| العالم اليوم
وفق المفهوم الاستراتيجي والتحليل العلمي المجرد دون أي تأثير عاطفي يمكن القول بأن العملية الاستشهادية الأخيرة التي شهدها ساحل تل أبيب واستهدفت مرقصاً اسرائيلياً قتل فيه تسعة عشر وجرح أكثر من مئة وعشرين آخرين.
يمكن القول إن هذه العملية ستشكل منعطفا وبداية لمرحلة جديدة في المواجهة الفلسطينية الاسرائيلية، فهذه العملية بما فرضته من معطيات جديدة، وبما جسدته من وقائع لا يمكن تجاوزها سواء من قبل فريق شارون الحكومي بما يمثله من شراكة إرهابية بين الليكوديين والعماليين، أو من قبل الاسرائيليين، مستوطنين وغرباء قدموا لفلسطين للاستيطان والإقامة فيما يسمونه بأرض الميعاد، حيث أغروا بالقدوم لوطن ينعم فيه اليهود بالأمان، أو من قبل الجماعات الصهيونية الأخرى، بل حتى من قبل الفلسطينيين، سلطة وطنية، وفصائل فلسطينية، ومنظمات فدائية، ومواطنين عاديين، بل إن العملية حسمت خيارات الطرفين، الطرف الفلسطيني الذي وحسب استفتاءات مستقلة اعتبر 76% منهم أن العمليات الاستشهادية هي الخيار الأفضل لتحقيق التوازن مع العدو، والطرف الاسرائيلي الذي اقتنع تماماً بأن كل الأساليب السابقة لم تحقق له الأمن الذي جعله يفضل شارون على من سواه.
وهكذا وبتحديد أكثر فإن العملية الاستشهادية الأخيرة فرضت على الاسرائيليين خيارات محددة أفضلها بالنسبة لهم مر وصعب.
1 احتلال مدن فلسطينية كرام الله وبيت لحم وقليقيلة حسب الخطة التي وضعها خبراء حلف الأطلسي وأسموها بالانفجار الصغير وما يترتب على هذا الاحتلال من خسائر بشرية اسرائيلية.
2 القيام بعمليات خطف واغتيال قيادات الفصائل الفلسطينية المعارضة وبالذات قيادات الجهاد وحماس والكوادر غير المنضبطة من فتح، مما يزيد من تصاعد العمليات الاستشهادية.
3 الخيار الثالث والمتمثل بالتريث وانتظار ما تفعله السلطة الفلسطينية لوقف العمليات الاستشهادية، وبما أن السلطة غير قادرة على وقف مثل هذه العمليات تماماً كما يريد شارون، فإنه سيظهر أمام الاسرائيليين عاجزا عن تحقيق الأمن.
بالنسبة للجانب الفلسطيني، ولنبدأ بالسلطة الفلسطينية التي إذا طبقت وقف اطلاق النار كما يريده الاسرائيليون؛ بمعنى القبض على كل العناصر التي تقود العمل الاستشهادي كقادة حماس والجهاد والفتحاويين الذين لا ينصاعون للأوامر، تكون السلطة قد اختار التوجّه إلى المعسكر المعادي لشعبها الذي كما أوضحنا يؤيد وبنسبة أكثر من ثلاثة أرباع العمليات الاستشهادية وقد تطال هذه العمليات رجال السلطة الذين يمنعونهم من تنفيذ مهماتهم، ثم إن مخاطرة السلطة في القبض على قادة حماس والجهاد وكوادر فتح وبالتالي ما يمكن اعتباره زج قادة الانتفاضة الفلسطينية بسجون السلطة مما يجعلها متهمة بالقضاء على الانتفاضة الفلسطينية التي عجز شارون عن إخمادها وهذا ما يعرضها إلى نقمة الشارع العربي وهو ما لا يستطيع أي قائد فلسطيني أن يغامر به على الأقل في الوقت الحاضر.
وبالنسبة لقادة حركتي حماس والجهاد وبعض كوادر فتح الذين نفذوا عددا من العمليات سواء بمعرفة أو بعدم علم القيادة، فإن هؤلاء )حماس والجهاد والفتحاويين(، سيجدون أنفسهم في وضع صعب، فإن هم استجابوا لأوامر وقف إطلاق النار فقدوا مشروعية وجودهم كمجاهدين نذروا أنفسهم لتطهير بلادهم من دنس الاحتلال وهو ما لا يمكن تصوره على الأقل من خلال المعرفة السابقة والقراءة لسلوكيات وأدبيات حركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية، وهو ما يجعلنا نتوقع استمرار عمليات الاستشهاد وهو ما سيعرضهم للصدام مع السلطة التي ستتهم الحركات الاستشهادية بتعريض المدن الفلسطينية لإعادة الاحتلال الاسرائيلي مرة أخرى.
ومن هنا فإن كل الأطراف في وضع حساس وحرج، فالكل أصبح أمام خيار صعب لا يمكن التنبؤ بما يمكن الأخذ به بعد أن وضعتهم عملية ساحل تل أبيب أمام الحقيقة المجردة، فإما التسليم بحقوق الشعب الفلسطيني أو الاستسلام إلى رغبات شارون وعصابته الإرهابية.
لمراسلة الكاتب
Jaser@Al-Jazirah.com
|
|
|
|
|