| مقـالات
ما أكثر السنن الحسنة التي تسنّها هذه البلاد المباركة ويستفيد منها المسلمون في أنحاء العالم. ويتأثرون بها وينسجون على منوالها، ومن أمثلة ذلك وهي كثيرة ظاهرة لا تحتاج إلى تمثيل مسابقات القرآن الكريم الدولية والمحلية، والمناشط الدعوية والعلمية المختلفة المتمثلة في الدورات العلمية الكبرى في المساجد التي تستقطب المئات بل الآلاف من شباب المملكة وشباب الخليج وعدد من أبناء المسلمين المقيمين في المملكة والمحاضرات العامة والدروس العلمية والعناية بالكتاب والشريط الإسلامي، ومكاتب دعوة الجاليات المنتشرة في أنحاء المملكة ومخيمات الصيف الدعوية والترفيهية وموائد التفطير والدعوة في رمضان في المساجد والأماكن العامة، وخدمة القرآن الكريم وتفسيره وترجمة معانيه في مجمع الملك فهد وجمعيات البر الخيرية وغيرها من الأنشطة التي ترعاها وزارة الشؤون الإسلامية، أو تقوم بها الجامعات أو الندوة العالمية للشباب الإسلامي أو مؤسسة الحرمين أو غيرها من الوزارات والمؤسسات كالحرس الوطني ووزارة الدفاع ووزارة المعارف، ورئاسة البنات وهيئة الأمر بالمعروف والجمعيات الخيرية النسائية وغيرها، وحسبك بتعليم البنات المحتشم المتميز وبنظام الحسبة )الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر( الذي نحظى فيه بالتفرد والتميّز أيضا ونطمع بسببه أن نحقق الخيرية التي ميّز الله بها أمتنا في قوله: )كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعرف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله( ويتطلع كثير من أبناء المسلمين إلى نقل تجاربنا هذه إلى ديارهم.
ومن آخر السنن الحسنة التي انطلقت من هذه البلاد المباركة تلك المسابقة الدولية )العسكرية( لحفظ القرآن الكريم التي تبنّاها وغذّاها بجائزة سخية منه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام، وقد رعى سموه قبل أيام حفل توزيعها الأول في مدينة جدة وشارك فيها عدد من الضباط بمختلف الرتب يمثلون ست عشرة دولة من الدول الإسلامية وقد كان حفلاً بهيجاً مزداناً بنور القرآن ومظللاً بأجنحة الملائكة ومشمولاً بالسكينة والرحمة، وترى البشر فيه يعمر وجوه المتسابقين من كبار الضباط وصغارهم؛ لأن هذه المسابقة هيأت لهم عدة فرص: منها أنها حفزتهم على العيش مع كتاب الله تلاوة وحفظاً في كتائبهم وتجمعاتهم، ومنها أنها يسرت لهم زيارة الأراضي المقدسة وأداء مناسك العمرة، ومنها حصولهم على هذه الجوائز السخية، ومنها لقاؤهم بزملائهم وإخوانهم من سائر الدول الإسلامية، ومنها تشرفهم بالسلام على صاحب هذا المشروع الخيّر الذي كان سبباً في تهيئة هذه الفرص لهم. ثم الالتقاء بهذه الصفوة الخيّرة التي حضرت الحفل من علماء المملكة وقياداتها العسكرية والمدنية، ولاشك بأن ما رأيناه في حفل هذه المسابقة على الرغم من حداثة سنّها وأنها في سَنَة التجربة الأولى يبشر بخير كثير، ويدل على أن المسابقة قد حققت الكثير من أهدافها المعلنة، ومنها: تشجيع العسكريين من مختلف أقطار العالم الإسلامي على حفظ كتاب الله الكريم وتدبر معانيه، وإيجاد جو من التعارف بين العسكريين حول مائدة القرآن الكريم وربطهم به، وإبراز شخصية القوات المسلحة السعودية والصفات الإيمانية التي نشأت عليها، والإسهام في تأكيد دور المملكة العربية السعودية في مجال خدمة كتاب الله الكريم وتشجيع حفظته. ولئن كانت الدول الإسلامية التي شاركت في هذا العام قليلة نسبياً حيث لم تزد عن ست عشرة دولة، فإني أكاد أجزم أن المشاركات القادمة ستكون أوسع بإذن الله؛ لأن كثيراً من الدول قد لا تكون مهيأة هذا العام وتحتاج إلى بعض الاستعداد وتشكيل اللجان، كما أن نجاح هذا الحفل وانتشار أصدائه الطيبة سيدفع الكثير من الدول إلى المشاركة، ولهذا فأنا متفائل خيراً من هذه البداية الطيبة، ويبدو ولله الحمد.. أنها مصحوبة بنية طيبة من صاحب الجائزة المتفق عليها ومن جميع أعوانه الكرام الذين نهضوا بهذا العمل، وإني لأرجو مخلصاً أن يشمل الله راعي هذه الجائزة سلطان الخير والإحسان بقول الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه الإمام مسلم من حديث جرير بن عبدالله: «... من سن في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء...»
ولعمرالله ان هذه لسنّة حسنة لا وجود لها أو لمثلها في أغلب الجيوش الإسلامية، ومما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أيضا قوله الذي أخرجه الإمام مسلم من حديث عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه: «مَنْ دل على خيرٍ فله مثل أجر فاعله». فأسأل الله ان يثيب هذا الأمير المبارك على هذا العمل العظيم ويجعله في ميزان حسناته ووالديه ويعينه والقائمين معه على أمثاله من الأعمال الخيّرة المباركة. ويخلص لنا ولهم النيات والأقوال والأعمال.
* أستاذ مشارك في جامعة الإمام
وكلية الأمير سلطان الأهلية الرياض
|
|
|
|
|