مهما قيل عن شاعرنا الكبير عبدالله الفيصل حيث يصعب تحديده بمجموعة من الرؤى النقدية كما يحدث عادة في مثل هذه المواقف، لأننا إزاء شاعر متنوع المشارب والأهداف ولأن هناك دائما
الموقف الشاعري.
والكلمة الشاعرية.
والإنسان والشاعر.
الكلمة عن عبدالله الفيصل الإنسان الشاعر ولا أدري - في هذا المداد ومساحته الضيقة كيف أسطر عن شاعرنا وعن أي جانب من جوانبه الثرية والفياضة بالعطاء الشعري والإنساني.. أتحدث عن عبدالله الفيصل الشاعر باللغة الفصحى، أم عنه كشاعر نبطي! لأننا لا نستطيع أن نغفل أن شعر عبدالله الفيصل النبطي يعتبر تجديدا لهذا الشعر ودعما له لأنه في نفس الوقت شاعر باللغة الفصحى، وأي شاعر انه في أبرز شعرانها.
عبدالله الفيصل المحروم
لقد جاء ديوانه الأول تحت عنوان «وحي الحرمان» وفي مقدمته يتحدث عن الحرمان فيقول: «أجل أنا محروم الحرمان مرادف للشقاء أو بداية له - أو هو دليل عليه والشقاء عكس السعادة، والسعادة ما هي وفي أي شيء تكون؟ هل في المنصب والجاه، أم هي في الإمارة والوزارة، أم هي في الشباب والجمال؟ أو الثراء والمال! إن كانت كذلك فأنا سعيد كل السعادة.. ولكنت أنت محروم من السعادة إذا فقدت الاحساس بها ولو اجتمعت لك كل متمماتها واعتباريتها..لماذا الآن احساسك متأثر بعوالم أخرى من الألم والأسى نشغله ونستأثر به عن الشعور بالسعادة ولهذا وحده أنا محروم».
ويحدثنا الشاعر عن الحرمان والشك فيقول..
أحببت أربع مرات وكنت فاشلاً في حبي خلال المرات الأربع.. ومن هنا شعرت بعقدة تجاه الحب، الحب الصادق من الطرف الآخر وربما كان هذا هو أحد أسباب شعوري بالحرمان.
ويصل الشاعر الى قمة الحرمان وقمة الشك في قصيدته - الشهيرة عواطف حائرة
أكاد أشك في نفسي لأني
أكاد أشك فيك وأنت مني
يقول الناس: إنك خنت عهدي
ولم تحفظ هواي ولم تصنّي
عبدالله الفيصل شاعر حاذق مع نفسه، ومع عالمه، فتح قلبه للحياة فاستوعب العالم وعاش حياته كلها «أمد الله في عمره» يبحث عن المكان الذي يدفن فيه أحزانه واعتقد أنه مازال مصرا حتى اليوم على أن يجده. أحب بصدق. وعاش أحزان عالم مغلف بالرياء ولم يستطع أن يتأكد من نوع المشاعر التي يكنها له الآخرون هل هي لأنه أمير،وثري أم لأنه إنسان وشاعر.
ولقد قادتنا نقطة الحرمان والشك عند الأمير الشاعر الى مفارقة عجيبة.. أنا أمير محروم.. وتعودت أدبياتنا وذاكرتنا الشعبية على القول بأن المحرومين دائما هم الفقراء.. ولم يسمع الناس عن أمير محروم ولكنهم عند عبدالله الفيصل وجدوا ذلك!!
أحاسيس فياضة:
عند الشاعر عبدالله الفيصل: تداخلت الأزمنة الشعرية في داخله، فجاء الحب والشك ولوعة الفراق والحرمان، وحتى الرثاء في إطار توظيف دقيق للفظ والمعنى، مصحوبا بعفوية وبساطة: قلما يمتلكها غير عبدالله الفيصل.
يقول بقصيدته في رثاء لأبيه الشهيد الملك فيصل بن عبدالعزيز طيب الله ثراه.
فيصلي يا مهنداً ما أحب ال
غمد يوما وما ارتوى من طماح
راح عبدالعزيز ملحمة العز
وأسطورة العلا والكفاح
كيف أرثيك يا أبي بالقوافي
وقوافيّ قاصرات الجناح
كيف أبكيك والخلود التقى في
ك شهيدا مجسما للفلاح
وقد كانت أمنية الشهيد فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله أن يصلي في القدس المحررة قبل لقاء ربه وجاء ابنه فأطلق دعوة تحرير القدس في شعره فكان عن نفسه معبرا وبوصية والده بارا ويقول:
يا قدس بعد اليوم لا تجزعي
واستبشري بعد النوى باللقاء
ثم يقول للفدائيين:
قل للفدائي هنيئا له
معارك تنطق فيها الحراب
وإنما تحدوه سقيا العدا
كأسا جرعنا منه مُرّ العذاب
لا يرهب الموت ولا ينثني
عن عزمه شأن الكريم المهاب
سلاحه الإيمان في ربه
وهمة عالية كالشهاب
كان ولا يزال شاعرنا العظيم يعاني من الاغتراب الداخلي، هذا الاغتراب الذي يعتبر زاد الشاعر في تكثيف لحظات حبه وأحزانه وحتى يقول:
غربتي غربة المشاعر والرو
ح وإن عشت بين أهلي وصحبي
ثم يقول في قصيدته نجوى والتي يتساءل فيها الشاعر عن أيام الحب هل هي تعود؟
يا حبيبي أين أيام الصفا
يوم كنا كل صبح ومسا
يا حبيبي أين أيام خوالي؟
يوم كنا بين سمار الليالي
وعلى النيل مواعيد الوصال
لم يدم لي غير ذكرى في خيالي
ويعد في الأداء شاعرنا عبدالله الفيصل الغني الذي لا يغيب عنا بالإضافة الى قوة عباراته وجزالة ألفاظه بشعره الهائل في الطهر والصفاء ولهذا أحبه كل من قرأ له في العالم وفهموه وانفعلوا به ومن استمعوا لبعض قصائده على أفواه الفنانين المشهورين وباختصار شديد أحبوه وصدقوني أنه يستحق ذلك لأني أيضا أحبه لأنه معين لا ينضب من الجمال والجلال.