| مقـالات
ما هي )حكاية!( تحسسنا من الترفيه، ولماذا يحتل هذا المفهوم أدنى درجات سلم أولوياتنا الاجتماعية رغم ما منحه العلم الحديث للترفيه من أهمية قصوى في التربية والإنتاجية وصحة أفراد المجتمع النفسية والبدنية، ومرة أخرى ما علاقة هذا السؤال بموضوع الشباب..؟
أعتقد أن الترفيه لدينا بوصفه مفهوما ثقافيا ليس سوى ضحية من ضحايا زمن قدم غير مرحّب به وتقادم غير مأسوف عليه، فهو زمن يكفيه من الشؤم أنه لم يندثر إلا بعد أن أحدث شرخا بالغا في العديد من المفاهيم الثقافية الرائجة حتى وقتنا الحاضر، رغم ما تعج به هذه المفاهيم من سلبية وازدواج وتناقض وانحراف، من ضمنها النظرة الاجتماعية القاصرة تجاه الترفيه )لفظا ومعنى ومبنى!(.إن لكل زمن أولويات تحددها ظروف وطرائق عيش البشر، ولهذا فمن الممكن القول إن الأجداد لم ينظروا الى الترفيه نظرة إيجابية لأنه لم يكن ضمن أولويات )حاجاتهم( الثقافية، فزمنهم كان زمن فقر مدقع وجوع وأمراض وأوبئة لم تقتل فرص الفراغ لديهم فحسب بل قتلت من البشر ما قتلت، الأمر الذي جعل من الترفيه في أنظارهم عبثا يوحي بالترف ولا مبالاة، وهم على حق في نظرتهم هذه لأنه من المحال انصراف غرائز الاشباع الإنسانية الى الترفيه في وقت يقبع الجميع فيه على شفا الانقراض مرضا وجوعا وخوفا، مما يفسر بالتالي حيثيات )التأسيس الثقافي( لما لحق بالترفيه من نظرة دونية أدت بطريقة تراكمية الى وصمه بالعيب، وبالتالي إلحاقه بقاموس عيب )ثقافة العيب!(.
يموت الترفيه على يد الجوع والمرض في السابق، ويطاله مرض العيب الثقافي لاحقا، ليموت مرة أخرى على يد قاتلة وافدة اسمها )خصخصة( وتنادى أحيانا باسم الدلع: تخصيص! حيث استغلت ما أحدثه العيب في مفهوم الترفيه من )فراغ ثقافي(، لتشمر تخصيص عن ساعديها! فتجلب له من المفاهيم الأجنبية المستوردة ما تجلب، الأمر الذي أدى الى ملء الفراغ المحلي بفراغ مستورد. بعبارة أخرى، إن ما استجد لدينا في عصرنا هذا من مفاهيم للترفيه ليست سوى مفاهيم مستوردة لأغراض ضيقة تستهدف أول ما تستهدف جيوب الناس تحت ذريعة الترفيه عن رؤوسهم!، حيث إننا بكل حسن نية شجعنا القطاع الخاص، فمنحناه مهمة تعتبر من أخطر المهمات التاريخية في حياة الشعوب، ألا وهي تسلية الناس وقتل فراغهم بطريقة تقتل المتعة، وذلك حين يجد الفرد نفسه مجزأ بين خيارين: حاجته المهمة للترفيه أو حاجته الأهم للحفاظ على ما يحويه جيبه )من الشفط!(، مما أدى الى إلباس الترفيه وجها تجاريا غير جميل البتة هدفه أولا وثانيا وأخيرا وآخرا المزيد من الإثراء وقوفا على رؤوس الأطفال لتذكيرهم بأن ما دفعوا له من دقائق متعة وترفيه قد شارفت على الانتهاء، مما يعني خيار الدفع أو خيار المغادرة! ولهذه الأسباب تحوّر بل تشوه مفهوم الاشباع الثقافي/ النفسي ذو الصلة بالترفيه بوصفه مصدر تنفيس من شروطه العفوية، والتلقائية، والمرونة والألفة زمانا ومكانا، وهنا أضحى الترفيه )ترفا بحق وحقيق!( لا يقدر عليه إلا القادرون، مما يعني حرمان الأغلبية منه وهم الذين أصلا بأمس الحاجة إليه.. فلا عجب أن تكتظ طرقاتنا بسيارات الشباب تسكعا وتفحيطا، غير أن العجب مسارعتنا في أعقاب كل حادث مروري مميت الى تعليله بالفراغ..! في مقالة الأحد القادم تناقش «شدو» إن شاء الله ما يلي: هل في أفق الظاهرة الديموغرافية المتمثلة في )شبابية مجتمعنا( من المستجدات ما يوجب إيجاد الحلول الفورية الناجعة؟ وما هي المعاني والمضامين المستقبلية لا لحقيقة كون الشباب يمثلون الفئة العمرية ذات الأغلبية في مجتمعنا في وقتنا الحاضر فحسب، بل أيضا في المنظور البعيد القادم، وذلك في حال استمر معدل المواليد لدينا على ما هو عليه الآن من مستويات أهلته لأن يكون من أرفع المعدلات العالمية..؟!
ص.ب: 454رمز: 11351 الرياض
|
|
|
|
|