أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 6th June,2001 العدد:10478الطبعةالاولـي الاربعاء 14 ,ربيع الاول 1422

عزيزتـي الجزيرة

ذكريات وأحاسيس
أتذكَّر.. وما أصعب ان يقف الانسان يتذكَّر.. ايام وليال خلت، لا اذكرها عدا حتى لا تُعد سني عمري التي مرت وولت.. وما ادري هل بقي مثل ما مضى؟
.. وما أدري هل مابقي اجمل ام ما فات.. سنين كأنها يوم وليلة.. أتذكر ايام طفولة كنت ارى نفسي كبيرا.. وبعدها كنت اراني شيئا متميزا يوم كان والدي حفظه الله يسند الي مهمات لاتسند الا لمن بلغ مبلغا لم اكن حينئذ بلغته.. أتذكر والدتي رحمها الله التي كانت دائما تشجعني باني اصبحت كبيرا وأني صرت مسؤولا في هذه الاسرة.. مسؤولا عن كل كبيرة وصغيرة وكان ان صدقت وحاولت ان افرض سيطرتي على كل اخوتي واخواتي وكان لي ذلك.. فمارست شيئا من الدكتاتورية التي كان لها سلبيات ولكن والحمدلله الايجابيات طغت فتحقق لاخوتي الانضباط الذي كان يتمناه والدي، بل انني كنت احرص عليهم اكثر من حرصي على نفسي وذلك نتاج طبيعي لما غُرس في من قبل والدتي تحديدا والدتي التي لم تكن كأي والدة.. كانت رحمها الله أنموذجا فريدا في حرصها وخدمتها وتفانيها لاستقرار اسرتها.. تسهر اذا تأخر أحدنا تحزن اذا تكدَّر مزاج أي منا.. لاتأكل حتى نأكل ولا تنام حتى تطمئن علينا واحدا واحدا.. أم وليس كالامهات وزوجة وليس كل الزوجات ناصحة امينة تقية ورعة كثيرا ما كانت تجلس بيننا محذرة ومرشدة رحمها الله بقدر ماكانت لنا رحيمة وأزيد.
أتذكر تلك السنين التي كانت متوشحة بوشاح الفضيلة والبساطة.. كانت كل شؤون اهلها تتم بعفوية تامة لم يكن للمظاهر دور في حياة الناس ولم يكن العجب سرى في انفس بعضنا.. كل ذلك كان رغم ان الزمن يعد قريبا جدا لا يتجاوز العقود الثلاثة.
أتذكر كل ذلك وأنا اقرأ في كتاب من اجمل ما قرأت لغة واسلوبا.. ذلكم هو كتاب )ذكريات وأحاسيس نامت على عضد الزمن( لمؤلفة معالي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري في طبعته الاولى 1421ه. لقد شدني اولا جمال عنوان الكتاب وهو بالطع ليس بغريب فجميع كتب المؤلف تميزت بالاضافة الى عمق مادتها بجمال عناوينها مثل في اثر المتنبي بين اليمامة والدهناء وحاطب ليل ضجر وبسراة الليل هتف الصباح. والبقية الاخرى لقد كان اسلوب المؤلف مختلفا كلية عن الاساليب التي تعودها القارئ لمثل هذا العمل فكان ان جمع بين نقل واقع تلك الايام والطرح الادبي المتميز مما يتيح لمن يقرأ هذا العمل الاستفادة من وجهين اولهما واقع تلك الأيام التي مر عليها ما يقارب العقود الثمانية وثانيها الاستفادة اللغوية الكبيرة وتلك المفردات الجميلة التي تشد الى مواصلة القراءة صفحة بعد اخرى. يقع هذا المؤلَّف في 182 صفحة من القطع المتوسط مشتملا على 39 عنوانا يتحدث كل عنوان عن مشهد من مشاهد تلك الايام وان كانت كلها مرتبطة ببعضها الا ان المؤلف جعل من كل موضوع نمطا ادبيا آخر وهذا في حد ذاته مما يجعل متعة القراءة متجددة بين كل صفحة وأخرى ويقول المؤلف في تقديمه: لا اعرف لماذا تداعت الي خاطرات ملّت الاقامة داخل نفسي، فضجرت ضجر العانسات الخاملات في ذهن خامل لايدري بهن وهن حبيسات الجهل عنده، فعسر عليهن البقاء، فأخذن طريقهن الى الورق في خليط من الصور لا هو ذكريات ولا مذكرات بل شيء من علامات الطريق التي مشيتها ا.ه
