| مقـالات
يقول أحد المختصين في إدارة الأعمال: ان المصنع في المستقبل سيعمل فيه اثنان فقط من الموظفين هما:
رجل وكلب
الرجل سوف يقوم بإطعام الكلب.
أما الكلب فسوف يكون هناك ليتأكد دائماً ان الرجل بعيد عن الأجهزة والآلات ولن يلمسها!!
وتقول إحدى الإعانات الاستثمارية في هذا المجال))تعتقد أنك فهمت الحالة، ولكن الذي فات عليك أن هذه الحالة قد تغيرت(.
العالم تغير ويتغير بسرعة مذهلة،«القياديون يلهثون لاستثمار هذا التغير وقطف إيجابياته.
وتشير إحدى الدراسات أن تدفق المعلومات في الثلاثين سنة الأخيرة يفوق مثيلاتها في الخمسة آلاف سنة السابقة.
أما المعلومات التي يحتويها العدد الأسبوعي من النيويورك تايمز فهي تفوق مايتوفر للشخص العادي) في القرن السابع عشر( من معلومات طوال حياته.
نحن إذن في عصر التغيير الشامل فهو لا يقتصر على تطوير الأجهزة ووسائل النقل، وتقنية المعلومات، ولكن هذا التغيير يشمل تغيير الأساليب، والتطوير النوعي، واستحداث أنظمة جديدة في المجالات المختلفة.
ومن الطبيعي وجود مقاومة للتغيير والتجديد ويقال في هذا الصدد ان 20% من الناس هم ضد أي شيء!!
والقيادي الناجح هو الذي يمتلك القدرة على التعامل مع مقاومة التغيير تعاملا إيجابياً ويحوله من مقاومة الى موافقة ثم مشاركة ثم دعم.
وليس من المنطق أبداً أن تحظى الإدارة بحب الجميع، ولو حصل ذلك فإن هذا يعني وجود مشكلة.
ومن أطرف ماقيل في هذه النقطة:
)) من أسرار الإدارة أن تقوم بعزل الناس الذين يكرهونك بعيداً عن الناس الذين لم يقرروا بعد((
ومن المعروف أن من أهم أسباب المقاومة هو عدم الوضوح أو عدم الفهم فإذا أتيحت الفرصة للناس للمشاركة واتيحت لهم المعلومات، ووجود إجابة على أسئلتهم فسوف يقل عدد المقاومين، ولكنه لن يختفي نهائياً!
بل ان التغيير من أسهل الطرق لكسب الأعداء.
ومن العوامل المؤثرة في التعامل مع التغيير الأسلوب الذي نستخدمه في أحداث التغيير.
هل نستخدم أسلوب المشاركة أم الأمر الواقع؟
البعض يعتقد أن عالم اليوم المتسم بطابع التغيير السريع لايسمح باستخدام اسلوب المشاركة والتغيير بواسطة الطرق المهذبة أن صح التعبيير.
في عالم اليوم ليس هناك وقت للتغيير المتدرج الهادئ الذي يتحاشى المعارضين ويتجنب المقاومة.. لابد أن يكون التغييير مثيراً وقوياً وجسوراً.
أما الأسلوب الوسط ودائماً هناك بديل يقع في الوسط فهو الأسلوب الشائع والأقل فاعلية لأنه أسلوب يحرص على؟ المقاومة.
عندما يستخدم الإداري الأسلوب الوسط فكأنما يحاول إرضاء الجميع وهذا هدف مستحيل ويؤدي إلى عدم التقدم.
هذا الأسلوب أيضاً هو نوع من التمسك بالتنظيم البيروقراطي وما يتضمنه من لوائح وأنظمة وتعليمات والبيروقراطية هنا تقود إلى نظامية مقاومة التغيير.
الإداري في هذا الجو البيروقراطي يعمل تحت شعار))النظام لا يسمح(( والتعليمات تقول كذا وكذا، ولم نتعود في السابق على مثل هذا الإجراء ويقال عن هذه الفئة من الناس انهم يقضون أوقاتهم يتطلعون بتوق ولكن إلى الماضي.
هذا النوع من الإداريين يتسمون بالتردد في اتخاذ القرار، لأن المقاومة المتوقعة من داخل أو خارج التنظيم تجره إلى الوراء حتى يفوته القطار.
ردود الفعل من خارج التنظيم على إحداث التغيير تتخذ اشكالاً متعددة ولعل من أهمها ما تترجمه الصحافة التي تقوم بدور المراقب المحايد الذي يبحث عن الحقيقة.
وإذا كانت الصحافة بعيدة عن التغيير وليس لديها المعلومات الكافية والدقيقة فإنها سوف تتخذ موقفاً قد لايرضي الإداري، وهنا يحصل الاحتكاك، الذي يقود إلى النقد والردود، وتصبح العملية سجالاً بين طرفين وكأننا في مباراة لابد أن ينتصر فيها أحدهما !!
إن النشر الصحفي المكثف عن اداء جهاز معين، ومتابعة أنشطته، ونقدها، هو ظاهرة صحية كما يدل على ان هذا الجهاز فاعل غير نائم، بل يتحرك بإستمرار نحو الأمام بحثاً عن الأفضل.
هذا الجهاز النشط لابد أن يتعرض للنقد«المقاومة وأن يحرك الأقلام للكتابة والبحث والمتابعة وهذا أمر طبيعي ومطلوب، ويساهم في تحقيق التكامل بين آراء الفئات المختلفة من الناس واستثمار أفكارهم ومقترحاتهم.
وزارة المعارف بقيادة وزيرها المحرك النشط الدكتور/ محمد بن احمد الرشيد الذي استخدم نمطاً قيادياً يشجع العاملين معه علي الابداع والتجديد، ويحول العاملين في الميدان الى مشاركين متفاعلين ليس مجرد مستقبلين متلقين للتعليمات والأوامر، وذلك عن طريق اللقاءات، والندوات، وتفويض الصلاحيات، وغيرها من أساليب المشاركة، والتخفيف من المركزية، بل هو يتطلع إلى يوم تدير فيه المدرسة نفسها بنفسها في كافة أمورها التربوية والإدارية والمالية.
هذه الوزارة هي أحد هذه الأجهزة التي حركت الأقلام، وحفزت العقول للمشاركة. هذه الوزارة جعلت التعليم قضية الجميع وهي فعلا كذلك، ولكن الوزارة فتحت المجال أمام الجميع من داخل وخارج الوزارة للمشاركة .
ولم تكن الدعوة للمشاركة أمراً صعباً بل تمت الاستجابة لها بسرعة.. لماذا؟
السبب هو التجديد والبحث عن الأساليب واللوائح، والنظم التي تتفق مع المتطلبات المتغيرة.
إن التغيير الذي تنشده الوزارة ليس هدفاً بحد ذاته فليس المقصود التغيير من أجل التغيير، ولكنه من أجل التكيف للظروف المتغيرة واحتياجات المستقبل.
هذا يعني الدخول إلى ميدان جديد، ينطوي على نقلة نوعية في عالم التربية والتعليم من ذلك مثلا تطوير المناهج ومشروع الأمير عبدالله بن عبدالعزيز وأبنائه الطلبة للحاسب الآلي) وطني( ولائحة تقويم الطالب، ومشاريع اقتصاديات التعليم، وصلاحيات مديري التعليم ومديري المدارس واللوائح والأنظمة المتعلقة بالإدارة بشكل عام والإدارة المدرسية بشكل خاص، وبرامج الموهوبين وتدريس اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية، وتطوير الهياكل التنظيمية، وبناء المدارس عن طريق القطاع الخاص، وتفعيل الأنشطة الرياضية والاجتماعية، والثقافية، والتغذية المدرسية، والتقويم المستمر للمواد الشفهية وغير ذلك من البرامج والمشاريع الجديدة التي أقدمت عليها الوزارة والتي يصعب حصرها في هذه المقالة.
