| الاخيــرة
في زمان أحس حرارته على وجهي شمس امس، مع انه قد مضت عليه سنوات ضوئية بمقياس التغير والتطور والتلاحم الذي شهدته البلاد من خاصرة سواحلها الي خاصرة صحرائها، عز علي فضولي الطفولي وتعلقي العشقي باهداب طيفها لا اعرف شوالة والجبيلة وعرعر الا من النشرة الجوية بالتلفزيون ولا اعرف الحسا أو حايل أو نجران وجازان وسكاكا وتبوك الا من كتب الجغرافيا المدرسية وان لا أفك من ابجدية ارض الجزيرة العربية الا حروف حريملاء والرياض والطائف حيث انحدر الاجداد ومكة المكرمة والمدينة المنورة حيث مهوى الافئدة . ولذا الححت في إحدى الصيفيات المدرسية القائظة على والدي حرم الله وجهه على النار وبمساعدة سياسية من أمي حرم الله صحتها من الامراض وبتضامن شغبي من إخواني وأخواتي على ان نقوم برحلة «برية» بالطبع، في رحاب الوطن. ولقد حملنا والدي وقتها في عربة تسمي «حمالي» نعم «حمالي» وما ادرى جيل عربات الصالونات والجيمسات و«الموبل هوم»، ما الحمالي. انه سيارة لوري بغمارة واحدة وخلفيته الواسعة التي كانت بالكاد تتسع لنا عارية اي مقاعد وسماؤها عارية من اي سقف الا ما كنا نفرشها ونسقفها به من حنابل «بسط» ملونة زاهية، نتقى به حر لهب لافح لا تطفئ لظاه مطارات الماء المصفوفة على جانبي «الرولي» كما كان يسميه اخوتي الصغار، كانت رحلة لا تنسى وتستحق وعثاء الطرقات الوعرة علي الاقل في الذاكرة الآن. وعندما حثني الحنين لأعود الى بعض تلك المناطق النائية الغالية كباحثة جامعية وجدتّ معظم معالم تلك المناطق قد جددت الى جانب بالطبع تعبيد معظم الطرقات اليها، كانت قرى العشش قد فوضت وبيوت الطين قد اندثرت او تكاد ومعمار الحجر قد هجر وحلت محل تلك المساكن بيوت تعلوها لوحات مديونية بنك التنمية العقاري، وبجانبها على الاقل مدرسة واحدة للبنين واخرى للبنات وبعضها يتمتع بقرب مصحة أو مستوصف وقد وصل معظمها الماء والكهرباء او مواتيرها. وان كنتُ قد لا حظت ان انعدام التخطيط العام على مايبدو لبعض المخططات الجديدة قد ترك المباني القديمة وخاصة تلك البيوت الحجرية الجميلة بالجنوب مأوى للعناكب والزواحف دون ان ينم ان في النية مشروعاً للمحافظة عليها أو الارشاد والتوعية بذلك كرمز لمرحلة آخذة في الانحسار السريع بنمطها المعيشي الكادح ومعمارها الصمود، فقد بدا واضحاً ان هناك حساً وطنياً مخلصاً لمشاركة الجميع في كعكة البترول من قلب المدن الى منابض الاطراف الخفاقة.
ولأننا والحمد لله لسنا كأمريكا ولا نريد ان نكون مثلها او تكون مثلنا حيث ترفل حفنة من المجتمع في ثراء فاحش بينما يولد في كل ستة اطفال طفل وقد تقرر مصيره المعيشي مدى الحياة لينضم الى الجموع التي تعيش تحت مستوى خط الفقر ولاننا لا نريد ان نتشبه بنموذجها في التوزيع العادل للبؤس حيث تشبه حالة المعوزين خلف ناطحات السحاب بنيويورك ومن لا مأوى لهم في واشنطن العاصمة حالة المتضورين والمشردين خلف حزام ديزني لاند بفلوريدا.
وتشاينا تاون بكالفورنيا. ولاننا لا نريد أجيالاً جديدة تفتح عيونها على عقد نقص أو استعلاء بين المركز والاطراف ونقاط البشرية والجغرافيا المضيئة من عشيرة الي الدرعية ومن تاروت وحفر الباطن الى الحناكية وما وراء الباحة وشرورة وذهبان ولاننا ولله الحمد من اقصى نقطة في جنوب الوطن الى اقصى نقطة في شماله او غربه وشرقه ووسطه لسنا ولا نريد ان نكون كالجنوب الامريكي الذي لا تصل الى بعض بيوته المهلهلة البعيدة خدمة الماء والكهرباء والصحة بينما امريكا تقيم خطاً دفاعياً بما يعادل 60 بليون دولار وبما يعادلها يصرف على انتاج وتوزيع العُصى والجزر في انحاء المعمورة ، فإنه قد راعني ان اقرأ ذلك الخبر عن الثعابين التي تساكن التلاميذ إحدى المدارس بسراة عبيدة بالجنوب، ويسمح سوء اعداد المبنى المدرسي وعدم القدرة على توفير حماية بيئية لاطفال مدرسة ابتدائية بان تقتل الثعابين طفلين منهم ولا يقل عن ذلك إثارة للروع والمساءلة ان يقوم والد الطفل الذي لدغه الثعبان مؤخراً بمحاولة إنقاذه غير انه يحال دونه ودون امكانية انقاذ تلك الروح البريئة ببعد المنطقة عن اقرب مستشفى منه في ظهران الجنوب بمسافة 120كم تفصلهم عنها جبال شديدة الوعورة ولا أقول إلا «لا حول ولا قوة الا بالله» ثم اتذكر تلك الانشودة الطفولية:
)ربوع بلادي علينا بتنادي(
فهل من يسمع والأمر لله من قبل ومن بعد.
|
|
|
|
|