| الثقافية
)7( الحرب في حي الطرب
وصلنا الحدود الكويتية العراقية مشارف الفجر، وكانت شمس أول الصباح تحط خيوطها على سعف نخل البصرة المطل على نهر دجلة العريق، كنا في غاية البهجة الطفولية والتعب بعد )7( ساعات من مشوار الطريق، في تلك الفترة حوالي عام 1978م كنا نسمع عن هذه المدينة وعن حي الطرب بالذات وكأنه شيء أسطوري ساحر يستحق الترحال، أخذنا وصفاً للطريق فكان الانطلاق من الرياض ثم طريق المجمعة السابق فالكويت والاتجاه شمالا حيث منفذ صفوان وأخيراً الدخول للأراضي العراقية وقبل ذلك الانتظار ساعات طويلة مع عشرات الشاحنات أمام مكاتب الجوازات الصارمة وقبل البصرة بخمسة كيلو مترات تشاهد حي الطرب إلى اليمين، مررنا بهذا الحي الأسطوري الذي يعرفه بالذات شباب شمال المملكة وشباب الكويت أكثر من شباب نجد، كما يعرفون البصرة أيضاً كأ ول مكان سياحي وفي متناول اليد كما يقال، وقد فوجئنا أو صُدمنا بهذا الحي الترابي الصغير المبني من الطين، بينما كان أهله الذين يسمون )النور( يقفون أو يجلسون أمام بيوتهم يدعونك لأية خدمة أو يدلونك على البيت الذي سوف تقام فيه هذه الليلة الأغاني الفلكلورية أو التراثية النورية، وبالنسبة لي شخصياً فقد ضحكت كثيراً من الدهشة التي بدت على عيون الأصدقاء وهم يرون الحلم وقد تحول إلى حارة شعبية ترابية لا تستحق الترحال من أجلها، وكنت أنظر إلى أطفال الحي الحفاة، والكتابات على جدران الحي بالكثير من التأمل طلبت من الأصدقاء التوقف والمشي في شوارع الحي على أقدامنا، لكنهم رفضوا مجرد التفكير في النزول، وطلبوا الذهاب إلى البصرة فوراً، قلت لهم عشر دقائق فقط فهذا مكان نادر ويفترض ان نتعرف عليه جيداً، أوقفنا السيارة وأمضينا أكثر من ساعة ونحن ندور من شارع إلى شارع كأننا نبحث عن شيء مفقود، حتى وقعنا صدفة على منزل محاطة أسواره بأسلاك الإضاءة العالية وكانت الحركة داخله وخارجه كبيرة جداً، قرأنا اللوحة المعلقة على الباب فوجدنا إعلاناً عن حفلة تراثية تقام الليلة سوف يتم فيها غناء المقامات العراقية وكتبوا أسماء بعض المطربين والمطربات وحين دخلنا البيت وجدنا ساحة واسعة محاطة برواق ملون وكبير وعشرات الكراسي الحديدية الصدأة استقبلتنا في مدخل البيت امرأة كبيرة السن يبدو أنها مديرة الحفل، جلسنا في الظل على الكراسي وأحضروا لنا مشروباً بارداً وتحدثنا مع المرأة ومع الآخرين الذين حولها، وعرفنا فيما بعد أنهم أولادها وبناتها، قالت لنا: «هذه عادة نورية، كل ليلة حفلة صغيرة في أحد البيوت حتى لو كان الحضور فقط من أهل الحي، وحين يكون هناك ضيوف أو زوار مثلكم تكون الحفلة أكثر بهجة»، ثم طلبت أن نذهب إلى البصرة للراحة ومن ثم العودة في المساء، لتجدوا كما أكدّت مايسركم، خرجنا من دار الحفل بعد ان استوعبنا أثر الصدمة وبدأنا نتجول في الحي مرة أخرى عائدين لسيارتنا حيث واصلنا المشوار إلى مدينة البصرة وتوجهنا إلى أحد الفنادق، وكلها تقريباً متوسطة المستوى وتطل على نهر دجلة، سلمنا جوازاتنا لاستقبال الفندق الذي يبدو أنه استغرب صغر أعمارنا وصعدنا إلى غرفنا رمينا بتعبنا على سررها العراقية الوثيرة حتى العصر، ثم كانت جولة هامة في شوارع البصرة المليئة بشكل واضح بثلاثة أشياء مكتبات قديمة ومحلات )شوي( اللحم على الأرصفة، وأركان عصير )الشمّام( المشهور، بعد ذلك قطعنا نهر دجلة بالقارب في رحلة قصيرة حالمة قبل المغيب بدقائق وبعد ان حل الظلام عدنا إلى الفندق، وكانت تراودنا دعوة تلك المديرة لعروضها التراثية لكننا لم نذهب بسبب الإرهاق.
الأسبوع القادم بقية الكتابة الأخرى وضوء على رواية )الحرب في حي الطرب( للأديب العراقي نجم والي.
fahad ateq @ hotmail.com
ص.ب:7823 الرياض:11472
|
|
|
|
|