أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 6th June,2001 العدد:10478الطبعةالاولـي الاربعاء 14 ,ربيع الاول 1422

محليــات

لما هو آت
اعتقالُ الطَّواويسِ
د. خيرية إبراهيم السقاف
تُسْتَخْدَمُ بعضُ المفاهيمِ بمُصطلحاتِها الشَّائعةِ المَنْقُولةِ دُونَ النظرِ العميقِ في مدَى «مُنَاسبتِها» للواقِعِ الواقعِ في المُجْتمع الداخليِّ... ولعلَّ مِنْ أوائلِ هَذِه المُصطلحاتِ مُصْطلحَ «الإبداعِ»....
والإبداعُ سبقَ أنْ كُتِب عنه في هذه الزاوِيَةِ، ولَكِنْ مِنْ مُنْطَلقٍ آخرَ عَنْ هذا الذي أَوَدُّ في هذا الطَرْحِ أَنْ أُنَاقِشَهُ...
إِنَّ أوّلَ ما يتبادرُ إلَى الذهْنِ عِنْد ذِكرِ كَلِمةِ «إبداع» هو المفهومُ الشائعُ عَنْها حَوْل الإنتاجِ الفِكْريّ والفَنْيّ مِنْ رَسْمٍ تشكيليٍّ، وقصةٍ، وشعرٍ، ورِوايةٍ، ومقالةٍ... بَلْ في الغَالبِ لا تَدْخُلُ المَقالةُ في هذا المفهومِ إذْ يَنْصبُّ على الرّسمِ والقصِّ والشعرِ، ولَئِنْ كانت هذه الأنماطُ التعبيريّةُ هي جزءٌ من الإبداعِ إذَا مَا تحقّقتْ لها شُروطُه... إلاّ أنَّه ليسَ بالضرورةِ أَنْ يكونَ كلُّ مُنْتَجٍ شعريٍّ أو قصصيٍّ، أو نَثْريٍّ أو تشكيليٍّ إبْداعاً...، ذلك لأنَّ للإبداعِ معاييرَه وشروطَه...
أتخيلُّ للإبداعِ «ظروفَه» التي يَتَكَوّنُ فيها، ويَنْبَثِقُ عَنْها...، ولعل الاهتمامَ بالبنيّةِ التحتيّةِ للثقافةِ والتعليمِ كفيلٌ بتحديدِ مستوَى الإنتاجِ الفِكْريّ فيما إذا كان يرقَى إلى مفهومِ الإبداعِ كما هُوَ في واقِعِ الأممِ التي يتحقّقُ للإبداعِ فيها مقوماتُه وَفْقَ معاييرَ ضابطةٍ لهذا المفهومِ أم لا!!
وبالنظرِ إلى البُنَى التَّحتيّةِ للتّعليم وللثقَافةِ في مجتمعِنا يُمْكنُنا التأكيدَ على أنَّ ما يُوسمُ بالإبداعِ عندنا لا يَرْقَى إلى معاييره وَفْقَ مَفْهُومِهِ ذلكَ، كما لا يُحَقِّقُ أدْنَى مُسْتوياتِه.
فإن عُدنا إلى مكوناتِ القَصَصِ، فكرةً، وأسلوباً، وفنيَّةً، تُرى كيف سنجدُ الأفكارَ والأسلوبَ واللغةَ والفنيّةَ أمامَ مَثِيلاتِها في المجتمعاتِ التي يقومُ فيها التعليمُ على أسسٍ تُتِيحُ تحقيقَ الذاتِ الخلاقةِ عند الإنسانِ، ويتحقَّقُ عنه ما يمكِّنُ الفردَ مِنْ تَسامٍ على سالبِ القيمِ، وسالبِ الدّوافعِ، فيوقِظُ النائمَ منها، ويُبَلْوِرُ الخَامِدَ فيها، ويحرِّكُ السَّاكنَ بينها.؟؟، إنَّ إصلاحَ التعليمِ سيٌخْرجُ ألْسِنةً قويمةَ النُّطقِ، سليمةَ التَّفكيرِ، ثريّةَ الخبرةِ، متنوِّعةَ المهاراتِ، كاشِفةً لما يكونُ، مُسْتَكشِفةً لِمَا هُو مَخْبوءٌ، منَقِّبةً عِمَّا لا يُرَى...، وتِلْكَ بُذُورٌ في الإنسانِ قادِرةٌ على أنْ تُحوِّلَه من صامتٍ إلى ناطق، من خامدٍ إلى متفاعلٍ، وتَبْعَثَ فيه الكَامِنَ مِنْ القدراتِ، وتُوقِظَ فيه خَلاَيا الإبداعِ وتَدْفَعَها نَحْو الخُروجِ إلى السَطْحِ حتَّى إذا مَا قابلتِ الواقعَ واحْتَكّتْ بِه... وجَدتْ ثَراءً في اللغةِ، بمهاراتٍ مَصْقولةٍ قابلةٍ لأنْ تَحْفِرَ في تُربةِ الإبداعِ فَتُنتِجَه، كذلك فإنّ الثقافةَ بماديِّها ومعنويِّها... كَمْ لها من تأثيرٍ في بناءِ الإنسانِ الفكريّ والنّفسيّ ممّا يَجْعَلُها عاملَ إحباطٍ أو عاملَ تحفيزٍ...،
