| مقـالات
من هو الطبيب المحتسب الذي نعنيه ونقصده بهذه التسمية من شطر حديثنا هذا؟ إنه بلا شك ولا جدال هو الطبيب المثالي الإنسان.. وبتفصيل آخر هو الذي ينشد مع أخذه أجرة عمله التماس واحتساب الأجر من الله على حسن صنيعه وعدم المبالغة والتهويل في وصفه ومعاينته فيجمع بالتالي بين ثلاث صفات حميدة: إخلاصه في عمله، وإتقانه لمهنته، وثقة مرضاه.
وقريباً من هذا المعنى قال أحد الشعراء:
ولابد من شكوى إلى ذي مروءة
يواسيك أو يسليك أو يتوجع |
وليس معنى ذلك أن يكون الطبيب المحتسب هو الذي يعمل براتب زهيد أو يتواضع في أخذ أجرته إلى الحد الأدنى لأنه إنسان صاحب مسؤوليات وعليه التزامات عائلية وشخصية ومستقبلية وهو بحاجة إلى أن يرفد رصيده بدخل مادي مناسب يعينه على متطلبات الحياة مثل غيره.. ولكن المطلوب مقابل ذلك وهذا بيت القصيد هو الإخلاص في العمل وعدم المبالغة في رفع تكاليف الكشف والعلاج وأن يكون لعلاجه ثمرة ملموسة من غير إطالة أو تطويل ما استطاع إلي ذلك سبيلا، لأن هنا يمتحن الطبيب اللبيب والإنسان الأريب وهنا تبرز الإنسانية الصادقة بأبهى صورها وأجل معانيها..
أما الشق الثاني من الموضوع وهو عن الطبيب المكتسب فنعني به الطبيب الذي يطغى الهدف المادي لديه على الهدف الإنساني وبمعنى أصح وأدق هو الذي جعل من أولويات أهدافه وغاية مناه امتصاص دماء المحتاجين بطريقة أو بأخرى وكنس ما في جيوبهم على مختلف مستوياتهم واعتبارهم صيداً ثميناً وقعوا في حبائله، فلا يتورع عن المبالغة والتهويل عن الحالات المعروضة عليه والإسراف في تعدد التحاليل والأشعة غير اللازمة وصرف قوائم بالأدوية الغالية من المضادات الحيوية وغيرها لأتفه وأقل الأسباب دون النظر لآثارها الجانبية الضارة.. ويهمه أكثر وأكثر ربط المريض في مواعيد متتالية مستغلا حالته النفسية وحرص هذا المريض على الاطمئنان على صحته والتحرر من معاناته وقديماً قال الشاعر.. مصائب قوم عند قوم فوائد..
ونعود للأطباء المحتسبين في بلادنا فنجدهم أكثر ما يتواجدون في الغالب في المستشفيات الحكومية والجامعية كمتفرغين وفي بعض العيادات والمجمعات الطبية التي يقوم على إدارتها وشؤونها بعض الأطباء المخلصين وكذلك المستشفيات العسكرية حيث نرى ونسمع عن مثالية وإخلاص وإنسانية وثمرات جهود الكثير من العاملين فيها.. والطبيب المكتسب أكثر ما يتواجد في بعض العيادات الخاصة داخل المملكة وخارجها وكذلك في عدد غير محدود من المستشفيات والمستوصفات الأهلية والتجارية المنتشرة في كل زاوية والتي غالباً ما يطغى الهدف المادي في خططها وتوجهاتها على الناحية الإنسانية، وهذا هو أسلوبها المعروف الذي لا تحيد عنه مما يجعل سلبياتها أكثر من إيجابياتها وعطاؤها محدود في أضيق نطاق.. والصورة التي يبرز فيها الطبيب المكتسب تجدها أكثر لمعاناً وبريقا في إطار ومكان تواجد الطبيب الزائر الذي تستقدمه بعض المستشفيات والمستوصفات الخاصة حيث يأتي الطبيب محاطاً بهالة براقة مسبقة من الدعاية والمبالغة في تعدد التخصصات والمؤهلات فيقوم بسلب ما في جيوب المرضى ويزرع الاحلام والأوهام في نفوسهم ويترك لهم بصيصا من السراب يتمثل في توزيع الكروت والعناوين في العيادات والمراكز التي يعمل بها او يتعاون معها خارج المملكة.. ومن هنا فإننا ننادي ونناشد المسؤولين ومن يعنيهم الأمر الالتفات إلى هذه المستوصفات المادية وما شابهها من مجمعات صورية وذلك من اجل تطويرها وتحسين ادائها ومتابعتها لتحقيق الغرض الذي من شأنه تم التصريح بافتتاحها وصرف القروض الميسرة لها.. كما نطالب المواطنين وغالبيتهم هم الصيد الوحيد في شبكة الاستغلال والفريسة المستهدفة وذلك بالكشف عن حالات التلاعب والفوضى للمسؤولين ليتم تصحيح الأخطاء أولاً بأول بالتعاون والتكاتف، خاصة مع ظهور حالات كثيرة من الفشل الكلوي وامراض القلب وانتشار الربو وامراض الحساسية وأنواع الأورام بسبب ارتجالية الوصف والمعاينة وسوء استعمال الادوية التي تصرف جزافا من قبل بعض الأطباء وأكثرها من المضادات الحيوية الغالية الثمن والحقن الخطرة ذات الآثار الجانبية والمؤثرة.. إننا نطالب المسؤولين وبالذات المسؤولين عن منح الرخص الطبية بأن يكون القائم على إدارة المستشفيات والمستوصفات والمجمعات الطبية من العناصر الوطنية المؤهلة وعلى قدر فاعل من الشعور بالمسؤولية ليتم ضبط التلاعب وكشف المهازل التي يكون ضحيتها مرضى أبرياء لا حول لهم ولا طول الا ثقتهم بالله ثم بإحساس المسؤولين عنهم.. والحديث يطول عن موضوع الطبيب المحتسب والطبيب المكتسب، ولعل لنا عودة قريبة لنلم ببعض التفاصيل وكشف الحقائق مما نقرؤه ونسمعه ونراه.. والله الهادي الى سواء السبيل.
للتواصل: فاكس 4786864 الرياض
|
|
|
|
|