وهذا ما وجدته فعلا في هذا المؤلف، فهو ليس بالمذكرات وليس بالذكريات خليط بين.. بين مغلف بجمال الاسلوب وكمال اللغة.. يشدّك من أول سطر تقرأه... تقرأ.. وتقرأ.. ولاتحس بمللك تطوي الصفحات تلو الصفحات وكأنك لم تقرأ بعدها عشرها.. فيا له من كاتب أجاد القول كما هو يجيد الفعل.
عبدالعزيز التويجري لا اعرفه شخصيا ولم يسبق لي شرف الحديث معه ولكن كما يقال سمعته سبقته و«أنا» اقرأ في كتابة آنف الذكر قفز الى ذاكرتي مصطفى صادق الرافعي بأسلوبه المميز ولغته الجميلة ذلك الكاتب الذي نصحني احد اساتذتي ايام دراستي الثانوية بقراءة مؤلفاته عندما احس باهتماماتي الصحفية نصحني بأن اركز على قراءة كتب الرافعي مرة وثانية وثالثة ولكن لم آخذ بنصيحة استاذي كاملة فما هي إلا قراءات متباعدة.
ولكن على قلتها الا انها اثرت في تأثير ربما يكون غير واضح الا انه بالنسبة لي شيء كبير ربما مع الزمن يظهر.
مصطفى صادق الرافعي وعبدالعزيز التويجري اعتقد ان مدرستهما في الابداع النثري واحدة، بل إنني أكاد أجزم بأن من قرأ لعبدالعزيز التويجري او لمصطفى الرافعي يكتفي بأحدهما عن الآخر في الاستفادة اللغوية وكذا في الاسلوب.
ان ذكريات وأحاسيس عبدالعزيز التويجري هي بالطبع ذكريات جيل، نسأل الله له حسن الختام، من آباء كان لهم دور كبير وواضح في نهضة هذا البلد الاسلامي الكبير.. جيل تحمَّل مسؤوليات جساما دون مردود مادي كان يتطلع اليه.. ذلك الجيل كان هدفه عزة هذا الوطن.. عزة هذه الدولة.. دولة عبدالعزيز التي قامت على شرع الله قولا وعملا.. قامت معلنة ان الملك لله لا لعبدالعزيز فكان ان حقق عبدالعزيز رحمه الله ما أراد، فبسط نفوذه على هذه الجزيرة المترامية الاطراف لا بقوته ولكن بنيته الصادقة المخلصة لربه.. أعود لأقول ان جيل العقود الثمانية التي مرت كان جيلا مخلصا حقا فكم كان من مواقف بذل فيها آباؤنا ارواحهم دون من ولا طمع في منصب ولامال كل ما هنالك حبهم لذلك القائد الذي أعاد لهذه الجزيرة أمنها الذي افتقدته ودينها الذي كادت أن تجهل أكثره.
إن العودة الى تذكر تلك الايام والليالي يجعل من الانسان العاقل شاكرا لربه راعيا لنعمته سبحانه وتعالى «من بات آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يوم وليلة فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها» حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم نعيش معناه في هذا البلد منذ ما يزيد من مائة عام مضت. وإن من عاش في بلادنا من غير اهلها يدرك هذا اكثر من إدراكنا نحن الذين منذ ان رأينا النور ونحن نعيش هذا الوضع، ادام الله نعمه ورزقنا شكرها.
إبراهيم بن سعد الماجد

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved