| الاقتصادية
* تحقيق أحمد الفهيد
السيادة ووحدتها نتيجة وليست أداةبقي النقد «العملة النقدية» واحداً من أبرز وأوضح علامات السيادة الاقتصادية والسياسية للدول منذ نشوء مفهوم الدولة في وقت سابق للميلاد.
وفي التاريخ العالمي الحديث ظهرت ثم اختفت أنظمة عالمية نشأت وانبثقت من فلسفات اقتصادية في أساسها.
ومع دخول العالم للألفية الثالثة ومع ظهور مفاهيم جديدة كالعولمة واتفاقية التجارة العالمية وفي وقت أصبحت فيه الشركات أكبر من الدول والأسواق أكبر من الأمم، برزت الحاجة لوجود تكتلات اقتصادية تزيد متانة اقتصادات دولها الأعضاء وتحمي هياكلها من هذه القوى الاقتصادية الكبرى التي لا تعترف بالحدود الجغرافية أو السياسية.
وقد راقب العالم بأسره واحدة من آخر وأبرز التجارب الوحدوية في التاريخ الحديث ونعني بذلك التجربة الأوروبية التي جسدت ما يسمى الآن الاتحاد الأوروبي والذي أصبح ان جاز التعبير دولة كبرى تتمتع بثقل سياسي واقتصادي وعسكري ونفوذ عالمي مرشح لتغير قواعد اللعبة عبر اعادة ترتيب مراكز القوى العالمية.
وما بين الفكرة والتجسيد، أنفقت الأمة الأوروبية أربعين عاما من الجهد، بدأت بوادرها منذ معاهدة باريس عام 1951م والقاضية بانشاء )الاتحاد الأوروبي للفحم( وصولا الى معاهدة ماسترخت والتي رسمت الخطة لاصدار عملة «اليورو» بحلول عام 1999م.
ولم تكن دول مجلس التعاون الخليجي بمعزل عن هذاالتوجه العالمي، مستفيدة من عمق الروابط الثقافية بين شعوب المنطقة واشتراكها في عمق استراتيجي واحد اضافة الى التقارب الكبير في هياكلها الاقتصادية والسياسية وايمانا من قادة دول المنطقة بأهمية التكاتف الاقتصادي سعى المجلس الى الاستفادة من كل هذه المعطيات الاستراتيجية عن طريق تفعيل توجهات قادة دول الخليج نحو هذا الهدف وكانت أبرز مؤشرات النجاح اتفاق دول المجلس على مثبت مشترك لصرف العملات الخليجية، متوجة بعد ذلك بالاعلان عن اصدار عملة خليجية موحدة في قمة المنامة الأخيرة.
وقد استقبل الشارع الخليجي والأوساط المالية والاقتصادية فيه هذا القرار بمزيد من التفاؤل على الرغم من ان الكثيرلا يزالون يحملون العديد من التساؤلات حول كيفية اجراءات هذه الوحدة النقدية والتي لم تناقش تفاصيلها في وسائل الاعلام بشكل تفصيلي بعد.
فهناك من يرى ان الوقت لا يزال مبكرا لهذا النوع من الوحدة الاقتصادية سيما وان التجربة الحية «التجربة الأوروبية» استغرقت جهدا دام أربعة عقود فيما يرى آخرون ان التقارب الكبير بين الأنظمة والمؤسسات الخليجية اضافة الى محدودية عدد دول المجلس سيكونان كفيلين بتقليص هذه المدة!.. من جهة أخرى هل هناك أوليات يجب البدء بها في الطريق نحو توحيد العملة؟ ثم كيف يمكن احتواء الفروقات بين المؤسسات السياسية والاقتصادية لهذه الدول؟
أليس الحديث عن فتح الحدود أمام مواطني المجلس وتسهيل انتقالات رؤوس الأموال داخل دول المنطقة أكثر إلحاحا من السعي لاصدار عملة خليجية موحدة؟ ما هي انعكاسات هذه العملة على التجارة وأسواق المال في المنطقة؟ أين هو ترتيب البنك الخليجي المشترك مقارنة بالعملة في قائمة الاقتصاد الخليجي الموحد؟
هل لا نزال مبكرين نحو هذه الخطوة؟ أم أنه يجب علينا ألا نتأخر أكثر من ذلك؟
ولإلقاء مزيد من الضوء على هذه التجربة العالمية الثانية وللاجابة عن هذه التساؤلات وغيرها التقت «الجزيرة» عدداً من الأعلام الاقتصاديين من ماليين وتجاريين في هذا التحقيق الذي نطرحه بين يديكم والذي لا تنقصه الجرأة، حيث نلتقيهم اليوم بصفاتهم التخصصية كخبراء بعيدا عن صفاتهم الاعتبارية ولنستطلع معهم آراءهم «غير الرسمية» في هذه القضية كما وتجدر الاشارة الى ان ترتيب الضيوف جاء ليتماشى مع السياق التسلسلي لزاوية الطرح.. فإلى التفاصيل:
مبدأ وتطور إنساني جيد
في البداية التقت «الجزيرة» معالي الشيخ محمد أبا الخيل حيث تساءلنا معه عن كيفية نشوء فكرة الوحدة النقدية وكيف يمكن للتجربة الخليجية ان تستفيد من تجربة حية كالتجربة الأوروبية؟ حيث أجاب معاليه:
صدور عملة أوروبية موحدة، أوجد لأول مرة في التاريخ الحديث مفهوما جديدا يفصل علاقة العملة بالاستقلال السياسي، بحيث يمكن ان تكون دول مستقلة سياسيا ولكن ليس بالضرورة ان يكون لها عملتها الخاصة!.
فقد كانت العملة الخاصة والعلم وغيرها.. ، تعد من خلال منظور التاريخ الحديث رموزا للسيادة والاستقلال، أما الآن فقد انفصلت العملة عن السيادة، وهذا مبدأ صحيح وتطور انساني جيد!. ولكن يجب لكل مجموعة من الدول تريد توحيد عملاتها في ان تتوفر فيها مبررات وتطورات موضوعية تجعل مثل هذه الخطوة مفهومة أولا ومن ثم مقبولة.
ومتى ما توفرت في دول مجلس التعاون هذه الاشتراطات ستكون خطوة جيدة، ولكني لا أتوقع ان يتحقق هذا في وقت قريب، وربما يكون من الأفضل في الوقت الراهن، التأكيد على الاتفاقية الاقتصادية أولا وجعل دول مجلس التعاون سوقاً واحدة كليا من دون قيود وحدود.
وإذا تحقق هذا الشيء بالكامل يصبح التفكير بالعملة الموحدة معقولاً.
واعتقد في الوقت الحاضر ان القرار الذي اتخذ حول تثبيت العلاقة بين العملات قرار جيد وسيساعد على تسهيل أعمال البنوك ورجال الأعمال في المنطقة بشكل كبير جدا.
* معالي الشيخ ألا ترى معي بأن هناك اختلافاً في الهياكل المؤسسية لدول المجلس سواء السياسية أو الاقتصادية بشكل ينعكس على عدة مجالات تجارية وجمركية وحتى اجتماعية؟
كما سبق ان ذكرت لك ان وحدة العملة ترتكز على الاتحاد الاقتصادي أو تكملته، وإذا ما أكملنا تكون مسألة وحدة العملة نتيجة وليست أداة.
وتثبت العلاقة بين العملات في حد ذاته سيخدم رأس المال في المنطقة بحيث تكون العلاقة بين العملات واضحة فكل كذا عملة تساوي كذا من نظيراتها الخليجية بشكل واضح دون التعرض للتذبذبات وسيسهل حركة الأموال والتجارة الخ.
نحن أحق بنجاح التجربة
من أوروبا
* من جهة أخرى التقت «الجزيرة» الأستاذ عبدالرحمن الجريسي والذي تساءلنا معه عمّا يمكن ان يعكسه توحيد العملة الخليجية على الحركة التجارية ورؤوس المال في دول المنطقة؟ حيث تحدث عن ذلك:
نحن كرجال أعمال نحرص على ان ننظر بنظرة شمولية للأمور الاقتصادية. وبلاشك انه يهمنا بالدرجة الأولى أوضاعنا الاقتصادية داخل المملكة ولكن أيضا وبالنظر الى التكتلات الاقتصادية العالمية والتكتلات الاقليمية، نجد ان في دول الخليج تكاملاً وتكافؤاً وكنا ننظر دائما في كيفية ان نجعل من اقتصادنا اقتصادا واحدا وان يكون هناك تنسيق بين دول الخليج ومن ضمن هذه الأمور موضوع توحيد العملة.
