|
| مقـالات
يعرض شعر شوقي الاسلامي شخصية شوقي عرضاً يبرز عاطفة الشاعر تجاه دينه ونبيه، فعاطفة الشاعر تجود بالشعر المؤثر، مما ينبئ عن ميول اسلامية، فهناك ثلاث قصائد قالها شوقي في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، في سنوات متقاربة، وتلك القصائد من اجود قصائده على الاطلاق، فهي قصائد طويلة ومؤثرة ومتجددة، فاذا قرأنا القصيدة اليوم، ثم قرأناها بعد سنة، فاننا لا نمل القراءة، وانما يتجدد التأثير فينا، وكأننا نقرؤها لاول مرة، وهذه القصائد الثلاث تكاد تتقدم شعره، فان دل ذلك على شيء فانما يدل على أصالة شوقي المرتبطة بالدين وتاريخ المسلمين فالتاريخ المبتدئ بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم يشد الشاعر ويشحذ عاطفته، فيجعلها تتأجج بصنع الشعر الجيد، ولا يقتصر قول الشعر الجيد على فترة معينة، وانما يمتد نفس شوقي بامتداد التاريخ الاسلامي، فأرجوزته سارت مع التاريخ حيث سار، وقصائده سجلت التاريخ الاسلامي كأفضل ما يسجل الشعر المواقف البارزة في تاريخ الامم، فاذا وقف شوقي على مسجد بني أمية في دمشق جاد بالشعر الجيد، وإن وقف على آثار المسلمين في الاندلس سطر ما تجود به قريحته، وحتى تاريخ الاتراك الاسلامي له نصيبه من الاشادة التي نجدها في قصائد خص بها الخلافة العثمانية.
لقد هوجم شوقي من قبل فئة من النقاد اتهمته بالجمود، وانه يسير في ركب الشعراء الاوائل، وان شعره يخلو من الجديد، فهو تكرار للاشعار القديمة، وقد قسا اولئك النقاد على شوقي وشعره، فهل ما قيل عن شوقي يتوافر فيه الصدق المرتبط بالواقع؟ لا اظن ذلك، فشعر شوقي بقي شامخاً تردده الاجيال، ونقد اولئك فصل من فصول النقد، قيل في زمنه شاهداً على حقبة ادبية، لم تثن شوقي عن الانتشار والبقاء، فالشعر عندما تتوافر فيه الاصالة لا يؤثر فيه النقد المقصود به التجريح، والتهوين من شأن الشعر، فالذين يقرؤون شعر شوقي اطلعوا على ما قيل فيه من النقد، والذين يحفظون ذلك الشعر، ويوصون بتقريره على الطلاب في المدارس والجامعات هم الذين قرؤوا النقد، ووقفوا على كل صغيرة وكبيرة فيه. ان قصائد شوقي الاسلامية مثل الجواهر المتلألئة، فمر السنين لا ينقصها، وانما يزيدها بريقاً وتأثيراً لقد جادت عاطفته بشعر توافرت له مقومات صناعة الشعر، من مضمون ينهض به، واسلوب يقربه الى النفوس، وموسيقى تفرض ترديده وحفظه، وقصائد شوقي الاسلامية من اطول قصائده، ومع ذلك فاننا لا نلحظ الشاعر يضعف في جزء من اجزاء القصيدة وانما نلحظ تجدد العاطفة، وانقياد الاسلوب، وطواعية الالفاظ، وترابط العبارات، تحوطها موسيقى خارجية موحدة، ويسمو بها المعنى الذي اختاره الشاعر، وجعله الصلة بينه وبين القارئ او المستمع، اننا مع شوقي في شعره الاسلامي، ولكن القصائد الثلاث التي اشرت اليها تشدنا اكثر، وتفرض علينا المتابعة من اول بيت في القصيدة الى آخر بيت فيها، فالقصيدة الاولى مطلعها:
|
ريم على القاع بين البَانِ والعلمِ
أحلَّ سفكَ دمي في الأشهرِ الحُرُمِ |
والثانية مطلعها:
|
وُلِدَ الهُدى فالكائناتٍ ضياءُ
وفمُ الزمانِ تبسمٌ وثناءُ |
ومنها:
|
نُظِمتْ أسامي الرُّسْلِ فهي صحيفة
في اللوح واسم محمد طغراء |
والثالثة مطلعها:
|
سلوا قلبي غداة سلا وثابا
لعل على الجمال له عتابا |
هذه القصائد الثلاث جديرة بالوقوف على معانيها، واسلوبها فهي من اجود شعر شوقي، وقد تضمنت تلك القصائد عزة المسلمين، وقوتهم، واجتماع العرب وألفتهم، ودخول غير العرب في دين الله. وبداية العز والمجد وسمو العرب قدوم محمد صلى الله عليه وسلم الى هذه الدنيا، فقد اختاره الله لينقذ البشرية من الضلال ويرشدهم إلى نور الحق، وقد أشار عبدالملك بن هشام في سيرته إلى ان مولد النبي صلى الله عليه وسلم كان في يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الاول، عام الفيل، فهذا اليوم مهد لما بعده من ايام سار منها الواحد بعد الآخر، حتى جاء يوم البعثة ونزول الوحي، فأشرق نور الاسلام، وخبا ضلال الكفر.
في 11/3/1422ه.
|
|
|
|
|
