| محليــات
لوسائل الإعلام تأثير بعيد العمق، لا يكاد يبين إلاَّ بعد مرور مرحلة من الزمن، تظهر آثاره في شكل متغيرات، وظواهر... بعضها يبلغ في مداه بُعداً لا يكاد يُمحى، بأي «برنامج» علاجي...
ولعلَّ أكثر المتأثرين بهذه الوسائل وعلى وجه الخصوص المرئي والمسموع، والمرئي مسموع هم فئة الشباب، وكذلك الأطفال...
ومنذ بدأت الشاشة الصغيرة المرئية تنافس المذياع المسموع، واتجه إليها «إحساس» هذه الفئة بكلِّ جديد جاذب فيها من صوت وصورة، بدأ «المربون» و«الدَّارسون» يعقدون الحلقات «التفكيرية» الحوارية حول هذه الوسيلة...
وأتذكر أنَّ أوَّل حلقة وُضعت في شكل برنامج علمي مدروس تحت عنوان «أثر وسائل الاعلام في الطفل» كانت تحت رعاية الأميرة عفت الثنيان حرم الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز رحمهما الله في واسع جناته، تمَّت في كلية التربية للبنات في الرئاسة العام لتعليم البنات، قبل عقدين من الزمن، خرجت بتوصيات على درجة بالغة في الجدارة بالتنفيذ، وأذكر أنَّ وزارة المعارف تبنّت حينذاك توصياتها وأصدرت قراراً بتشكيل لجنة وطنية للطفولة برئاسة الأمير خالد بن فهد وكيلها حينذاك.. كان من أهمِّ التوصيات «فحص» ما يقدم على الشاشة للأطفال بحيث يتناسب مع «القيم» المرغوب في ثباتها، وتلك التي يمكن التَّفريط فيها، والأخرى المراد إكسابها، إلى جانب التي لا مانع من توريدها!! أي التي تتضمنها كافّة البرامج الواردة من «بيوت» خارج بيتنا الكبير... وحتى اللَّحظة لا أدري ما فعلت تلك اللَّجنة، وما الذي تمّ في شأنها... غير أنَّني أعلم أنَّ النساء المشاركات فيها وكنت إحداهن كنَّ يرغبن في إسناد شيء من مسؤولياتها إليهن لعدة أسباب: الأول مباشرتهن للأطفال ومتابعة أمورهم اليومية بما يتيح لهن مباشرة الملاحظة والمتابعة، الثاني: الحس الأمومي الذي يصدق دوماً في الكشف عمٍَِِِِّا يفيد وعمَّا يُنبِّىء بالحذر وعمَّا.. وعمَّا...، والسبب الأخير بجانب بقية الأسباب هو أنهن قادرات علماً وثقافة وخبرة لأن يقمن بمهمة تلك اللجنة.
وبدأت الوسائل تتطور... وتُستحدث لها منافذ، وآليات، وسبل، وأساليب بل مضامين تبدَّلت في العقدين، وتلوَّنت، وتعقَّدت، وفرُغت من مضامين، و«حُشيت» بمضامين، وتكثَّفت، وكثرت حتى أصبحت تحتاج ليس إلى برنامج علاجي واحد بل إلى برامج، وليس إلى عدد أصابع اليد الواحدة من المتابعين والمتابعات بل بعدد يفوق عدد أصابع يديْ وقدميْ الإنسان...
و... ماذا يقدم الآن للصغار في هذه الشاشة الوافد إليها عن طريق الأزرة الصغيرة ملونة الرؤوس ما هو وافد؟!
و... ماذا تحمل هذه «المعروضات» من المضامين؟... ونحن مقبلون بل أقبلنا على القرية ليست الصغيرة بل الملتحمة داخل تفاصيل ذرات قريتنا؟...
و... ماذا تضيف، أو تأخذ، تعطي أو تغيِّر؟... من الخبرات التي يحتاج إليها الطفل أو لا يحتاج، و... هل هناك خطر يداهم صغارنا؟
وهو إن جاء عن طريق «فراغ» و«هوَّة الفجوة» بين ما تقدمه برامج الصغار في كافَّة الشاشات وبين احتياجات العصر، والمرحلة، وما تفرضه المتغيِّرات الإنسانية في عالم الحياة العصرية... فماذا يمكننا أن نفعل فيما يجيء عن فراغ وتسطح وهوّة في المنافذ المفتوحة وعن طريق الوافد عنها في كافة معطيات العصر؟!... ليس فقط فيما هو مرئي مسموع بل مأكول وملبوس، ومقروء وملموس؟...
إنَّ الحاجة إلى النّظر بحذر إلى تأثير وسائل الاعلام الآن لم يعد وحده «المؤمَّل» كما أنَّ الحاجة لم تعد واحدة إلى ذلك الحذر.
ذلك لأنَّ كلَّ شيء يحيط الجيل النَّاشىء يحتاج إلى «نظر»، و«إعادة نظر»، عن عمق نظر، عن فكر قادر على استقراء ما هو قائم، عمّا كان وعمّا سيكون وعمَّا هو يُطرق... ويحتاج إلى من يُحسن اختيار المفتاح أو المفاتيح المناسبة له... في ضوء وعي يُقال إنه انتشر، وفي ظلِّ فهم يُقال إنَّه بلغ حدَّ الأداء نحو حياة يكون فيها النَّاشىء محور محك حركة دولاب الحياة كي تجمُلَ به الحياة.
|
|
|
|
|