إنّ هناكَ خلَلاً في استخدامِ المفاهيمِ وفي توظيفِ المصطلحاتِ لديّنَا...، نُلْقِيها جُزَافَاً، ونطلقُها علي عواهنِها، وانعكاسُ ذلكَ على الأفرادِ له من السلبياتِ ما يبررُ ضرورةَ إعادةَ النَّظرِ في أَمْرِ استخدامِها،... بل فهمِها...، بل توظيفِها....
أمَا تَروْن إلى أولئِكَ «الطّواويسِ» من النّساءِ والرّجالِ الذينَ يمشُون يَدُكُّون الأرضَ دكْاً، وإذا خاطبَهم الناسُ لايقولون عَدْلاً ولا صِدْقاً؟!... إنّهُم «مُبْدِعون» كَمَا تغذَّتْ آذانُهم وتشرَّبتْ نوازِعُهم...، وتوطَّنتْ مشاعرُهم...، فأيْقنُوا بأنّهم من المبدِعين، وهُنَا فقط يفهمُونَ الإبداعَ على حقيقَتِهِ عِنْد وَسْمِ أنْفسِهم بالخلاَّقِين، المُبتكرِين، المُنتجِين لِمَا هو خارقٌ... بينما لا يكونُ إنتاجُهم إلاّ ضحالةً، وهشَاشةً، وتسطُّحاً، وفقْراً، وجُوعاً، لا يَثْبتُ في الأذهانِ، ولا تتحرك له في الإنسان أُنْملةٌ!!
أَيُمكِنُكم إسنادَ ذلكَ معي إلى أنَّ التعليمَ لم يستطِعْ أنْ يقومَ بواجبِه؟
وأنَّه ليْسَ كلُّ متعلِّمٍ مُبْدِعاً، بل كلُّ مبْدِعٍ لابُدَّ أنَ يتعلَّمَ وَفْقَ ضَوابطِ ومَعَاييرِ الإبداعِ؟... أَليْسَ الإبداعُ مهارةً يُصّْقِلُها التدريبُ، ويشحذُها الأداءُ عَنْ وعيٍ!
إنّ الإبداعَ المرتجلَ كالمادةِ الخامِ...
ولَئِنْ قالَ الشُّعراءُ شِعْراً مُبْدِعاً وهُمْ غَيْرُ متعلِّمِين، فإنَّ تعليمَهم لم يكنْ بالسّليقةِ، وإنَّما فِطْرةُ النُّطقِ الذِي لم يداخلْه عُجْمةٌ ولا دَارِجٌ، حتى إذا ما توافَدتِ الأيَّامُ وتقاربتِ اللغاتُ... احتاجَ المبْدِعُ إلَى إتقانِ أداةِ إبداعِه رَسْماً أو شِعْراً أو نَثراً بأنماطِه حتّى مَا هو مِنْه مُوسِيقَى بل صِناعةٌ، وإدارةٌ... وكلُّ شيءٍ يقعُ من الإنسانِ أو للإنسانِ فيه وقْعٌ... لا يُوسَمُ بالإبداعِ إلاّ مَتَى تَوافَرَ له مِنْ الإبداعِ ما يُؤهِّلُه لِصفةِ الإبداعِ... كي يُطلقَ المصطلحُ وَفْقَ مَفْهومٍ سليمٍ له مُقَوِّمَاتُه.
أمّا والحالُ علَى مَا هِي عليْهِ.
فَفُكُّوا عن الطّواويِس قيودَها كَيْ تَرى مَا هُو أبْعدُ من دائرةِ هذِه الصفاتِ الّتي تُحيطُها فِتُقيّدُها، وتعرْقِلُها دُونَ التّجْربةِ واتساعِ الرُّؤيةِ للتعرُّفِ على الحقيقةِ ولاكتشافِ الأمرِ الذي هِيَ فيه.
فَلْيَتَحَسَّسْ كلٌّ ريشَه كَيْ يَعرِفَ نَفْسَه...


أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved