أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 5th June,2001 العدد:10478الطبعةالاولـي الثلاثاء 13 ,ربيع الاول 1422

محليــات

لما هو آت
مقالة في فلسفة الوعي...
د. خيرية إبراهيم السقاف
هذا الإنسان يدبُّ على الأرض...
وتلك بقيَّة المخلوقات تفعل...، ولئن كانت للإنسان قدمان يسيربهما...، وعقلٌ يُجنِّح به...، يمتطي مراكب الخيال...، والأحلام...، والآمال...، حتى إذا ماتبدَّت له علل الحياة...، عاد إلى قدميْ دابته كي تعيده من رحلة الخيال...، والأماني...، فإن بقيَّة المخلوقات لها، ما لها من الظواهر الي تعارف الإنسان عليها وعرفها...، ولا يختلف في أمرها...
ومع إنَّ الأرض بما رحبت تتسع لكلِّ خلق الله، والإنسان منهم، فإنَّه في مدرسته «الإجبارية» التي لا مناص له عن ارتيادها شاء أم أبى... يتدحرج مع حركة مركبته،... غير ثابت... ولا واثق... لأنه غير راضٍ فخيار الإنسان لا يصل إلى أن يمكنِّه من رفض ولوج بوابات هذه المدرسة في لحظة من لحظة اللَّحظة في عمره...، ولا العيش خارج أسوارها...، في أي درجة يكون حال رضائه...، وهذه أكبر علله...
الإنسان ذو العلل...
أما علل الخلق كلهم فهي واقعةٌ عليه بقدرٍ أقوى من إرادته...
أما علل البشرية، فنابعة عنه، وحاصلة منه...، وفيها يكون خيارُه...
فكيف هو فاعلٌ بعلل الحياة التي هي علله الخاصة؟
أيهرب بقدميه؟!
وإلى أين؟!
وإن حاول الهرب فهل هو ناجٍ أم واقع.؟
إنه قد يتخيَّل نجاحَه بنجاته...، وتلك غفوة الظن، وغفلة الوهم...، فيعاود امتطاء مركبته، غير أنَّه في هذه المرة، لا يركب قدميه، لأنَّهما لا تحملانه لأبعد من مسافات أرضية ترابية ملموسة، وهو لا يبلغ منها آماداً أبعد عن آماد قدميه...، ولا يطوي بهما زمناً غير جزء من زمن الزَّمن من وقته اليومي، أو ساعاته فيه...
إنَّه يطوي قدميه...، مع كامل جسده داخل مركبة خياله...
الإنسان هذا...
هل مركبة خياله علةٌ من علله؟!... أم هي مطيةٌ توصله إلى أرضية لا تفصله عن واقعه؟
وما هو واقعه الذي فيه يحيا الحياة الفضلى؟ هل هو واقع ملموس؟ أم أنه واقع وهمي؟
وهل يمكن للإنسان أن يعيش في وهم؟ أم أنه يشعر حقيقةً بأرضية واقعه، ملموسةً في كلِّ ما يصطدم به جسده؟ الأرض، الهواء، الأجسام كلّها؟!
هذا الإنسان كي يجيب بوعي عن مثل هذه الأسئلة، يحتاج إلى وعي الوعي فيه...، فما هو وعي الوعي فيه؟!
أو ليس هو اليقظة الدافعة والمدفوعة؟!
إنَّ وعي الإنسان هو يقظة كامنةً دافعة، تتعطَّل بالأحلام، والأوهام والتخيلات...، حتى إذا جاء ما يوقظها تتلمَّظ كالنار...، ثمَّ ما تلبث أن تندفع بكلِّ دافعيتها الذاتية...، فما الذي يمكنه أن يدفعها إلى التلمُّظ، فالاحتراق، فالتَّوهج، فالانطلاق؟!...
لاشك أنه العلم...