إن مجرد التفكير في مثل هذه البرامج، والمشاريع وإعداد الدارسات حولها، ووضعها ضمن الأهداف الاستراتيجية هو بحد ذاته إنجاز وريادة وكون كثير منها تحقق فإنه من المهم الإشارة الى أن هذه البرامج والمشاريع لم يكن بالإمكان تحقيقها لو سارت وفق المألوف البيروقراطي، كما ان نتائجها وآثارها لايمكن أن تظهر بشكل مباشر وسريع لأن طبيعة العمل التربوي والتعليمي تختلف عن الأعمال الأخرى مثل فتح الشوارع وتحسين مستوى النظافة وغيرها من الخدمات.
ورغم أن هذه البرامج والمشاريع أقرت عن طريق العمل الجماعي وبعضها صاحبه إجراء تجارب وتدريب عن طريق ورش العمل، ثم يتبع ذلك آلية مستمرة للتقويم والتطوير إلا أنها بحكم كونها تغييراً لما سبقها لابد أن يكون لها ردود فعل ومقاومة من داخل وخارج الجهاز.
هذه المقاومة أمر طبيعي ومطلوب وبدونها تصبح التجربة ناقصة.
ويلاحظ أن أسلوب النقد والمقاومة يختلف، ويتفاوت حسب خلفية الكاتب وشخصيته، ولكن المطلوب من الأجهزة الإدارية التفاعل والاستفادة من النقد البناء أما النقد الذي لا يستند إلى حقائق ويبتعد عن الموضوعية فإن إمكانية الاستفادة منه محدودة كما أن بعض الكتابات صادقة في هدفها إلا أن صياغتها أحياناً تفقدها أثرها المطلوب.
إن التغيير الذي حصل في وزارة المعارف هو تغيير شامل، وهذه الشمولية التي حدثت في وقت واحد، أسلوب قد لايحظى بالإجماع، فهناك من كان يرى التركيز على جوانب محددة ثم الانتقال إلى جوانب أخرى وهكذا.. إلا أن طبيعة العملية التعليمية تقتضي تطوير عناصرها في وقت واحد لكونها تتكامل مع بعضها وترتبط ببعضها بعلاقة تأثير، فلا يكمن تطوير تقنيات التعليم مثلا بدون أن يصاحبه تدريب للمعلمين لتطوير أدائهم.
ولايمكن تطوير أداء المعلمين دور تطوير للبيئة التعليمية، وأساليب الإشراف، والإرشاد الطلابي ولايمكن تطوير أداء مدير المدرسة بدون تطوير العملية الإدارية وما تتضمنه من لوائح وصلاحيات..
إذن العملية مترابطة وتستدعي تطويراً متزامناً وشمولياً.
هذا الوضع الاستثنائي أدى إلى كبر حجم التغيير ومن الطبيعي أن الأعمال تتحدث عن نفسها إلا ان حجم التغيير كان لابد أن تصاحبه عملية تعريف وتهيئة ومتابعة، وإتاحة فرص المشاركة للجميع.
وهذا يقود إلى فتح الباب للنقاش وتبادل الرأي والاختلاف والنقد.
ساحة الحوار مفتوحة وفيها من الآراء ما يستند إلى الدراسة والتحليل والاستطلاع، والمتابعة، وفيها ما يسمى بالانطباعات أو الكتابات الإنشائية، ومنها ما يبحث عن السلبيات والأخطاء، ومنها ما يبحث عن الإيجابيات، ولاشك أن التقييم الناجح هو التقييم المتوازن الذي يستخدم التشخيص من أجل تعزيز الإيجابيات وإيقاف السلبيات.
وفي ظني أن الفائدة تكون أكبر عندما يتصدى المختصون للتقييم والتقديم والمراجعة والتحليل وتقديم المقترحات التطويرية المتعمقة التي تساهم في استكمال النواقص، وتعمل على إثراء الموضوع، يساعد على تسهيل ترجمة الأفكار والمشاريع إلى واقع ملموس.
نعود لنقول ان جهاز وزارة المعارف أو غيره من الأجهزة المتحركة لو سلكت طريق أو فلسفة )) النظام لايسمح(( لنا تحقق التفاعل الموجود الآن والذي يصب في مصلحة التعليم ومستقبل البلاد.
ويمكن أن يقال: هذا الكلام عن أجهزة أخرى تحركت وسلكت طريق التغيير فتعرضت للنقد وهذا أمر طبيعي لأنه كما يقال)) النائم لا يتعثر((.
