| متابعة
ترى اسرائيل في تسلح دول المنطقة العربية تهديدا لكيانها السياسي ووجودها برمته، وتتعامل مع هذه الدول كوحدة متكاملة تنتظر تجسيدها الفعلي في أي حرب مستقبلية، ومن الملاحظ ان التسلح العربي الذي يأتي في جانب منه معبرا عن حتمية لصيقة بالصراع مع اسرائيل يخضع في المنظور الاسرائيلي الى عملية قولبة )= تنميط( خاصة، بطريقة يتم فيها التعمية على طبيعة المشروع الصهيوني وسماته وممارساته المتواصلة.ينتمي تسلح المملكة العربية السعوية الى المفهوم الاسرائيلي الشامل للتسلح العربي.وفي المساحة الممتدة بين التصورات والردود، تشمل الخطط الاسرائيلية سبل مواجهة التسلح السعودي، على المستويين الجاري والاستراتيجي.
* الصورة الاسرائيلية لميزان التسلح:
جرت العادة على وضع المملكة العربية السعودية في كفة واحدة مع خمس دول عربية وايران، ضمن ميزان التسلح العسكري الذي يعتمده الاسرائيليون على المستويين البحثي والعملي )كما في حالة مركز جافي للدراسات الاستراتيجية بجامعة تل أبيب/ الموضح في الجدول المرفق(.
* دراسة طبيعة التسلح السعودي ومغزاه:
ينظر الاسرائيليون الى كل صفقة سلاح تتعاقد عليها المملكة على أنها موجهة ضدهم، ويقفون مطوّلا عند المغزى الكامن وراء الكميات والنماذج التسليحية وميزاتها واخطارها وتأثيراتها الاجمالية على سباق التسلح في المنطقة.
وتثير الأرقام المنشورة حول صفقات الأسلحة التي تعاقدت عليها المملكة مع الغرب هاجس تهديدها للأمن الاسرائيلي. وعلى امتداد العقود الماضية، كانت تقديرات الأوساط الاسرائيلية المهتمة بشؤون التسلح والتوازنات في المنطقة، تتأطر بالأحكام التالية:
1 ان هذه الصفقات تتيح للسعودية ليس فقط استخدام الأسلحة مباشرة ضد اسرائيل، وانما ايضا دعم القدرة العسكرية العربية عن طريق ارسال الأسلحة والمعدات العسكرية المتطورة وعلى وجه السرعة الى الدول العربية التي تمتلك أنواع الأسلحة ذاتها الموجودة بحوزة السعودية، لاستخدامها ضد اسرائيل.
2 ان الصواريخ التي تملكها السعودية تهدد العمق الاسرائيلي، وان الطائرات السعودية المقاتلة التي ترابط في مطار تبوك )شمال غربي المملكة( تستطيع ضرب الأهداف الاسرائيلية في النقب.
3 ان طائرات الأواكس وطائرات ف15 الموجودة في السعودية ستساهم في أداء القوات السعودية في ميدان المعركة المستقبلية بصورة فعالة، وفي نقل المعلومات الاستخبارية الى الأردن وسورية.
4 ان الصواريخ المضادة للطائرات الموجودة لدى السعودية قرب «الحدود الاسرائيلية» تشكل تهديدا حقيقيا على الأجواء الاسرائيلية، وثمة خطر سعودي كامن لاسرائيل في البحر الأحمر، خاصة ان السعودية أقامت قاعدة عسكرية جوية قرب ميناء جدة، بعد ان اشترت ما لا يقل عن 20 سفينة صاروخية.
