| مقـالات
كافة الدراسات العلمية والبحوث الامبيريقية في مجال العلوم التربوية تؤكد ما للقيم الإسلامية من أثر فاعل في عملية التنشئة الاجتماعية فالقيم هي التي ترسم وجهة السلوك وتحدد امكانات التفاعل فهي مكمن قوة وشدة السلوك السوي، وهي تطبع الانسان على عناصر الحضارة، فالحضارة لا تنطلق إلا وتحددها مجموعة من القيم وهي أسلوب الحياة المتصل بالدين، فإن تربى الفرد في بيئة تقية نقية عرف الورع، وعمر قلبه بالاخلاص، ونفسه بالأثرة، وسلوكه بالاعتدال، وعقله بالوعي، وكلها أسس سليمة من معطيات الدين الحنيف، حيث إن الدين الإسلامي دين هداية للبشرية جمعاء، ففيه الخير والصلاح، فإن تمسكت به البيئة الطبيعية للطفل «الأسرة وتوابعها وما يحيط بها» واستقامت عليه، فحتما ستبلغ ما أرادته في تربية أطفالها حاملي لواء المستقبل، ودعاة الهدى والرشاد، بإذن الله وهذا ما يدعو لبذل المزيد من الجهد والمشقة في تربية هادفة لفلذات أكبادنا، سواء كان ذلك في المدرسة أو في محاضن البيوت، أي في حجر أسرة مستقرة آمنة مطمئنة. ويدور مقالنا هذا حول الأسرة وقيمها السائدة ودورها في التنشئة الاجتماعية.
فالأسرة المسلمة في ربوع بلادنا منذ قيام توحيدها على يد المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود، وهي تمثل صورة مصغرة يعكسها مجتمعنا الإسلامي الكبير، ولا غرو أنها تمثل اللبنة الأساسية في بناء صرح المجتمع المؤمن القائم على هدى المعايير القويمة والمبادئ الحكيمة والمثل العالية. في ظل هذه الأسرة القويمة الإسلامية العظيمة يتلقى الأبناء مشاعر الحب والخير وبذور الايمان، فإذا نجحت الأسرة في القيام بأداء هذا الدور التربوي في التنشئة نجح المجتمع وتمكن من بلوغ غاياته وأهدافه.
وليس ثمة جدال في أن الأسرة لها أثر بالغ في تعيين شخصية الأبناء وتشكيلها لا سيما في المراحل الباكرة من عمر الانسان، ويشير العلماء التربويين الى أن هذه المراحل الباكرة تتمحور حول الخمس سنوات الأولى من حياة الفرد.. ويرجع تحديد هذه الفترة العمرية هكذا لعدة أسباب نذكر منها أن الطفل في هذه الفترة لا يخضع لأية تأثيرات قادمة من أية أنساق أخرى في المجتمع سوى أسرته، ولأنه يعد لبنة لينة سهلة التشكيل، مطواعة لما للأسرة من تأثير جد شديد القابلية للإيحاء والامتصاص والتمثيل والتعليم، ولأنه قليل الخبرة، عاجزاً ضعيف الإرادة ، قليل الحيلة.
وهكذا نتفق مع علماء التربية والنفس في أن السنوات الباكرة في عمر الطفل تمثل فترة الحسم في بناء وتكوين الشخصية حيث إن ما يتشربه الطفل في غضونها من عادات واتجاهات وعواطف وأراء ومعتقدات يصعب بعد ذلك تغييرها أو تبديلها أو هجرها فيما بعد من مراحل، ومن ثم فهي تبقى لصيقة ملازمة لشخصية الفرد في كبره، وفي هذا الصدد يوضح رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه حيث يقول في الحديث الشريف:«ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» «متفق عليه»، وهذا يوضح دور التنشئة الاجتماعية، ويعني أن الطفل بالفطرة إذا لم يتدخل الوالدان بالتوجيه الغائي لكان مسلما محضاً، ولكن الحجب قد تحول دون ذلك بارشاده والدفع به لاستدخال معتقدات خرقاء باطلة في ذاته. لذا فإن عملية التنشئة الاجتماعية في حضن الإسلام توجب تحوط ورعاية هذه الفطرة،و العمل الموضوعي الواعي لرعاية الفطرة، والاجتهاد في تحسين تنشئة وبناء وتربية الطفل بابتغاء وجه الله الكريم من منطلق الرعاية الواجبة حيث إن «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته». ولذا فإن ترابط وانسجام وتماسك الأسر وتناغم أفرادها له أهمية كبيرة في صونها والحفاظ على كيانها لما لها من أثر فاعل في سلامة الأبناء وصحتهم النفسية، وتكامل شخصيتهم وان ما نراه من سلوكيات لا سوية في محيط الشباب إنما يرجع لما لاقوه خلال سنوات عمرهم الخمس الأولى والتي أسلفنا القول عن خصائصها يمكننا أن نوضح البعض منها في حدود ما نستهدفه من مقالنا هذا فتتمثل في سرعة نمو الذكاء العام، ونضج العاطفة وامتلاك اللغة والدخول في علاقات اجتماعية خلالها وبشكل قاطع حيث يحدد من ثناياها مستقبل الطفل، وأن أي اختلال يطرأ ولا يكشف عنه في الوقت المناسب، ولا يعالج بمنهجية علمية وبطريقة سليمة وبعزم أكيد يضعف من قدرات الطفل العاجلة والآجلة، كما ينسحب هذا التوجه إلى الصحة كذلك خاصة وأن الطفل في هذه السن عرضة لجملة من المخاطر والتهديدات نظراً لضعف بنيته، فإذا لم تعالج الأسباب في مستهل ظهورها قد تأثر في الفرد على المدى الطويل. ومن حسن القول أن النشئة الطبيعية، والتربية الحسنة لا يمحى أثرها بسهولة، بل نجد أثرها منعكساً في سلوك الطفل وفي مشاعره، ودوافعه، ومعاملاته بل في اتصاله بالآخرين. فعلى الأسرة أن تعي وأن تدرك أن التنشئة الاجتماعية السليمة تساهم في اكتساب الطفل للخلق القويم والضمير اليقظ، فإذا تحقق ذلك فقطعاً ويقينا يعصم الطفل ويحول دون أن يهوي في مغبة الانحراف أو يحتج لبعض من القيم الهابطة واللامسؤولة.. وعلى الأسرة أن تنتبه إلى أنه لو تقوض ركن من بنائه التربوي السليم تسرع وتلجأ لامكانات ترميمه واصلاحه. والله يهدي إلى سواء السبيل
|
|
|
|
|