قال لي يوماً شاعر وأديب معروف قد جاوز السبعين من عمره إنه لا يشعر بالزمن.. فهو يولد كل يوم مع قرص الشمس البازغ، تتجدد فيه الحياة كما تتجدد بالشمس في كل الكون. وما أحلى أن تشاهد طلعة الصبح تعلن عنها إشراقة الشمس المتسللة من رحم العتمة، تفك غطاء رأسها وترسل شعورها الذهبية على الكون الذي كان نائماً.. وبذهن صاف لم يزدحم بعد بأحداث يوم ككل الأيام، ما أجمل أن تطالع إبر الليل التي نسجت الثوب الداكن لساعات طوال تتسلت منها الخيوط السوداء ويسفر وجه القرص الذهبي عن مولد نهار جديد، يولد أحيانا من قلب البحر الرمادي يلون بوادر النهار المتسحب من عباءة الليل البهيم، وفي ليلة من ليالي الشتاء.. حين تعود من المسجد بعد صلاة الصبح جرب أن تقف في شرفة بيتك وراقب المشهد الساكن الغامض يتبعه بزوغ هادئ للقرص المتسلل من قلب الأستار، ولابد حينئذ أن تشعر بقشعريرة دافئة تسري في عروقك وأنت تستقبل شعاعات خريدة لم يرها من قبل أحد ذاك اليوم في نصف الدنيا الذي أنت فيه، وهذه الشمس الحنون هي نفسها التي تصيب الناس بضربة قاضية إذا ما توسطت كبد السماء في يوم من أيام الحر القائظ.. وما أقرب الشبه بين حواء والشمس. سبحانك ربي جعلت حياة الأرض بما فيها ومن فيها رهناً بهذا الكوكب الذي نراه مجرد دائرة مشرقة بالحمرة بينما هو على الحقيقة جرم هائل مشتعل تقوم عليه أسباب الحياة وربما لا ندرك ذلك إلا حين يغيب عنا الكوكب )مكسوفا( فيسود الظلام ويتوقف التمثيل الغذائي للنبات، وتزفزف الأرض ومن عليها من موجات البرد المارد في غياب الشمس.
وللشمس في الشعر حظ وفير، يقول أمير الشعراء خالد الفيصل:
شمس العصر مدت على عمري ظلال
شمس العصر والقلب في ظلها مال
العين يجهرها شعاع المودّة
والقلب مال عصير يامن يردّه
ترَى العصر محدود بالحيل حدّه
يامن يرد الشمس عن هايف الجال
وينثني شاعرنا إلى فرشاته وألوانه ليصور لنا بالشعر لوحة
شمس العصر سوّت علَى الغيمه أقواس
ألوانها في نظرة العاشق احساس
زرقة بحر حوّل بها حمر الاطعاس غنى لها عشاقها كم موّال
ومن غرائب الشمس التي عشتها قبل أيام في مدينة النماص أني رأيتها ساطعة في رابعة النهار، والمطر ينهمر بغزارة متخللاً أشعتها يجري في ثبات، والناس في حيرة من أمرهم ودهشة بالغة أمام اجتماع الشمس الساطعة والمطر الغزير لأكثر من ساعة على مدى يومين متتاليين.. ولكنها حكمة المولى جل وعلا في خلقه ومن دلائل قدرته سبحانه وتعالى على اجتماع النقيضين الذي قد ينكره عقل المخلوق الغافل عن حكمة الخالق.