القارئ او السامع لشعر عبدالله الفيصل يدرك حسن التلاؤم واكتمال الانسجام والتجانس بين اللفظ ومضمونه وما يحمله من دلالات، ونحن أمام مضمون وجداني رقيق مما جعله يستدعي الشكل الرقيق من اللغة التي هي الوعاء والحلة الخارجية والتدفق الوجداني الفطري الانساني الذي ينساب في كيان كل فرد من البشر انما هو يستدعي تلك الرقة يتجلى ذلك في المحادثة الهامسة بين عشيقين او بمجرد محادثة الرجل للمرأة، فأنت تحس بفارق المكالمة الهاتفية في محادثة الرجل حين يكلم المرأة او الرجل، والمرأة نهيت عن الرقة في القول، فيطمع الذي في قلبه مرض لكنها لاتستطيع ان تغير معالم صوتها اذا كان رقيقا غير انها لاتزيد فيها ومن هن فاننا حين نلتقي بالشكل الجمالي الذي يتجلى في اللغة فاننا ندرك ظاهرة التآلف والانسجا م بين الشكل والمضمون في شعر عبدالله الفيصل ولا اريد ان أضع القارئ امام هذه التنظير فحسب ولكنني اطرح امامه التطبيق الفعلي الذي يقوم على استنباط مفهوم الرقة للشعر من حيث الحرف واللفظ، والتركيب فلكل من هذه المحاور الثلاث اثره الواضح من حيث البنية اللغوية، فالحروف وجهوريتها، وهمسها وثقلها، وقصرها، وطولها، وصامتها له اسسه في اصول تكون اللفظة واللفظة تتأثر باجتماع الحروف من حيث جهوريتها، وهمسها وثقلها، وتكرار الحروف وثلاثيتها ورباعيتها، وهكذا والجملة تتأثر بالالفاظ ايضا وكل هذه معالم جمال التركيب، عند شاعرنا فلننظر الى معالم السهولة والرقة.
وتتضح السهولة في اكثاره من الحروف اللثوية والاكثر منها ل ن س ز ن ل ونحن نجد هذه الحروف تتكرر كثيرا في شعره مما يدل على انتماء شعره للسهولة والرقة في قصيدة سمراء:
سمراء ياحلم الطفولة
يامنية النفس العليلة
كيف الوصول الى حماك
وليس لي في الامر حيلة
ان كان في ذلي رضاك
فهذه روحي ذليلة
ووسيلتي قلب به
مثواك إن عزت وسيلة
فنحن نرى اعتماده على هذه الحروف الاكثر تداولا لسهولتها ولاتكاد الكلمة الواحدة تخلو من هذه الحروف فكلمة سمراء تضم السين والراء، ونلحظ تكرار اللام في حلم الطفولة و العلية، اما البيت الثاني فيضم عددا من هذه الحروف وهي الواو واللام في «الوصول» وتكرار اللام في الشطر الثاني في كل كلمة، ونشعر بتكرار الراء في البيت الثالث اما البيت الرابع فتظهر فيه السين واللام والزاي، وانظر الى تكاثر تلك الحروف في قوله:
او رأيت الطير يشدو بالغناء
يوم كنا بين سمار الليالي
يوم كنا كل صبح ومساء
إن رأيت البدر في كبد السماء
ياحبيبي أين ايام خوالي
ننهل الحب ونغني في الجمال
ألم تر هذه الكثافة للنون واللام وحرف اللين، ونغم الحياء والجر في هذه الابيات الاخيرة.
ومن معالم الرقة والسهولة في ابداع الشاعر عبدالله الفيصل شيوع الحروف المهموسة في شعره فتلك الحروف اقرب نسبا الى وسوسة محادثة العاشقين الولهين فلم نقبس مثلا اعتباطيا فاننا نواجه بفيض من الحروف الهامسة التي تتحقق في الحروف ت ك ث س ص ش ح خ ه.
فنحن نجدها في كل لفظة من ألفاظه وكثير من الاحيان تتكرر هذه الحروف في لفظة واحدة ومن ذلك قوله:
هل سمعت اللحن من قلبي ينساب لقلبي
ثم يرتد فيروي لك ما قصة حبي
ويناديك الى عش هوانا المستحب
فتجد ان حرف الهمس شطر كلمة هل، والسين والتاء اجتمعتا في «سمعت» وحرف الهمس الحاء وحرفي اللثوية اللام والنون اجتمعتا في اللفظة «اللحن» وحرف اللام الاكثر شيوعا والباء التي كونت كلمة قلبي، واشتركت النون والباء اللثية مع حرف المد الصامت، مع السين لتكون الكلمة الهامسة ينساب وتكرار كلمة قلب من ناحية دلالتها الحرفية ودلالتها الايحائية.
ونجد ان الحرف الهامس يشاطر حرف المعنى «ثم» كما شاطر «هل» من قبل ونحن نحس بقوة كلمة «يرتد» لأن الهمس اختفى بمجاورة الدال، واشتراك حرف اللثة مع الهامس لتكوين كلمة «قصة» ونجد ان كلمة حبي مكونة من الحروف الهامسة الحاء، والباء اللثوية الشائعة، ونجد تكرار الحروف الهامسة في الشطر الثالث الكاف، والسين، والهاء، والسين، والتاء، وتمتزج هذه الحروف مع الحروف اللثوية.
والعلماء اشاروا الى حاجة المعنى العنيف الى موسيقى فيها مشاكلة للمضمون واشاروا الى ان المضامين القريبة الوجدانية تقترب من الموسيقى الحقيقة وهم ايضا قسموا الحروف المكونة للالفاظ الى هذا التقسيم فرأوا ان هناك حروفا اذا تكررت في الكلمة جعلتها عنيفة واذا تكررت ألفاظها الحاوية لها في الشطر اوحت بعنفه، وتلك الحروف العنيفة حددها ابراهيم أنيس بسبعة حروف هي:
الخاء والقاف والجيم، والضاد والطاء والظاء والصاد.
ولما نستقرئ شعر عبدالله الفيصل نجد انه لايكرر هذه الحروف في ألفاظه بل انه لايورد الفاظا متتابعة فيها هذه الحروف وليس ذلك نابعا من ادراك الشاعر لهذه الظاهرة، بل انه نابع من ملاءمة المضمون للشكل وانظر الى قوله:
هل سمت بالوهم دنياك الى حيث وجودي
وتوهمت على البعد رضائي وصدودي
وأنا حيث انا اعبث في دنيا خلودي
هل اداري الالم العاصف في قلبي بصبري
ام ابوح اليوم بالسر، وهل يجهل سري
لست ادري، هل ابوح الآن ويحيى لست ادري
فأنت ترى ان اغلب الالفاظ يخلو من هذه الحروف، وان جل هذه الحروف لم يتكرر في البيت الواحد، ماعدا «رضائي وصدودي» في البيت الثاني فأنت ترى ان الصاد في كلمة. والصاد في كلمة تالية لكن بينهما فواصل كثيرة وتكرر الصاد في البيت الرابع في العاصف، وبصبري لأن المضمون استدعى هذا الثقل المركز.