* نهج الضجيج:
على الرغم من حيازة اسرائيل أكبر ترسانة أسلحة في المنطقة وأكثرها تطورا، إلا أنها تواصل إثارة الضجيج إزاء أي تزود عربي بكميات من الأسلحة مهما صغرت، مهددة ومتوعدة حيناً، ونائحة ومستنجدة حيناً آخر. ويعج المكتوب الاسرائيلي بالتقارير والتحليلات والآراء الخاصة بهذا التزود )وقائعه طبيعته مخاطره.. إلخ( بشكل مترافق مع محاولة تسويق الدعاوى حول محدودية ما تملكه اسرائيل من الطاقة البشرية والموارد والعمق الاستراتيجي بالمقارنة مع الدول العربية.
ومن العينات الحاضرة في الأذهان، أثار الاسرائيليون ضجة حول شراء السعودية صواريخ صينية )يبلغ مداها 300كم( وسعيها للحصول على صواريخ صينية أخرى )يقدر مداها بنحو 600كم(. ووصلت هذه الضجة احدى ذراها في أوائل التسعينيات، مع بدء مرحلة جديدة من التسلح السعودي إثر حرب الخليج الثانية. وعرض الخبراء الاسرائيليون الكثير من المعلومات عن الأسلحة الجديدة )طائرات ف15 متطورة وتورنادو حوامات اباتشي صواريخ بتريوت دبابات برادلي وليوبارد وم1 نظم اطلاق متعددة للصواريخ صواريخ ستينغر ومافريك .. الخ(.
ووقف المهتمون الاسرئيليون عند معطى احتلال السعودية المرتبة الاولى بين دول المنطقة المستوردة للاسلحة وذكروا ان مشترياتها بلغت عام 1996م نحو 9 مليارات دولار )من اصل مصاريفها الامنية البالغة 17 مليار دولار( ويشترك هؤلاء المهتمون في الدعوة الى اعتبار السعودية دولة مواجهة.واستقطبت المساعدات المالية السعودية لسورية اهتماما اسرائيليا ملحوظا وجرى التأكيد على انها جاءت منسجمة مع مساعي التنسيق العربي المشترك في مواجهة اسرائيل وان هذه المساعدات مكنت سورية من تعزيز قوتها وتحديث ترسانتها بأفضل انواع الاسلحة.
* القلق الاسرائيلي:
يؤكد الاسرائيليون ان العالم العربي يمتلك الامكانات والوسائل لتجسيد عدائه على ارض الواقع اي بأن يهزم اسرائيل في الحروب ويصفيها، سواء عبر حرب كبيرة واحدة، او عبر حرب استنزاف مستمرة، ويجزمون بأن التكافؤ التسليحي مع العرب سوف يفرض ذاته على اي حرب مستقبلية، وقبل ذلك على ادارة الصراع واساليب العمل الاستراتيجي في المنطقة.
وبخصوص تأثير تسلح المملكة العربية السعودية في هذا القلق، ثمة تأكيد اسرائيلي على ان الاسلحة التي تصل الى المملكة )وغيرها من الدول العربية( هي في حالات عديدة اكثر النماذج التي يتم انتاجها تطورا في العالم وخاصة بالنسبة لاجهزة الكشف الراداري والانظمة المضادة للطائرات والصواريخ الموجهة جو جو، وجو ارض. ويذهب الاسرائيليون الى ان اي فجوة تكنولوجية كانت اسرائيل قد اوجدتها سابقا يتم ردمها بسبب علاقات توريد السلاح المخلة بالتوازن التي تقوم حاليا بين العرب والغرب.
ويعتبر الخبراء الاسرائيليون ان مسألة التسلح السعودي تلقي بظلها على طبيعة الحرب الشاملة التي قد تنشب مستقبلا بين العرب واسرائيل، من حيث التطور التكنولوجي للاسلحة الموجهة الدقيقة وبعيدة المدى واتسام الحرب المقبلة بطابع خاص يتمايز عن الحروب السابقة بفعل كثافة الصواريخ البالستية والطاقة التدميرية للاسلحة، فضلا عن ان اسرائيل ستجد نفسها في هذه الحرب امام اسلحة غربية مماثلة للاسلحة التي تمتلكها.
