| الاخيــرة
عندما كنت طالبا في السنة الأولى بالمرحلة الجامعية، دخلت المكتبة محملا بالكتب والمذكرات والأوراق، وهْمُ الاختبارات النهائية يقلقني، وجدت زميلا يابانيا يتصفح جريدة فسألته: ألا تمتحن معنا؟ فضحك حتى كادت عيناه أن تختفي من كثرة الضحك!! وقال: وهل تظن أن ما تفعله الآن من قراءة وتقليب لكتابك يؤهلك لدخول الاختبار وتحقيق ما تصبو إليه من درجات؟!
ثم أضاف: أنا لا أفعل كما تفعلون، إني أستعد للاختبارات مع بداية إجازة الصيف، إذ أقتني الكتب المقررة علي، وأتوفر على قراءتها طوال الإجازة، فإذا بدأ العام الدراسي أعاود قراءتها مرة أخرى في ليالي الدراسة العادية، وأراجع موضوع المحاضرات قبل الحضور الى قاعة الجامعة، فإذا أشكل علي شيء سألت أستاذي، فلا أحتاج بعد ذلك الى قراءة أو مراجعة أو استعداد.
حاولت بعد ذلك السير على طريقة زميلي الياباني، وأحث أبنائي دوما على الاستفادة من هذه التجربة.
أذكر هذه القصة كلما أوشك العام الدراسي على الانتهاء، وبدت حمى الاختبارات تعصف بالطلاب والطالبات، وأتساءل: أليس لهذا الكابوس المفزع الذي يعودنا كل عام من صباح وديع يقضي عليه ويذهبه بعيدا عنا؟ فعلى الرغم من سعي وزارة المعارف والرئاسة العامة لتعليم البنات الى إلغاء الرهبة عن الاختبارات؛ بما تصدره من أنظمة ولوائح، إلا أن الرهبة مازالت قائمة! فمن الذي منح الاختبارات هذه الهيبة؟
أهو همٌّ ينقله الآباء الى الأبناء، بعدما ترسخ في أذهانهم أن الاختبارات خطر يهدد المستقبل؛ لابد من الاستعداد له بكل الوسائل والتغلب عليه بشتى الطرق، ومعركة لا مفر من خوض غمارها، وتحقيق النصر فيها والفوز بغنيمتها.
ما جُعلت الاختبارات إلا لقياس مستوى تحصيل المتعلم ونتيجة تأهيلية لانتقاله من صف الى صف، ومعلوم أن العلوم والمعارف ينبني بعضها على بعض، ولا يمكن للمرء أن يحيط في عشر ليال ما يتطلب للاحاطة به فصلا دراسيا كاملا؛ فإذا لم يكن الاستعداد للاختبارات من بداية العام، فإن ما يجتمع للطالب أيام الاختبارات من معلومات سريعة؛ تتبخر مع أول أيام الاجازة. فهل يصار الى نظام يدرب المتعلم على الفهم والاستيعاب، ويعوده على الاستعداد الدائم للاجابة عن أي أسئلة توجه إليه حول ما تعلم دون انتظار الى اختبارات نهاية العام.
|
|
|
|
|