| مقـالات
هناك قدرات فكرية.. خدمت الإنسانية. وقدمت لها ما ينفعها في شتى العلوم.. خصوصا الطب. وقد ننبهر عندما نقرأ عن فلان من الناس أنه عقلية نادرة، وجبارة. وتحملنا المقارنة أحياناً. فنرى آخرين يعيشون ويفكرون «على قدهم»، وهذا تفكير خاطىء، فالله خلق الخلق وقدره.. وآتى كل مخلوق. القدرات التي تناسبه. وما يساعد على أداء دوره في هذه الحياة. وجعل للضعيف والأخرق. والمغفل وصاحب العاهة. ومحدود الفكر. جعل لكل واحد من هذه الأصناف مايساعده، وقد يكون لكل واحد أيضاً من هذه الأصناف دوره الفعال في الحياة.
ومن إنصاف الله لعباده.. أن جعل الأخرق وهو الذي لا يحسن عملاً. ولا يستطيع نفع نفسه.. فما بالك بنفع الآخرين.. جعله مصدراً للخير للآخرين.. فجاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.. قوله: «أو تعين أخرقاً» ففي ذلك صدقة وحنين ابن اسحاق العبادي واحد من عباقرة العلم.. خصوصاً في الطب حيث رزقه الله قدرة هائلة في البحث والترجمة. والصبر أيضا على حسد الحاسدين من بني دينه. وهو «النصرانية» حيث هال زملاءه في زمانه تفوقه في الترجمة وإحاطته بعلوم الإغريق واليونان في الطب. وتمكنه باحكام ودقة من ترجمة كتب جالينوس إلى السريانية والعربية. وقرب تلك العلوم والمعارف الي الفكر العربي في عهد المأمون.. وسافر في أصقاع الدنيا لتتبع العلوم.. وكتب بنفسه أكثر من مائة وخمسين مؤلفاً في العلوم المختلفة يغلب عليها الطب والفلسفة. ونال تقديراً من المأمون. وخدم في هذا المجال في فترة تسعة خلفاء. حتى نال ما نال على يد المتوكل وغيره. وكان له موقف شجاع ومخلص مع أحد هؤلاء الخلفاء عندما طلب منه الخليفة ان يصنع له دواءً يقتل به عدواً فكان رد حنين.. يا أمير المؤمنين لم أتعلم إلا صناعة الأدوية النافعة فحبسه. ومكث وقتاً طويلاً في الحبس يقرأ ويترجم ويؤلف. فاستدعاه الخليفة مرة اخرى وعرض عليه ما قال. فرد حنين رده الأول فهدده بالقتل فلم يأبه. ثم أطلق سراحه وأكرمه. كان مخلصاً للأمانة الطبية التي يعرفها الأطباء ويحرصون عليها. كان فكراً نادراً. لم يسلم من حسد بني جنسه.. وخصوصا من دينه. لكنه أخيراً فرض نفسه. وقدم للدنيا الكثير والكثير.
|
|
|
|
|