* أسس الرد الاسرائيلي:
تتبنى اسرائيل سياسة محددة المضامين في مواجهة التسلح العربي )والسعودي ضمناً( تقوم على مبدأين رئيسيين هما:
1 التفوق والردع، عبر حصول اسرائيل على المزيد من الاسلحة المتطورة والسعي الى التحكم بميزان قوى يميل لصالحها، وافهام الدول العربية ان الثمن الذي ستدفعه جراء شن حرب على اسرائيل سيفوق بكثير المكتسبات التي تحلم بها. والتصورالاسرائيلي الشائع هو «دفع هذه الدول للاعتقاد بأن ثمن وجود اسرائيل يساوي ثمن وجودها هي».
2 سياسة تصغير الأخطار )المحادثات متعددة الأطراف حول التسلح خطوات بناء الثقة التسويات الأمنية والسياسية اشراك الدول الكبرى.. الخ( وهي سياسة ترمي عملياً الى اطلاق يد اسرائيل في مجالات التسلح، وتسيير الخطوات العسكرية والاستراتيجية بما يلبي المصالح الاسرائيلية بالدرجة الأولى. وتأخذ اسرائيل في هذا المنحى بمبدأ «الرزمة»، أي العمل وفق مختلف المحاور محلياً واقليمياً ودولياً، بتكامل واضح بين تنمية الذات واضعاف الخصم أو حتى السعي الى تدميره.
3 اعتماد الردود الميدانية، التي تشمل احتمال توجيه ضربة مباشرة الى مصدر التهديد. ووضع الخطط واتخاذ الاجراءات لمواجهة الأخطار والتطورات وكمثال راهن، يجري العمل على تأمين شبكات اعتراض للصواريخ قبل وصولها الى اسرائيل، على النحو التالي:
أ مشروع موآب )المسمى نظام اسرائيل لاعتراض الصواريخ فور انطلاقها( اعتماداً على طائرات دون طيار.
ب مشروع حيتس )السهم = آرو( الذي يجري تطويره بشراكة أمريكية رئيسة في التكنولوجيا والتمويل.
ج شبكة صواريخ بتريوت التي حصلت عليها اسرائيل من الولايات المتحدة )اعتبارا من أواخر العام 1990م( ومهمتها اعتراض الصاروخ البالستي الذي ينجو من صاروخ حيتس ويخترق الأجواء الفلسطينية.
د مشروع نظام الليزر التكتيكي المتفوق المعروف باسم «ناوتيلوس» الذي صمّم اصلاً لاعتراض صواريخ الكاتيوشا، ويجري العمل حالياً على تطويره لمواجهة الصواريخ البالستية وتدميرها، باستخدام حزمة ليزرية ذات طاقة كبيرة.
يشار هنا الى انه على الرغم من تعدد وسائط الاعتراض المعتمدة أو المتطورة، إلا ان المتخصصين الاسرائيليين يشككون في امكانية اغلاق الأجواء الاسرائيلية بصورة مطلقة عبر هذه الشبكات.هناك إذن مَيلٌ اسرائيلي جامح للتعامل مع مسألة تسلح السعودية )وسواها من الدول العربية( بالكيفية التي تجعل اسرائيل القوة المقررة في معادلة الصراع، تحت يافطة الأمن. وفي هذا المنحى، تحاول اسرائيل ادخال خيارها النووي على خط التفاعلات الخاصة بهذه المسألة.على الجانب الآخر من المتراس، غني عن البيان ان الدول العربية، بما فيها المملكة العربية السعودية، معنية بتبني خيارات تفرض على اسرائيل الكف عن «لعبة الجنون» وعن تأجيج التوتر وسباق التسلح في المنطقة، عبر الاستجابة الى استحقاقات السلام الشامل والعادل، على الصعيدين الفلسطيني والعربي.
* باحث، ورئيس تحرير مجلة الأرض، في مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينيةمشق
|
|
|
|
|