نعم فالجهاز النائم لن يتعرض للنقد، وهذا يقودنا إلى تقييم أداء الأجهزة ومن يقوم بذلك، وما هي المعايير ومصادر المعلومات، وما هو دور الصحافة في هذا الموضوع؟
وهل يوجد صحافة متخصصة أو كتابات متخصصة تسلط الضوء العلمي على موضوعات ذات أهمية حيوية للمجتمع بحيث يتم تناولها بحثياً وبتعمق بدلاً من الكتابات اليومية التي قد لا تعطي الموضوع ما يستحقه من أهمية فيأتي الطرح ناقصاً أو انطباعياً.
ومع ذلك فإن الصحافة المسؤولة تقدم للمجتمع وللمسؤول خدمة مهمة فهي مرآة، ومجهر، وضمير، ووسيلة للتشخيص، والحوار، والتواصل، والاستفادة من أفكار ورؤى الجميع.
الصحافة هي السلطة الرابعة، هي البحث عن الحقيقة وهذه المسؤولية العظيمة تتطلب توفر كفاءات صحفية متخصصة لديها القدرة على إعداد التقارير المتخصصة، والكتابات العلمية وليس مطلوب منها الإشادة بالأشخاص أو الحديث عن الإنجازات لإبراز أصحابها وإنما توضيح الحقائق للقراء حول البرامج والخطوات الجديدة والتغييرات التي تمس مصلحة المواطن.
إن هذا الطرح لايعني عدم أهمية الكتابة اليومية والإشارة إلى الأخطاء فهذه الكتابة تخدم المسؤول وتعينه على أداء مهامه متى ما كانت كتابته تستند إلى الحقائق.
إن الحديث عن الصحافة يقود إلى الحديث عن العلاقات العامة، وإدارات الإعلام في الأجهزة والمؤسسات، ومن الملاحظ أن ما يصدر من العلاقات العامة لا يحظى بالقبول مقارنة بما يتناوله الكتاب وما تنشره صفحات القراء ولهذا أصبح موقف العلاقات موقفاً دفاعياً فهي أن بادرت اتهمت بأنها تلمع الجهاز، وأن لم تبادر، فإنها سوف تتحول إلى مدافع تلتصق به تهمة النفي.
نحن هنا بحاجة ماسة إلى تطوير العلاقات بين الصحافة والإدارة، وفي ظني أن الحل هو الكتابات المتخصصة، والمحررون المتخصصون، وأن تقوم الأجهزة والمؤسسات بوضع تنظيم يحقق الاستفادة من هذه الكتابات وبهذا تكون العلاقة بين الطرفين علاقة تكامل وليس علاقة تنافر.
إن ما جرى ويجري في وزارة المعارف خلال السنوات الست الماضية هو ميدان خصب للباحثين للدراسة والبحث، وتوثيق وتقويم التجربة، سواءعلى الصعيد التربوي أو على الصعيد الإداري فهي دعوة للمختصين وذوي الاهتمام والتربويين للدخول إلى هذا الميدان والتعرف عليه بالطرق العلمية.
إن التغيير الإيجابي يقود إلى التطوير ولأن العمل البشري يستحيل أن يحقق الكمال، أصبحت عملية التطوير عملية مستمرة لكون وقوع الأخطاء أمراً وارداً، وهذا جانب أولته الوزارة عنايتها فجعلت عملية التقويم مصاحبة لعملية التطوير.
بدأت الحديث في هذا المقالة عن التغيير ثم وجدت قلمي ينساق إلى الحديث عن واقع عملي أعايشه عن قرب من أجل ربط النظرية بالتطبيق، حيث لم أجد أمامي مثالاً أربطه بهذا الحديث سوى الواقع الذي أعرفه وأعرف أن شهادتي فيه مجروحة.
كنت أنوي الحديث حتى النهاية عن التغيير من منظور نظري بحت، ومن دون قصد سار بي القلم إلى العلاقة بين الصحافة والإدارة وتجربة وزارة المعارف، وأنا على ثقة أن حديثي هذا لن يرضي الجميع كما هو حال المشاريع والبرامج التي تنفذها وزارة المعارف.
|
|
|
|
|