| مقـالات
كنت قد ذكرت في الحلقة الثانية من قراءتي لكتاب الدكتورة مضاوي الرشيد: السياسة في واحة عربية: إمارة آل رشيد أنها قالت )ص 41(: إن محمد بن سعود اشترط لحماية محمد بن عبدالوهاب شرطين: )أولا ألا يتخلَّى عنه بعد نجاح دعوته، وألا يبايع أي حاكم آخر في المنطقة. وثانيا: ألا يتدخّل أو يحاول منعه من فرض الاتاوات التي يجبيها الحكام السعوديون من رعاياهم(.
وذكرت أنها )عزت ذلك الى كل من ابن غنام وابن بشر. أما ابن بشر فقد ورد فيه الجزء الأول مما ذكرته في أولا، أن محمد بن سعود قال للشيخ: إن لي قانونا آخذه من أهل الدرعية وقت الثمار. وأما ابن غنام فلم يذكر الشرط الثاني إطلاقا. لكن المشكلة ليست مشكلتها وحدها؛ بل مشكلة كل من رجع الى الكتاب الذي أخرجه الأستاذ الفاضل الدكتور ناصر الدين الأسد على أنه تاريخ ابن غنام. وهذا الكتاب ليس التاريخ الحقيقي، الذي ألفه ابن غنام.. وتاريخه الحقيقي هو طبعة أبي بطين التي صدرت في القاهرة عام 1368ه. وزيادة في التوضيح أود أن أشير، هنا، الى ان ابن بشر قال: في إحدى طبعات كتابه القديمة: إن محمد بن سعود اشترط على الشيخ محمد شرطين:
الأول: ألا يرحل عن الدرعية، بعد مناصرته له، ويستبدل به غيره. والثاني أن له على الدرعية قانونا يأخذه منهم في وقت الثمار، ويخاف ان يقول الشيخ: لا تأخذ منهم شيئا. وقد وافقه الشيخ على الشرط الاول، وقال بالنسبة للثاني: )لعل الله أن يفتح لك الفتوحات فيعوضك من الغنائم ما هو خير منها(. وفي الطبعة الثانية من قبل وزارة المعارف السعودية عام 1391ه، تغير لفظ الشرط الثاني بحيث ورد ألا يتعرضه )أي لا يتعرض الشيخ محمد الأمير محمد بن سعود( فيما يأخذه من أهل الدرعية مثل الذي كان يأخذه رؤساء البلدان على رعاياهم. فأجابه الشيخ على ذلك رجاء أن يخلف الله عليه من الغنيمة أكثر من ذلك، فيتركه رغبة فيما عند الله سبحانه. ومن الواضح ان ذلك المأخوذ كان شيئا غير الزكاة. وكان بعض الأمراء النجديين يأخذونه من أتباعهم لتغطية متطلبات الضيافة والدفاع.
أما ابن غنام، الذي كان أقدم من ابن بشر زمناً؛ وبالتالي أقرب معاصرة للحادثة، فقال )ج2، ص 3(: إن محمد بن سعود سارع في الذهاب الى البيت الذي نزل فيه الشيخ محمد، وأخبره أنه )يمنعه بما يمنع به نساءه وأولاده من جميع من عاداه إلا أنه طلب منه العهد والميثاق ألا يرحل عن بلده. فأعطاه الشيخ العهد بذلك. وكان الأمير محمد بن سعود في جاهليته )أي قبل تبنيه دعوة الشيخ محمد( بحسن السيرة معروفا. وبذلك يتبين أن هذا المؤرخ لم يذكر إلا شرطا واحدا لمحمد بن سعود على ابن عبدالوهاب. وفي قوله: إن محمد بن سعود كان معروفا بحسن السيرة ما يوحي بأن الشرط الثاني، الذي ذكره ابن بشر، لم يحدث. على انه قد ورد ما يؤيد رواية ابن بشر في تاريخ لمؤلف مجهول صيغ باللهجة العامية عنوانه، كيف كان ظهور شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب. ومن الواضح أن تأليفه كان في حياة الامام عبدالعزيز بن محمد الذي اغتيل سنة 1218ه. وقد قام كاتب هذه السطور بدراسته وتحقيقه، فنشر مرتين.
وكان مما وردت الإشارة اليه في الحلقة الخامسة من القراءة معركة بقعاء، التي حدثت سنة 1257ه. وكانت بين الامير عبدالله بن رشيد وأتباعه، وفي طليعتهم قبيلة شمّر، وأهل القصيم وحلفائهم من عنزه. ولقد قتل نتيجة لتلك المعركة أمير عنيزة يحيي بن سليم. وكان قتله أمرا غريبا. فقد قال عنه ابن بشر )ج ص، ص 118(:
)أخذ يحيى رجل من شمر، وقال: انج بنفسك على هذا الفرس. فقال يحيي: دلني على عبدالله بن رشيد وأنت صاحب الإحسان. وكان بينه وبين عبدالله صحبة قديمة، فأوصله إياه، وجلس عنده، وقال: لا بأس عليك )أي أمَّنه(. ثم دخل ولد عبدالله، وقال: إن عمي قتل. فأمر )عبدالله( على يحيي فقُتل صبرا. وكون مقتله على هذه الصورة غريبا هو أن عبدالله بن رشيد قد اشتهر عنه الحلم.
