| وَرّاق الجزيرة
يزخر التراث العربي والاسلامي بالابداع والتفنن في طرق تأليف الكتب، والتراث الذي خلفه لنا سلفنا متنوع العطاء في شتى المجالات. ونحن في هذا المقال سنذكر نوعا من هذه العطاءات، وحسب وجهة نظري فإن هذا العطاء الذي نحن بسبيل مناقشته فيه نوع من التميز، ان لم يكن نوعا من التفرد. وقبل ان ادخل في وصف الكتاب اود ان اربط ذهن القارئ الكريم بموضوع الكتاب الذي سنتحدث عنه في هذا المقال. حيث يعد الكتاب الذي نحن بصدد الحديث عنه ذو صلة بما يعرف بلعبة الكلمات المتقاطعة. ولا اخال احدا لا يعرف هذه اللعبة التي تحوي مربعات افقية ورأسية متراصة وخالية من اي معلومات، ويطلب من الشخص الذي يريد إجراء هذه اللعبة ان يملأ هذه المربعات بكلمات معينة،ويضعها في المكان المطلوب. ومن اجل التعرف على الكلمات المطلوبة هناك وصف لهذه الكلمات التي ينبغي ان توضع في الوضع الافقي او الرأسي. ومن شروط اللعبة ان يكون هناك تداخل وتوافق في حروف الكلمات الافقية والرأسية. ولست بحاجة لمزيد من الشرح لان كيفية لعبة الكلمات المتقاطعة معروفة ومشهورة، من جرب لعبة الكلمات المتقاطعة يعرف صعوبة هذه اللعبة، فما بالكم بتأليف كتاب كامل يضم خمسة فنون على هذا النمط!! ما نحن بصدد الحديث عنه في هذا المقال هو تعريف بكتاب من كتب التراث الف بطريقة الكلمات المتقاطعة! هذا الكتاب هو عنوان الشرف الوافي في علم الفقه والعروض والتاريخ والنحو والقوافي، ومؤلفه اسماعيل بن ابي بكر والمعروف بابن المقرئ «ت، 754ه»،
وكتاب ابن المقرئ عبارة عن خمسة فنون من العلم في كتاب واحد، حيث بإمكان القارئ ان يقرأه بطرق شتى، كل طريقة تحوي فنا من الفنون الخمسة التي غطها كتاب عنوان الشرف الوافي. رتب ابن المقرئ كتابه وفق طريقتين كما يلي:
1. الطريقة الافقية، ونقصد بالطريقة الافقية هنا القراءة التي تبدأ من اليمين الى اليسار، وهي المعروفة في نظام الكتابة العربية، حيث نبدأ في العربية سواء في الكتابة او القراءة من اليمين الى اليسار بعكس اللغات الاخرى التي تبدأ من اليسار الى اليمين او تبدأ من اعلى الى اسفل «الرأسية» كما هو الحال في بعض لغات الشرق الاقصى. واستخدمت الطريقة الافقية في هذا الكتاب لمتن الفقه على مذهب الشافعي، وهو الفن الاول من فنون الكتاب، وهو اصل الكتاب الذي بنيت وركبت عليه الفنون الاربعة الاخرى بطريقة التقاطع الرأسي.
2. الطريقة الرأسية، وهي التي ينبغي ان يقرأ بها من اعلى الى اسفل، واستخدمت هذه الطريقة في كتاب عنوان الشرف الوافي لقراءة بقية الفنون، وهي: العروض، تاريخ دولة بني رسول، والنحو، وفن القوافي، وكل فن من هذه الفنون الاربعة له عمود رأسي خاص به «انظر الصورة المرفقة». وكل عمود من هذه الاعمدة كتب بلون احمر، وهذا خاص بمخطوطة الكتاب. وعندما قام محقق الكتاب الانصاري بنشره استبدل اللون الاحمر بعدة الوان، حيث جعل لكل عمود لونا. فالعمود الاول والخاص بالعروض اعطي اللون الاخضر الغامق، والعمود الثاني والخاص بتاريخ دولة بني رسول اعطي اللون الاصفر الفاتح، واما النحو الذي وضع في العمود الثالث فقد اعطي اللون الاخضر الفاتح، واخيراً فن القوافي، وهو العمود الرابع الذي اخذ اللون الاصفر الغامق، وبهذه الطريقة في تلوين الاعمدة خرج الكتاب بثوب جميل ورائع.
واما فيما يتعلق بتقاطع هذه الفنون الخمسة، فالتقاطع خاص بأربعة فنون مع فن الفقه، وليس هناك تقاطع بين فن وآخر، والتقاطع متنوع فمرة يكون على شكل حرف واحد فقط، ومرة حرفين، واخرى ثلاثة احرف، وفي احيانٍ كثيرة يكون بكلمة واحدة، وقليلا ما يكون التقاطع بكلمتين. ويغلب على فن العروض «العمود الاول» والقوافي «العمود الرابع والاخير» ان يكون التقاطع على شكل حرف واحد فقط. ويستخدم ابن المقرئ تقطيع بعض كلمات المتن الفقهي من اجل ان يكون هناك تطابق عند القراءة الافقية «متن الفقه» مع القراءة الرئيسة للفنون الاربعة. والمجال لا يتسع لمزيد من البسط.
هذه إطلالة سريعة على جزء من تراثنا الذي تزخر به المكتبات سواء المحلية او العالمية، وهناك آلاف المخطوطات التي لم تر النور فيها من الفنون الجميلة الشيء الكثير. وقبل ان أختم هذا المقال اود ان اقول: إن هذا النوع من التأليف يغلب عليه الصناعة والتكلف.وغني عن القول: ان هذا النوع من التأليف جهد مضن يحتاج لسعة بال وتجلد يكون عونا للمؤلف في تركيب هذه الفنون وجعلها متداخلة مع بعضها البعض. وهو في الوقت نفسه دليل على ملكة وعبقرية في فن التأليف.
جامعة الامام محمد بن سعود الاسلاميةü
musaidtayyar@hotmial.com
|
|
|
|
|