| مقـالات
يحسن البعض من مفكرينا ونقادنا لوم مجتمعنا أو أمتنا أو تراثنا أو حاضرنا ويسعى جاهدا للانتقاص من قدراتنا ومقوماتنا وحتى ثوابتنا وخططنا في مواجهة الحاضر ويرى فيها عائقا وترى الواحد منهم متبرما من كل شيء يقزم ويخفض ويحط ويلوم فلا شيء يعجبه، ولا شيء يروق ولا شيء في حياتنا يصلح، ودائما يضرب الأمثال بالآخرين ويذكر النماذج من هناك، ودائما رأيه ينحو إلى ذلك وعينه زائغة. ترى هل هذا النموذج من الفكر والنقد صائب أم مفلس، هل مجتمعنا ومقومات وجوده وحياته وواقعه بمثل هذا السوء والقتامة والهروب وحتى الانسلاخ منه والانبهار بغيره.
ألم تنهض مجتمعات أقل منه حضارة وعراقة بل لا تساوي معه شيئا في هذا المجال ألم تكن اقل منه إمكانات ومقومات نهوض وتطور ألم تكن ظروفها الجغرافية والبيئية والمناخية أشد قسوة منه حتى لا تملك من الإمكانات ما يساودي ربع ما لديه؟
والفرق بيننا وبينهم أن ليس عندهم مثبطون ناكرون وجالدون لذاتها أكثر من جلدهم لعوامل التأخر فيها ومن يقف وراءها من أعدائها أو بني جلدتها.
إن المجتمع بمجموع أفراده وهيئاته مالم يثق في ذاته فلن ينهض ولا يستطيع أحد إنهاضه مهما كانت أدواته ووسائله ومجتمعنا غني بذاته وتنوعه ومقوماته بمختلف المعاني والمفاهيم، وإن اعتراه ما اعترى المجتمعات في طريق نهضاتها، والرقي والتقدم لا يتم بقرار وإنما قرار وحركة مجتمع قد تحتاج جيلا أو جيلين أما حمله على التنكر لذاته ومقوماته فهو القضاء بعينه عليه وعندئذ لن يكون البديل هو النموذج الآخر كما يتوهم الجالدون ومن لف لفهم في فكره وعمله بكل الأماني البسيطة والتوقع الساذج، وإنما الضياع والهوان والذوبان والفناء الحضاري وبقاء السحنة واللون، بفضل البيئة والمناخ الذي يعيشون فيه لأنه لن يسمح لهم أيضا العيش في عروض وبيئات جغرافية أعلى وربما تبقى لكنة أورطانة مهجنة يقول عنها المؤرخون وقتذاك انه بقايا من لغتهم العربية البائدة.
إن الذات في كل وطن ومجتمع بعمقها الحضاري وغرسها تربويا وإعلاميا هي الهوية الحقيقية له والأساس في صحوته أمام اجتياح الثقافات والحضارات له قبل وأهم من اجتياح الجيوش له، والوقود التنموي الأول لنهوضه ورقيه وتمثل كل مشروع تنمية نحوه على أساس سليم. إن أفرادنا في مختلف المواقع في السلم الاجتماعي الكبير لا ينقصهم العلم والتدريب وأهم من ذلك القابلية لهما وتهيئتهم لهما ولكن يحتاجون الكثير من الوسائل والأدوات نحو إيقاظ روح الذات، والاعتزاز بها وحفز العمل والمسؤلية نحو بناء هذا الوطن في كل شأن من شؤونه، كبيرا أو صغيرا بعيدا أو قريبا، بعيدا عن مفاهيم الاتكالية أو الاسقاط التي يمارسها الكثير بغية اختراق الذات والايهام بأنها لا تصلح للبناء والنهوض والعيش بمستوى عصرها وهي شنشنة كثر الناعقون بها والأخطر أن تكون من أصحاب الفكر والقلم ولكن يبقى سؤال الذات الحقيقية أوبالأحرى الوطن ما هوية تلك الأفكار والأقلام؟
وهكذا فإن هذه الفئة أو الشريحة من الناس هي أحد عوامل تخلف المجتمعات، وماخطر على المجتمعات من المثبطين فيها والقالين لها. هذه الفئة المولولة الثاكلة هي أقل الفئات إنتاجا في مجالاتها وأقلها خدمة لمجتمعها وأكثر من ذلك أقلها إخلاصا في أداء مايوكل لها من أعمال فالجسد عندنا والنموذج غائب أو بعيد المنال.
|
|
|
|
|