فنحن كنا نتمنى ان يكون هناك تعرفة جمركية واحدة وسياسة اقتصادية واحدة والآن نتحدث عن العملة الواحدة ونحن نرحب كرجال أعمال بهذا التوجه ونجد انه يمكن ان يكون هناك فوائد كثيرة جدا من حيث ان يكون اقتصاد المنطقة، اقتصاداً له قوته وتأثيره في العالم عندما يصبح اقتصادا واحدا، ونتمنى أن تتجسد هذه التوجهات وان نرى العملة الخليجية الموحدة.
وفي اعتقادي ان حدوث هذا الشيء يمكن ان يشكل سهولة لعمليات تبادل التصدير وتبادل التحويلات النقدية وسيكون خطوة نحوتوحيد السياسات الاقتصادية لدول المنطقة، فنحن كنا في يوم من الأيام ننادي باقتصاد عربي موحد وكنا نتمنى وجود سوق عربية مشتركة وان يكون هناك تعاون عربي أوسع ودول الخليج حرية بأن تتبنى وتنجح مثل هذه الفكرة.
* وحول كيفية استثمار التجربة الأوروبية كنموذج يمكن الاستفادة منه أو حتى تلافي عيوبه، يضيف «الجريسي»:
بلا شك فالخطوات التي تمت في أوروبا، من توحيد للسياسات والاتفاق على توحيد العملة، تطرح أمام أنفسنا تساؤلا حول كيفية تجسيد هذه الوحدة على الرغم من التنافرات في اللغة والصلات والطبيعة وحتى في السياسات؟! ثم كيف نجحوا في الوصول الى نظام اقتصادي موحد وانطلقوا من الكيان السياسي الواحد واتفقوا على عملة واحدة لتصبح هي عملة التداول الدولي لهذه الدول وسنراها قريبا مطروحة كنقد في السوق.
هذا التساؤل يبعث فينا التفاؤل إذ كيف نجحت هذه التجربة في دول عددها أكبر بكثير من دول مجلس التعاون.
ان النظر للتجربة الأوروبية المتجسدة أمامنا الآن يسهل علينا الحكم على الأمور والتنبؤ بنجاح هذه الفكرة، إذا توفرت النوايا ،وهي متوفرة لدى دول المجلس ولكن نحتاج إلى مزيد من التفعيل.
* وحول كيفية احتواء الفروقات في الهياكل السياسية والاقتصادية وما إذا كانت هناك أولوية لتوحدات من نوع مختلف تسبق توحيد العملة؟ يختتم الأستاذ عبدالرحمن الجريسي حديثه بقوله:
أنا أوافقك انه فعلا كان هناك اجراءات كان يمكن ان تكون أكثر الحاحا واسبقية وأسهل اجراء ولكن أي خطوة من الخطوات إذا كان من شأنها ان تصب في النهاية في هدف توحيد الأنظمة والسياسات والتي تصب بطبيعة الحال في توحيد دول المجلس يعد أمراً جيداً جداً.
وعندما يطبق أي نوع من أنواع التعاون أو التوحيد في حد ذاته يعطي نموذجا ومبررا لما بعده ان شاء الله.
مشيرا بذلك الى اتفاق أعضاء دول المجلس على تثبيت سعر الصرف بين عملات دول مجلس التعاون الخليجي العربي.
الطريق طويل
* من جهة أخري التقت «الجزيرة» الدكتور حسن الملا والذي تساءلنا معه وبالنظر للتجربة الأوروبية عن ماهية العوائق التي قد تؤخر أو تعيق الوصول الى هذا الهدف مستفيدين بذلك من عوائق التجربة العالمية الأولى؟ حيث أشار بدوره الى ان الطريق نحو العملة الموحدة طريق طويل.. وأضاف:
ولدينا حول العالم تجارب وحدوية، أقربها تجربة الأوروبيين والذين الى الآن لم يطبعوا عملتهم الأوروبية الموحدة، ولم يطرحوها في الأسواق؟!
