| مقـالات
ما إن يحين آخر العام الدراسي كل عام حتى يتجدد هم القبول في الجامعات فهذا الموضوع المتجدد أصبح هما يقلق حياة المجتمع، والآباء والأمهات وطلبة وطالبات الشهادة الثانوية بالذات، فالجميع يدركون حقيقة الخسارة البشرية لهذا المجتمع في عدم تمكن الآلاف من أبنائه وبناته مواصلة تعليمهم الجامعي وتراكم أعداد غير المقبولين منهم كل عام اضافة الى الخريجين الجدد ثم ارتفاع هذه الأعداد مع الوقت ذكوراً أو إناثاً. ثم ما يترتب على كل ذلك من مخاطر اقتصادية على العائلة في الانفاق المرتفع على أبنائها العاطلين في هذه المرحلة من العمر. ومخاطر فراغ وفساد أخلاقي لا يهدد الأسر فحسب وانما المجتمع والمدينة والقرية التي يعيش فيها هؤلاء بعد أن غادروا يائسين من القبول هنا وهناك ومن العمل، بل امتد أثر ذلك على اخوانهم واخواتهم الصغار في مرحلة الكفاءة والمرحلة الثانوية فعندما يحثهم والدوهم على الاجتهاد والمثابرة يجيبونهم ولماذا الاستعجال والتعب؟! مهما اجتهدنا فلا قبول في الجامعات وان تخرجنا منها فلا عمل. وهكذا فإنه ليس كل الأبناء والبنات قادرين على الالتحاق بالجامعة وفق النسب المرتفعة التي تتطلبها، فالفروق الذهنية والمكتسبة أمر طبيعي بين الطلاب عموما ولا بد أن تكون الغالبية منهم نسبهم متوسطة أو أقل.
ومن ثم ينبغي أن ننظر الى الجامعة على أنها مرحلة اعداد وتربية وتعليم وبحث؛ أي مرحلة انضاج عقلي، وعلمي للطلاب، ولمواجهة الحياة ومتطلباتها ومسؤولياتها وتعاملاتها، وحسن الصرف والفهم لظروفها ومشكلاتها أياً كان مجال تلك الظروف والمسؤوليات والمشكلات سواء اقتصادياً أم اجتماعياً أم ثقافياً وفكرياً لا سيما أن انضاج الأجيال أو الشباب في مجتمعنا واعدادهم لتحمل مسؤوليات الحياة والانخراط في وظائفها المختلفة والنجاح في أدائها بدأ في مجتمعنا يتأخر، وغدا الفتى والفتاة يعتمد على أسرته حتي المستويات الأولى من الجامعة فضلاً عن صغر سنهم بينما كان النضج ومظاهر العقل والتوازن تبدو على شباب هذا المجتمع قبل ثلاثين أو عشرين سنة وهم في المرحلة المتوسطة والسنوات الأولى من المرحلة الثانوية في أنه يصبح موظفاً أو مدرساً يعتمد عليه وينجح في حياته وهو أمر بقدر ما كانت الحاجة تتطلبه بقدر ما أهل له نضج ذلك الجيل وحسن استعداده وانتفى اليوم ذلك النضج والحاجة في الوقت الحالي في هذه المرحلة من التأهيل والعمر عند الطلاب والطالبات، واذا كان الأمل لا يتوقف في الماضي عند الأسرة عن حصول ابنائها على الشهادة الثانوية أو ما يعادلها، فإن حرص الأسرة ارتقى الى حصول أبنائها على المرحلة الجامعية وهو يلتقي مع مفهوم أن الجامعة أصبحت لدينا مرحلة انضاج واعداد حياتي لا يغني عنها ما دونها وثبت عدم جدواه وكثرة سلبياته ومشكلاته الوظيفية والمهنية.
وهذا الحرص والشعور والاتجاه الاجتماعي ينبغي أن تستجيب له الجامعات فهو متطلب مجتمع ومرحلة سوف تكون متميزة حتماً عما قبلها لأن أدواتها والآليات البشرية بمختلف المجالات ستكون جامعية في الغالب وفرق كبير بين مرحلة هذا مستوى أدائها الوظيفي والمهني ومرحلة مستوى أدائها الوظيفي والمهني الاعدادي والتوجيهي في وقت تجاوز هذا المفهوم ولم يعد يحظى ذلك المستوى بالنضج والتأهيل المطلوب.
وأعرف أن ذلك سيكلف الجامعات كثيراً ويجعلها تعيد النظر مباشرة في قواها البشرية المؤهلة وزيادة اعدادها ومبانيها وضرورة توسعها وشغل فراغها المسائي لكنها حتماً لن تستطيع مواجهة ذلك والتوسع في القبول وتحقيق رغبة المجتمع في تأهيل ابنائه وبناته اكاديمياً بأعداد من أعضاء تدريس عينوا قبل عشرين سنة لسد الحاجة وقتذاك، ولم تزود اقسامهم بمعيدين منذ مدة طويلة وان زودت فبواحد كل سنتين أو خمس سنوات ويقابله تسرب أو تقاعد من الموجودين في هذا القسم أو ذاك. ولن تواجه ذلك بمبانٍ خطط لها بناء على مؤشرات القبول منذ عشرين سنة أيضاً أو أكثر.. ولن تواجه ذلك أخيراً والمباني التعليمية في بعض جامعاتنا مقفلة من الساعة الثانية ظهراً وجدوى مبانيها الاقتصادية في بقية اليوم مهدرة لا تستغل لاستيعاب مثلما تستوعب صباحاً أو أقل من الطلاب مع العلم بانخفاض كلفة وجدوى مردوده لكثير من القبول ورغبات الناس في قبول ابنائهم.
وأخيراً أعلم أن الكثير من القراء سيقول انه سيترتب على ذلك تكدس وفائض في خريجي الجامعات فما الحل؟ وأعلم أن ذلك سيحدث وعلاجه يطول لكن لأن يكون خريج الجامعة بدون عمل أو يتأخر في الحصول عليه خير ألف مرة من أن يبقى عاطلاً أو عاطلة وهو خريج ثانوية بالنسبة للمجتمع فهو هنا ناضج عقلاً وعلماً .
ويجيد حسن التصرف وحتى ادارة الوقت وحسن استغلاله في البحث عن وظيفة في القطاعين العام والخاص أو ممارسة مهنة أو عمل تجاري مناسب، كما أن تأهيل الخرجين بعد الجامعة بواسطة دبلومات أو دورات مكثفة للعمل من قبل القطاع العام والخاص لإتاحة العمل والتوظيف في مجالاتهما ودوائرهما ومؤسساتهما المختلفة حل نموذجي ومقدور عليه، وجدواه الاقتصادية مثمرة لا سيما ان الأغلبية من أولئك سيحرصون عليه بل وسيدفعون تكاليفه ايماناً منهم بأهميته وجدواه خاصة عندما يكون شرطاً في الفرص الوظيفية والعملية المتاحة. كما أن القطاع الخاص سوف يرحب بهؤلاء الخريجين الناضجين عقلاً وعملاً واعدادا ووضوح استعدادهم ووعيهم الذي يميزهم عن خريج المراحل السابقة ويغير نظرته ونتائج تجربته السابقة نحو السعودة لأنه هنا أمام أكفاء مؤهلين يفوقون كثيراً من بني جلدتهم وغيرهم في قطاعات مختلفة.
|
|
|
|
|