| مقـالات
يؤكد التربويون على أن وظيفة المدرسة يجب الا تتوقف عند حدود تلقين المعلومات فحسب وإنما يجب أن تشمل الجوانب التربوية والجوانب الاجتماعية. أي بعبارة موجزة أن تكون وظيفتها ذات صفة تفاعلية مع منسوبيها ومع المجتمع المحيط بها كي تستطيع أن تؤدي رسالتها على الوجه الأكمل والمؤثر.
ولذا يخطئ من يظن أن رسالة المعلم - مثلاً- محصورة في داخل حجرات الدراسة وأن تأثيرها يكون محدوداً خارج هذه الحجرات. فالحقيقة وتطبيقات الواقع تؤكد أنه برغم أهمية رسالة المعلم ووظيفته التعليمية والتربوية في غرفة الصف فإن رسالته خارجها - قدوة وممارسة- قد تكون في أحيان كثيرة أبلغ تأثيراً.
قيادة المدرسة لعملية الاتصال وسعيها لتنمية علاقات المؤسسات التربوية بالمجتمع مهمة ضرورية ومؤثرة ولكنها كذلك ليست مهمة سهلة كما قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة، إذ يكتنفها كثير من الصعوبات ويعرقل سيرها كثير من العقبات.
من المفرح حقاً أن يتنامى في مجتمعنا التعليمي الوعي بحقيقة الوظيفة التربوية الاتصالية للمدرسة خصوصاً وللمؤسسات التعليمية عموماً لما في ذلك من آثار نافعة للفرد وللمجتمع. وبين يدي عدة شواهد تؤكد هذا الوعي.
الشاهد الأول وقعه الأستاذ يوسف بن محمد القبلان المشرف العام على العلاقات العامة والإعلام التربوي والأستاذ عبدالله بن صالح الحسني مدير عام الإعلام التربوي بوزارة المعارف حيث أعدا كتاباً عن «الإعلام والتعليم»، والكيفيات التي تستطيع بها المدرسة قيادة عملية الاتصال وتنمية علاقاتها بالمجتمع لنجعل ما تعلمناه سلوكاً نحياه.
ناقش الأستاذان الفاضلان ماهية الإعلام التربوي مسلطين الضوء على مفهومه وتأثيره وأهدافه. وتحدثا عن سمات التربوي الإعلامي الثقافية والخلقية والشخصية والعملية والخاصة. واستعرضا فنون العمل الإعلامي من المقال والقصة والحوار والتحقيق والاستطلاع والتقرير والخطبة والمحاضرة والمناظرة والندوة والكاريكاتير والتحليل وناقشا مفهوم ووظائف العلاقات العامة وعلاقتها بالإعلام التربوي ومتطلباتها الاتصالية في المدرسة. وأشارا إلى وسائل الإعلام والاتصال المقروءة كالكتب والمسموعة كالإذاعة والمرئية كالتلفزيون والعملية كالمعارض، وخصصا باباً كاملاً للصحافة المدرسية وآخر للإذاعة المدرسية وثالثاً للمسرح المدرسي ورابعاً للإدارة العامة للعلاقات العامة والإعلام التربوي بوزارة المعارف.
الكتاب تضمن معلومات علمية وافية لا يستغني عنها التربوي الممارس وهي مفيدة جداً لكل مهتم بالتربية من غير الممارسين لوظيفتها التعليمية، من أجل معرفة الوظيفة الاتصالية ذات الصبغة التربوية للمؤسسات التعليمية حيث استعرض المؤلفان تعريف كل وسيلة وأهدافها وضوابطها وتقنياتها وكيفية تأثيرها.
والشاهد الثاني: بزغت شمسه في مدارس الرواد التي أصدرت كتاباً بعنوان «تعليم التفكير»، للدكتور إبراهيم بن أحمد الحارثي وكتب ديباجته المشرف العام على المدارس عبدالله بن إبراهيم الخلف الذي أشار إلى أن مدارس الرواد دعماً منها للاتجاه التربوي الحديث الذي يركز على أهمية تنمية مهارات التفكير عند المتعلمين لكونه أصبح من الضرورات اللازمة للإنسان المعاصر فقد حرصت على أن يكون تعليم التفكير من أهم محاور برنامج التطوير التربوي والنمو المهني المستمر لمعلميها وأعدت لذلك برنامجاً متكاملاً استخدمت فيه وسائل متعددة وآليات عمل مختلفة كالحلقات التدريبية والمشاغل التربوية والمواد التعليمية المساعدة والحصص النموذجية والبرامج المتلفزة مستعينة بعدد من الخبراء التربويين المتخصصين.
كما ركزت في الجانب العملي التطبيقي على إعداد مرجع علمي متخصص يساعد المعلم والطالب في الوصول إلى التفكير المنتج والعمل المبدع، فكان كتاب «تعليم التفكير» حلقة في سلسلة جهود ستتواصل في هذا الدرب.