ولكن هذه التجربة وظهور هذه العملة الى أرض الواقع سبقته عوامل تحضيرية عديدة، وضعت ضمن برنامج معين ومحدد وفي جداول زمنية وتواريخ معينة، وتم تطوير الأمر تطويرا تدريجيا من الألف الى الياء. وقبل ان نتحدث عن عملة خليجية موحدة، يجب علينا ان نسعى لتوحيد الأسواق وإلغاء جميع الحواجز الجمركية أو غير الجمركية من الطريق، وان نسمح بانتقال الأفراد وانتقال السلع والعمالة من مكان الى آخر في دول المجلس، لأننا نحتاج الى دمج الاقتصاد الخليجي بعضه مع بعض حتى يمكن في حال وجود عملة موحدة ان تخدم هذا الاندماج وهذا الدمج.
واعتقد ان بقاء الفوارق الاقتصادية والسياسية وعدم الاندماج بالشكل السابق يعيق الوصول الى عملة موحدة.
ولا شك ان هناك خطوة سابقة نحو توحيد المثبت للعملات الخليجية والاتفاق عليه وهي خطوة جيدة جدا، وعلى اعتبار انه عندما يكون هناك توحيد للعملة وتكون هناك عملة تسود السوق لن يكون هناك فوارق بين عملة وأخرى، وهذا ما حصل للعملات الأوروبية مقابل اليورو فقد تم تثبيتها وانتهى الأمر عند صدورها في عملة واحدة هي اليورو.
ولكن بقي ان أؤكد على ان هذه الخطوة تعد خطوة جبارة ومجرد التفكير فيها يعني بشكل واضح أن هناك نية لدى قادة دول المجلس للانتقال من مجال التعاون الى مجال الاتحاد ومن ثم الوحدة فيما بينها. وهذه خطوة جبارة على الطريق الصحيح.
المهم ان يكون هناك متابعة وان يكون هناك جهات مخصصة متفرغة تعمل من أجل تفعيل هذا الهدف دون الارتباط بمهام أخرى وتوفر لها من السلطة والصلاحيات والقدرة ما يمكنها من الضغط في سبيل تذليل أي عوائق أمام هذا الهدف المنشود.
ولاشك انها لو أوجدت ستكون هي الأساس أو المرتكز لأي نوع من أنواع الاندماجات في الاقتصاد الخليجي.
البنك الخليجي المركزي
* كان ذلك فيما يبدو اشارة من الدكتور حسن الملا الى ضرورة وجود بنك خليجي مشترك تكون مهمته متابعة هذه الفكرة بما يملكه من صلاحيات وقوى ضاغطة وملزمة بفترات تنفيذ مجدولة.
* نحو هذا الاتجاه الذي أخذنا فيه د. الملا التقت «الجزيرة» الدكتور عبدالعزيز العوهلي والذي تساءلنا معه عن مدى أهمية وجود بنك خليجي مشترك وترتيبه في قائمة مخطط العملة الخليجية الواحدة؟ حيث علق بقوله:
هناك فرق بين سوق المال وتوحيد العملة ففي موضوع توحيد العملة لا يمكننا صعود السلم من الأعلى! وإنما نبدأ من الأسفل ونصعد السلم درجة، درجة، وتوحيد العملة هي آخر درجة في سلم التوحد الاقتصادي.
وبالنظر لتجربة دول السوق الأوروبية المشتركة نجد ان هذه السوق وهذا الاتحاد لم يبدأ بتوحيد العملة بل بدأت بربط الاقتصادات مع بعضها البعض، وربط الجمارك والضرائب.. الخ. ثم يأتي في آخر المطاف توحيد العملة كتتويج لهذه التوحدات الاقتصادية.
ويختتم الدكتور العوهلي حديثه بالتأكيد على أهمية الدور الذي يضطلع به البنك الخليجي المشترك، حيث أضاف:
عندما يكون هناك بنك خليجي مركزي واحد، يأتي بعد ذلك دور العملة ولا يمكن ان يكون هناك توحيد عملة دون وجود بنك مركزي واحد، وهو خطوة البداية التي يبتدئ منها ومن ثم توحد العملة.
تغييرات هيكلية جذرية
* من جانب آخر من جوانب هذا التحقيق التقت «الجزيرة» بمعالي الدكتور جبارة الصريصري والذي حرصنا على ان نثير معه تساؤلات من مختلف الجوانب بحكم قربه من مصادر صنع القرار الاقتصادي في المنطقة اضافة الى كونه خبيراً مالياً، حيث تساءلنا معه في البداية حول الكيفية التي يرى بها الطريق نحو عملة خليجية موحدة، وكيفية الاستفادة من التجربة الأوروبية بجميع أبعادها نحو تحقيق هذا الهدف؟ فأجاب:
نصت المادة الثانية والعشرون من الاتفاقية الاقتصادية الموحدة بين دول مجلس التعاون على ان تقوم الدول الأعضاء بتنسيق سياساتها المالية والنقدية والمصرفية،بما في ذلك العمل على توحيد العملة ليكون متمما للتكامل الاقتصادي الذي تسعى اليه الدول الأعضاء.