والعلم خبرة قادمة عن نُسقٍ متضافرة تنتقل للإنسان بأساليب ووسائل تعارف عليها الإنسان وفق معطياته المؤثِّرة والمتأثرة. ويقال عنها «التعلم والتعليم» وليس هنا مجال للحديث عن ُنظُمه، وأساليبه، وقيمه المعنوية، والمادية، وأثرها وتأثيرها فهي: للإنسان للمجتمع، وهي من المجتمع لها للإنسان...، وهي منها للمجتمع للإنسان، فإن استوعب الإنسانُ ما يعلمُ وما يتعلَّم، وهضم هذا القادمُ إليه خبرةً مكتسبةً تُضاف إلى ما فيه من خبرات اكتسبها في تفاعله الطبيعي مع ما هو خارجٌ عنه، إلى ما هو داخلٌ فيه، يتكوّن له من الحوافز المحركة لتلمُّظ الوعي في داخله، فيتحوَّل إلى قوةٍ دافعةٍ بدافعِيتها الخاصة لن يهربَ بعد ذلك في مركبة الوهم... بل سيحوِّل الخيالَ إلى وظيفة فاعلةٍ في تخليق آماله وأمنياته، وتجسيدها في قيمٍ يتَّجه سلوكُه أدائياً نحوها، كي تمتزج بفعله في الحياة...، فلا يمتطي مركبة خيال سرابي، بل يُحرِّك مركبة قدميه حثيثاً كي يلحق بمراكب التخيلات الطَّامحةِ، المولودة على يد وعيه اليقظ بوعي الوعي فيه.
والإنسان هنا لن يستسلم لفكرة الرضاء أو عدمه...
ذلك لأنَّه سيُشغل بما يحقق له الرضاء، ويحددُ له الخيارَ...
سيصرف متى يختار، ومتى يسير، ومتى يقرر....
لحظتها سوف يدرك الفارق بين مركبةٍ تقوده إلى بناء واقعه، بالتعايش معه، بتوليد تفاعلاته الوعيية عن عقل ذي ملكاتٍ استخدم لها مكاسب الداخل فيه، والقادم إليه، بمزجٍ متناغم بين مؤثرات جاءت عن خارجه علماً وتعلماً وتفاعلاً منظوميا مع ما في واقعه وما فيه طبيعة، وبين مركبة تقوده إلى خيالات مجنحة في منأى كلي عن كل تعايشه، فلا تجعله يرى موطئه، ولا تفاصيل واقعه، وتحجب عنه ضمن ضبابات الدرب المديِّ الذي تأخذه إليه فلا يلامس أرضيته بثراها ولا ثرائها... فينفصم ولا يرضى... حيث يُطمس فيه وعيه، ولا يملك فأس الحرث، ولا ترس المركبة...
إنه إن أدرك الفارق قبل التيه في ملكوت التخيل الطامس، فلسوف يعود بخيال واقعي يمتزج بمحصلات )العلم والتعلم( فيرقى إلى مركبة مثالية بين واقع ينتظر، وخيال يشحذ، ووعي يتلمَّظ كي يمزج بينهما. الإنسان عندما يستطيع أن يملك بيديه قرار وعيه... فإنه بذلك يدرك أي المراكب يمتطي وإلى أيِّ الاتجاهات يصوِّب، وكيف يستقل درب المثول بين يدي ساكني الأرض، ممثلي الحياة ببشرية ترقى بما مُنحت من العقل رقي المالك لسلطان بدأه الله تعالى في تيسيره له بقوله تعالى: «اقرأ»..
إنها فلسفة الحياة، لأبناء الحياة، كي يفعلوا ما يرضيهم عن الحياة، ويرضي الحياة بهم.
وتلك معضلة الإنسان بين خلق الله في خلقه.
إنَّ رسالة الحياة، أن يستطيع الإنسان فيها أن يملك مفتاح الدَّرب الأوسط نحو خيالٍ فاعلٍ، وخيال طامس، بين مركبةٍ محدودة القدرة على المسير، ومركبة نافذة القدرة على الانطلاق، بين ربط ما في الإنسان، وما هو عن خارجه...،.. بين قدرةٍ مُمكَّنةٍ في شحذ همم الابداع الغافية تحت رماد الجهل، بقدرة الاستفادة من فتيل العلم...، كي تنطلق مراكبه نحو إبداعٍ، يخلق له أجواء الحياة الفضلى، والرضاء عن ذاته، والوعي بوعي الوعي الذي لا يكبو، ولا يخبو.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved