخلل في مثل هذه الأحوال ليس في شح الموارد انما في التلاعب في منح الفرص وجعل المنافسة غير العادلة هي السائدة ونحن كمسلمين نؤمن بأن العدالة السماوية فرضت توزيع الأرزاق وحرصت الشرائع على تنفيذ هذه الارادة الربانية. انما الخلل هو من صفات التدبير البشري الذي يهرب من العدالة فالانسان يولد وهو لا يملك شيئا من متاع الدنيا ولكننا بعد عدة سنوات نكتشف ان فلانا من الناس تضاعفت وارداته بما لا يتفق مع دخله فندرك أن هناك مصدرا غامضا ساهم في ارباك المعادلة حتى جعل البعض يبحث عن وسائل غسيل الأموال وهو ما لم نسمع عنه في أزمان سابقة لولا أن اللبيب بالأشارة يفهم ومن هنا تبادر المؤسسات الخيرية إلى محاولة تضييق الهوة ورأب الصدع في المعادلة غير السوية لتخفف من الشكوى من ضياع العدالة وتذبذب الفرص والسبيل الوحيد لتضيق المسافات بين الأفراد هو محاربة البطالة بشتى صورها ومنح الفرص المتساوية وجعل النظام صارما في كشف التلاعب بحيث يكون الكبار قدوة لصغارهم حتى تسود العدالة ويُضْمَن تطبيقها إذ بدونها تحدث كافة التجاوزات. والتلاعب ولله في خلقه شؤون.
للمراسلة: ص. ب 6324
الرياض 11442
|
|
|
|
|