وبالفعل قامت دول المجلس خلال السنوات الخمس الماضية باتخاذ العديد من الخطوات التي تساهم في تقريب وتنسيق سياساتها المالية والنقدية، كان آخرها ما تم خلال القمة الواحدة والعشرين الأخيرة والتي عقدت في البحرين، حيث اتفقت الدول الأعضاء على توحيد أسعار الصرف فيما بين عملاتها كخطوة مرحلية مهمة نحو ايجاد عملة خليجية موحدة، في المستقبل القريب ان شاء الله.
ورغم ايمان قادة دول المجلس بأهمية العملة الموحدة ودورها في ايجاد كيان اقتصادي واحد، وبيئة تنافسية جاذبة للاستثمار وتعميق المواطنة بين شعوب الدول الأعضاء إلا ان هناك أمورا فنية ينبغي التغلب عليها أولاً حتى تصبح الظروف مهيأة لتكوين العملة الموحدة.
ان توفيق الأوضاع الاقتصادية والمالية مع متطلبات العملة الخليجية الموحدة يستدعي اجراء اصلاحات هيكلية جذرية في عدد من القطاعات في بعض الدول الأعضاء.
وبالنظر الى التجربة الأوروبية نلاحظ أن النهج المرحلي والتدريجي الذي انتهجته دول الاتحاد الأوروبي في تحقيق خطوات الوحدة الاقتصادية، قد ساهم بشكل كبير في ايجاد أرضية صلبة لانشاء العملة الأوروبية الموحدة )اليورو( فقد تم كما تعلم توقيع معاهدة باريس بانشاء الاتحاد الأوروبي للفحم والصلب في عام 1951م تلتها مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات من أهمها معاهدة روما عام 1957م والتي تم بموجبها انشاء المجموعة الاقتصادية الأوروبية الى معاهدة ماسترخت في ديسمبر عام 1990م والتي أقرّت تبني سياسات خارجية وقضائية موحدة وبنك مركزي أوروبي بهدف طرح عملة أوروبية موحدة بحلول عام 1999م. وقد حددت معاهدة ماستريخت برنامج عمل اشتمل على ثلاث مراحل. المرحلة الأولى يتم فيها تنسيق السياسات النقدية والمالية والاقتصادية بين الدول الأعضاء واستمرت هذه المرحلة قرابة السنتين والنصف تلتها المرحلة الانتقالية حيث تم فيها استكمال البناء التنظيمي والقانوني والمؤسسي ومن ضمنها قيام مؤسسة النقد الأوروبية التي تحولت الى ا لبنك المركزي الأوروبي وأخيرا المرحلة الثالثة والتي يتم فيها طرح العملة الأوروبية «اليورو». ويجب ان نعرف بأن معاهدة ماستريخت قد وضعت معايير محددة كشرط للانضمام الى الاتحاد الأوروبي، من هذه الشروط:
1 استقرار الأسعار ومعدل التضخم.
2 استقرار سعر الصرف.
3 استقرار سعر الفائدة.
4 ألا تتجاوز نسبة عجز الميزانية العامة الى الناتج المحلي الاجمالي في كل دولة 3%.
5 ألا تتجاوز نسبة الدين العام الى الناتج المحلي الاجمالي في كل دولة 60%.
وقياسا على التجارب الدولية في هذا المجال فان دول المجلس ما زال أمامها العديد من الخطوات التي ينبغي القيام بها حتى تصبح مهيأة للوصول الى العملة الموحدة. إلا ان المهم هو البدء في العمل على تحقيق هذا الهدف ومن سار على الدرب وصل.. وبالفعل اتخذت دول المجلس خطوات عملية عديدة في هذا المضمار، آخرها قرار المجلس الأعلى المشار اليه.
الفروقات السياسية
والبنك المركزي
* في رأي معاليكم ما هي الجهة التي يمكن ان تكون معنية بتمهيد الطريق نحو هذا الهدف وماذا عن البنك الخليجي المركزي؟
موضوع توحيد العملة تتولاه لجنة التعاون المالي والاقتصادي التي تضم أصحاب المعالي وزراء المالية والاقتصاد وكذلك لجنة محافظي مؤسسات النقد والبنوك المركزية في الدول الأعضاء. وكانت لجنة التعاون المالي والاقتصادي قد أوصت في اجتماعها الثالث والخمسين الى عقد في منتصف رجب 1421ه ان يعتمد الدولار في المرحلة الحالية مثبتا مشتركا لعملات دول المجلس على ان تقوم هذه اللجنة بالاضافة للجنة المحافظين بوضع برنامج عمل، وفق جدول زمني محدد، لتحقيق متطلبات توحيد العملة المنصوص عليها في المادة )33( من الاتفاقية الاقتصادية الموحدة. بما في ذلك وضع معايير لتقريب معدلات الأداء الاقتصادي مما يحقق الاستقرار المالي والنقدي في الدول الأعضاء.
أما بالنسبة للبنك الخليجي المركزي فأعتقد ان الوقت ما زال باكرا للحديث عن مثل هذا البنك، خاصة ان أمام دول المجلس العديد من السياسات المالية والنقدية التي ينبغي تطبيقها لتحقيق تقارب أكبر بين اقتصاداتها ويجب ان ننظر الى ان الاتفاق على مثبت مشترك لعملات دول المجلس يعتبر أمرا جيدا وخطوة مهمة نحو تحقيق الوحدة النقدية، فلو نظرنا مثلا الى تجربة الاتحاد الأوروبي لرأينا ان البنك المركزي تم انشاؤه بعد أكثر من 40 عاما من توقيع الاتفاقية الخاصة بانشاء المجموعة الاقتصادية الأوروبية، كما ان انشاء هذا البنك قد سبقته خطوات عديدة سعت الى تنسيق السياسات النقدية والمالية والاقتصادية بين الدول الأعضاء.
* ترى كيف يمكن إذاً احتواء الكثير من الفروقات الاقتصادية والسياسية بين دول المجلس من أجل تحقيق الخطوات التمهيدية لهذا الهدف؟
هناك العديد من اللجان التي تعمل لتحقيق هذا الهدف مثل المجلس الوزاري ولجنة التعاون المالي والاقتصادي ولجنة موظفي مؤسسات النقد والبنوك المركزية وما ينبثق عنهما من لجان فنية عديدة، بالاضافة الى لجنة التعاون التجاري ولجنة التعاون البترولي وغيرها من اللجان ذات العلاقة. كل هذه اللجان تعمل بتوجيه من المجلس الأعلى الى تحقيق مستوى عال من التقارب في كافة المجالات السياسية والاقتصادية للدول الأعضاء لاسيما السياسات المالية والنقدية والبنكية.
* وفي ختام حديثه سألت «الجزيرة» معالي الدكتور جبارة الصريصري عن ما هية الاقتصادات الخليجية التي يمكن ان تستفيد من هذا التوجه؟ وهل هناك مستفيد أكبر؟ حيث أجاب:
بالنظر الى تجربة الاتحاد الأوروبي يمكننا القول ان جميع اقتصادات الدول الأعضاء في مجلس التعاون سوف تستفيد من توحيد العملة فالهياكل الاقتصادية لدول المجلس متشابهة الى حد كبير مما يقلل من امكانية تضرر دولة عضو نتيجة توحيد العملة.
فالعملة الموحدة تساهم في ازالة التكاليف المترتبة من جراء التحويل الثنائي بين عملات الدول وتزيل أي شكوك حول أسعار الصرف الثنائية وتعمق السوق الأمر الذي يوجد مناخا ايجابيا ينعكس أثره على زيادة كفاءة اقتصادات دول المجلس، ويعمق درجة التكامل الاقتصادي فيما بينها.
ويبقى شيء
بقي ان نسجل لكل القائمين على هذا المشروع الاقليمي التاريخي من قياديين وتنفيذيين أنهم يكتبون التاريخ بأيديهم في هذه الفترة وان الشارع الخليجي يقف بتأييده وراء كل خطة من شأنها ان تجمع وتوحد أبناء هذا الخليج الذين شربوا ولا يزالون.. من خليج واحد.
|
|
|
|
|