قسم الكتاب إلى خمس وحدات رئيسية خصصت الوحدة الأولى منها لتعليم التفكير فتناولت أهمية تعلم مهاراته وأنواع الذكاء وعلاقته بالتفكير وكيفية زيادته والتدريس من أجل تنمية مهارات التفكير.
وكان محور الوحدة الثانية التفكير الإبداعي من حيث تنميته ومميزات الشخص المبدع واستثمار الإبداع في مجال التعليم وعلاقته بمراعاة الفروق الفردية وتحويله إلى ممارسة واقعية والنشاطات المساعدة على تنمية التفكير الإبداعي.
في حين كان الحديث في الوحدة الثالثة عن التفكير الناقد بالنظر إلى مفهومه ومهاراته وعملياته وكيفية طرح الأسئلة وطرق التشجيع عليها.
وخصصت الوحدة الرابعة للحديث عن حل المشكلات من حيث معناها ومكوناتها الأساس والتفكير المستخدم فيها واستراتيجياتها وأساليبها ومعوقاتها.
وكان محور الوحدة الخامسة تعليم التفكير عبر المنهج الدراسي بالنظر إلى نماذجه وتطبيقاته والعوامل التي تعيقه والعوامل التي تنميه.
كتاب «تعليم التفكير» وإن كان الهدف الأول منه - كما في ديباجته - إثراء الحصيلة العلمية لمعلمي وطلاب مدارس الرواد بما يواكب التطورات العصرية النافعة إلا أنه كذلك يدل على أن هذه المدارس على وعي تام بوظيفتها الاتصالية بمجتمعها عبر رسالتها الثقافية.
وهو مع كتاب «التدريس من أجل تنمية التفكير» الذي حرره جيمس كييف وهيربرت ويلبرج ونشره مكتب التربية العربي لدول الخليج من الكتب العلمية التي لا ينبغي أن تخلو منها مكتبة تربوية أو مدرسية.
الشاهد الثالث على وعي مؤسساتنا التعليمية بوظيفتها الاتصالية والاجتماعية وبما يحقق رسالتها التربوية والثقافية ذلك الحفل المبهر حقاً الذي نفذته مدرسة المدائن الثانوية في ختام أنشطتها الثقافية لهذا العام، المقام على مسرح قاعة الملك عبدالعزيز بمركز الملك عبدالعزيز التاريخي تحت رعاية الدكتور عبدالعزيز بن عبدالرحمن الثنيان وكيل وزارة المعارف سابقاً وحالياً عضو مجلس كلية الأمير سلطان الأهلية وعضو مجلس إدارة مجموعة العبيكان الرائدة في تفعيل أثر المكتبة في المجال الثقافي من خلال تنظيمها أمسيات «كتاب ومؤلف»، أثناء فعاليات الاحتفال بالرياض عاصمة للثقافة العربية عام 2000م.
سعدت بحضور الحفل الختامي لمدرسة المدائن الثانوية هذا العام وحفل العام الماضي الذي أقيم على مسرح نادي الهلال وقد ظهر لي من المقارنة بين الحفلين التطور إلى الأفضل في مضمون الفقرات التربوية المقدمة، مما يؤكد صلابة القاعدة وحسن التخطيط وسلامة الإعداد.
تضمن حفل العام الماضي مسرحية هادفة تحكي قصة معاناة والد مع ابنه المهمل كثير السهر والغياب عن المدرسة والبيت حتى تعرف على رجل عرض عليه إدخال الابن في جهاز يحوله إلى رجل صالح. وبالفعل تحول الابن إلى طالب مواظب ومجتهد ولم يكن ذلك الصندوق سوى صندوق المدائن، رمزاً إلى وظيفتها التربوية الإصلاحية بأسلوب مشوق وجذاب. وفي حفل هذا العام قدم طلاب المدرسة مسرحية جميلة مماثلة اشتملت على حلبة مصارعة أركانها الأربعة أربعة طلاب طمست وجوههم باللون الأحمر، وكانت جولات المصارعة بين الطالب وبين مواده الدراسية السهلة التي يطيح بها في الجولة الأولى والصعبة التي تطيح به هنا وهناك مستخدمة الأس والتفاعلات الكيميائية على حد تعبير معلق المسرحية. حتى فطن مدير أعمال الطالب إلى ضرورة إعطاء الطالب مشروباً استطاع بعد شربه الفوز على جميع المواد الصعبة وعندما سأل المعلق مدير الأعمال عن هذا المشروب لم تكن الإجابة سوى أنه مشروب الاجتهاد!!
والأهداف الإيحائية في هذه المسرحية كثيرة بدءاً من طمس الوجوه والمد والجزر في علاقة الطالب مع مواده الدراسية ولا سيما علاقته ببعض المواد التي قد لا يستفيد منها الاستفادة المطلوبة، وانتهاء بالمشروب المؤثر.
كما تضمن الحفل أناشيد مميزة في الكلمات وفي تنفيذ الإنشاد وفي الإخراج المسرحي شدت الحضور فعلاً ولاسيما عند الاستفادة من الإمكانات التقنية المتاحة كالصور المتلفزة والمشاهد المجسمة والصوتيات المساعدة. ولا عجب في ذلك فمدرسة المدائن الثانوية حققت المركز الأول في مسابقة أفضل نشيد على مستوى مركز الإشراف التربوي التابع لها.
والمدرسة لها نشاط علمي وثقافي واجتماعي مميز، فقد أقيم في رحابها هذا العام معرض «يامسلمون»، لدعم انتفاضة الأقصى برعاية أمين عام الندوة العالمية للشباب الإسلامي. وهو مشابه للمعرض الذي أقامته العام الماضي بعنوان «كوسوفا أرض الدماء»، برعاية نائب رئيس جمعية الهلال الأحمر السعودي.
وحصلت جماعة التوعية الإسلامية فيها على درع التفوق كما نظمت المدرسة عدة لقاءات ومنها: اللقاء التنشيطي لمديري المدارس، ولقاء تبادل الخبرات لمرشدي الطلاب ولقاء دراسة الصلاحيات الممنوحة لمدير المدرسة. وأقامت المدرسة ورشة عمل لمناقشة غياب الطلاب قبل الاجازات وبعدها، كما شاركت في عدد من المعارض ومسابقات تحفيظ القرآن الكريم، وحصلت على جوائز وشهادات تقدير.
وتميزت نشرة «رسالة الحفل الختامي» التي تصدرها المدرسة سنوياً مصاحبة لكل حفل ختامي بالموضوعية والإحصاءات الموثقة والمعلومات المفيدة.
كل ذلك يدل على نشاط مدرسة المدائن والقدرات المتمكنة الموجودة فيها وليسمح لي الدكتور عبدالعزيز الثنيان أن أستشهد بما قاله في كلمته في الحفل من أن المدرسة برجالها وأن المدير مثل القائد عندما يكون متمكناً ويجد لديه مواهب قادرة على الإبداع فإنه يستطيع إدارة المدرسة بما فيها ومن فيها إلى مدارج التفوق.
فتحية تقدير لمدير مدرسة المدائن الأستاذ خالد بن عبدالله السماري ولمساعديه الأستاذ عبدالرحمن الصفيان والأستاذ مساعد السماري والأستاذ سلطان الهديان على جهودهم الرائعة وعلى قدراتهم المتمكنة لإبراز مواهب طلابهم وإمانات معلميهم بما يجعلنا نتفاءل خيراً بتعليمنا إذا وجد البيئة المناسبة والعزائم القادرة على النهوض به.
وتحية خاصة إلى الأستاذين عبدالله بن صالح الغامدي وأحمد بن علي عسيري على مواهبهما المتميزة في الإخراج المسرحي والتدريب الميداني للطلاب وعلى الأفكار الجميلة التي طرزا بها الحفل المدرسي لثانوية المدائن.
ولن أخفي إعجابي بالأسلوب الأدبي الرائع والقدرة المتمكنة في الإلقاء من مقدم الحفل الأديب المعروف الأستاذ يحيى بن محمد الأمير، وكذلك اللفتة الجميلة من إدارة المدرسة نحو تكريم من يستحق التكريم من الإداريين والمعلمين والطلاب ومن أولياء الأمور والمتعاونين معها في مناشطها المختلفة بدروع وشهادات تقدير فاخرة.
وكم كنت أتمنى حضور الاخوة الكرام المسؤولين في الوكالة المساعدة للنشاط الطلابي بوزارة المعارف للتعرف على إبداعات طلاب ثانوية المدائن وجهود معلميها وإدارتها ولاسيما في الفقرات المسرحية الهادفة ففيها من الطرافة ومن عمق الهدف التربوي ما جذب انتباه المشاهدين، مما جعل استثمار وتنمية ودعم مثل هذه الأعمال المتميزة ضرورة ملحة في العملية التربوية.
إن هذه الشواهد الثلاثة الدالة بصدق على وعي مسؤسساتنا التعليمية برسالتها الاتصالية المؤثرة مع منسوبيها ومجتمعها أعني: كتاب «الإعلام والتعليم» وكتاب «تعليم التفكير» و«حفل ثانوية المدائن»، تفرح كل محب لوطنه حقيق على مستوى تعليم أبنائه فعنوان تقدم كل وطن وقياس نهضة كل أمة هو - بلا ريب - مستوى التعليم وتأثيره في واقع المجتمع.
وبالله التوفيق،،،،
alsmariibrahim@hotmail.com
|
|
|
|
|