لكن يبدو أنه ظن بأن المقتول أخوه عبيد، الذي كان ساعده الأيمن، فلم يستطع السيطرة على مشاعره. على ان المقتول لم يكن عبيدا. ولقد وردت في الحلقة السادسة من القراءة إشارة إلى وزير الأمير متعب بن عبدالله بن رشيد. وسألني أحد القراء الكرام عن اسم ذلك الوزير.
وقد ذكر الاستاذ فهد المارك، رحمه الله، في تهميشه على الطبعة التي نشرها الشيخ حمد الجاسر من نبذة تاريخية عن نجد )ص 107، ه 1(، التي أملاها ضاري الرشيد على وديع البستاني ان اسم ذلك الوزير عليوي بن كريشان. وقد قام كاتب هذه السطور بدراسة هذه النبذة وتحقيقها وشرح الألفاظ العامية الواردة فيها، فصدرت مع الكتب التي صدرت بمناسبة مرور مئة سنة على دخول الملك عبدالعزيز الرياض. ولقد أشرت إلى بيت من الشعر لحمود بن عبيد قاله ضمن قصيدة يتوجّد فيها على حائل بعد مغادرته لها إثر قتل أبنائه لأبناء الأمير عبدالعزيز بن متعب بن رشيد، الذي كانت أمهم بنتاً لحمود؛ وهو:
المسجد اللي به على أبوي صليت
إلى أذّن المذن نصيته لحالي
وزيادة في الإيضاح فإن ذلك القتل حدث سنة 1324ه. وورد في الحلقة السادسة من القراءة، أيضا، ذكر لما قالته الدكتورة مضاوي الرشيد من )أن عبدالله بن فيصل، حين غادر الرياض؛ إدراكا لعجزه أمام أخيه سعود لجأ الى جبل شمّر، الذي كان أميره محمد بن رشيد بحثا عن مساعدة لكنه لم يجدها وقد قلت تعليقا على كلامها السابق: )الواقع أن عبدالله غادر الرياض سنة 1287ه، وقصد جبل شمّر، ولم يصل الى الجبل. ومن المعروف أن محمد بن رشيد لم يتولّ الإمارة إلا سنة 1289ه.
ومن المحتمل ان المؤلفة الفاضلة قد قرأت ما كتبه سعود بن هذلول في كتابه تاريخ ملوك آل سعود )طبعة 1380ه، ص 33(؛ وهو: )أما عبدالله بن فيصل فعندما بلغه خبر مذبحة )هكذا( جنوده في جودة، ووصلته فلول المنهزمين، خرج من الرياض بخيله وأمواله وخدامه ومعه عبدالعزيز ابن الشيخ عبدالله أبا بطين وأحد مشايخ حرب: ناهض بن محمد بن ناهض. وتوجه نحو الشمال.
واستنجد بصديقه القديم الأمير محمد بن عبدالله بن رشيد، الذي كان قد قتل أبناء أخيه طلال.
ومن المعروف أن خروج عبدالله بن فيصل من الرياض بعد معركة جودة كان سنة 1287ه، فابن هذلول، رحمه الله، قد وهم عندما قال: إن محمد بن رشيد حينذاك كان قد قتل أبناء أخيه طلال. ذلك ان قتلهم كان سنة 1289ه. على انه لا يلزم أن يفهم من كلمة )استنجد( بأن عبدالله بن فيصل قد وصل فعلا الى جبل شمّر، إذ من المحتمل أنه كان قد كاتب محمد بن رشيد؛ أو أرسل إليه مندوبا، وإن لم يكن هو قد وصل إلى الجبل ذاته.
وليس من المستبعد أن يوجّه عبدالله بن فيصل استنجاده إلى محمد بن رشيد وإن لم يكن قد وصل الى إمارة الجبل بعد. ذلك انه كانت له مكانته بصفته كبير السن؛ إضافة الى كونه أخا لزوجة عبدالله، وما كان بينهما من علاقة ود. وزيادة في إيضاح ما حدث لعبدالله بن فيصل بعد خروجه من الرياض يحسن نقل ما ذكره ابن عيسى، المؤرخ النجدي الذي كان معاصرا للحادثة. فقد قال: )عقد الدرر، ص 67(: )أما عبدالله بن فيصل فإنه خرج من الرياض، لما بلغه ما حصل على اخيه محمد بن فيصل، بأمواله وخيله وخدامه، وقصد ناحية جبل شمّر، ومعه عبدالعزيز بن الشيخ عبدالله أبا بطين، وناهض بن محمد بن ناهض. فلما وصل إلى البعيثة الماء المعروف في العروق )القريبة من بلدة الأسياح في شرقي القصيم( نزل عليه وضرب خيامه هناك.
وأرسل عبدالعزيز أبا بطين برسائل وهدايا الى باشا بغداد وباشا البصرة والنقيب محمد، وطلب منهم النصرة والمساعدة على أخيه سعود(. ومن المعروف ما حدث بعد ذلك من استيلاء قوات والي العراق العثماني على منطقة الأحساء والقطيف، وانقسام القبائل في نجد بالذات بين مؤيّد لسعود ومؤيد لعبدالله. وهو انقسام كان من بين أسبابه ما كان يوجد، أساساً، بين تلك القبائل من تنافس ونزاع. وصدق العظيم القائل: )وتلك الأيام نداولها بين الناس(.
هو وليّ التوفيق
|
|
|
|
|