| مقـالات
)1(
هل كنت تخلدُ إذْ ذابوا وإذْ غبروا
لو لم تُرِضْ من جماحِ النفسِ ما صَعُبا
«الجواهري» مخاطباً «أبا العلاء»..
هذه الساعات لا تمشي فكيف اجتازني الوقت..؟
أحمد دحبور
ولأن الملح يموتُ في البحر
أزرع الترقب في الماء
ولا أحصد..
لينا الطيبي
)2(
اليوم
ران الصّمتُ..
ما عاد الصّدى
يقوى
على فهم الكلام...
اليوم
تاهَ الفجرُ..
لم يسعِ الدُّنى
مرأى الحياةِ
تدبُّ في عمق الظلام..
اليوم
مرّ العمرُ
لا ندْري
هل التسعون
كالعشرين
والساعون
كالغافين
والأحلام
للمستيقظين أم النيام..؟!
اليوم
لا معنى
لمن
خطب الحقيقةَ في المنام
والجاهَ في الكسب الحرامْ..
اليومَ
تاه «الأمسُ» و«الآتي»
بملهاةِ السلامْ
والراقصين على طبول الذل
في زمن الحِمامْ..
)3/1(
- قبل حوالي «عامين» بلغ )سميحُ القاسم( «الستين» فبعثَ إليه «محمود درويش» مهنئاً ووصفه بأنه )أي القاسم( بقي «أكثرنا فتوةً»، فتى في الستين، أو طفلاً في الستين..»!
- وقريباً من هذا الوقت نشر «خالد الفيصل» قصيدته عن «الستين» التي «مرّتْ والشايبْ طفل..»!
- وقبلهما سخر «أحمد الصافي النجفي» من «التسعين» فعمرُه يركض إلى «السبعين» وروحه ثابتةٌ على «العشرين»..!
- وفي «مقابلهم» جاء «عبد الرحمن شكري» ليتصور نفسه «وقد لفظته رحمه الله يافعاً» فصار كأنه في «الثمانين»..
- وسئم «زهير» تكاليفَ الحياة، وربما كان أقربَهم إلى مقاربة الواقعِ، فوضع نفسه حيث يجب أن تكون بعد «ثمانين» عاماً من «الركض»..!
- وسوى «هؤلاء» تحدث آخرون عن «الثلاثين» و«الأربعين» و«الخمسين»، وظلّت في نفوس المتقدمين عمراً حسرةٌ «حقيقيّة» أو ربما «عاطفيّة» على «العشرين»..! ولدى «الجميع» - من خلال متابعاتهم - نماذجُ كثيرةٌ لا تحتاجُ إلى تذكير..!
)3/2(
- ربما جازَ لنا أن نعود إلى «درويش» و«القاسم» حيث تساءل «الأولُ»:
- «متى» غافلتَ نفسك وغافلتنا، وبلغتَ الستين..؟ وهل يكبرُ الشعراء الذين لا مهنةَ لهم إلا تجديد شباب اللغةِ، وفتوة الأمل، وصيانة الروحِ من الصدأ والملل...
- وإذنْ فالحكايةُ «عُمْرٌ» نسبيٌّ، فهو - بمقياسٍ - «ثابت»، وبغيره «متغيّر»، و«عشرون» الشابي - مثلاً-، أو «ثلاثون» أبي تمام، أو «مئةُ» الجواهري، تختلف عن خطوط البطاقات «الشخصيّة» لهم أو لسواهم، فسنةٌ تعادل قرناً، وقرن لا يزنُ شهراً، وأيامٌ تمر مثقلة، وأعوامٌ تكرّ عجلى، وحياةٌ لاهثة، وصبوات لاهية، وحساب مؤجل مع الذات مطمئناً إلى أن «اليوم» حالم، و«الغد» قادم، وربما جاء اليومُ غائماً، والغد قاتماً، وبالرؤيتين كلتيهما فإن «الفواتحَ» قرينةُ «الخواتم»...!
)4/1(
- كان من رأي «غوترود بل» أن «العربيَّ لم يشترِ - عبر القرون كلِّها - حكمةً من التجربة..»، ولعله - دون أن يدري قد كرر - باختزالٍ - مقولةً لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - :
- «إننا لا ننتفع بما علمنا، ولا نسألُ عما جهلنا، ولا نتخوفُ قارعةً حتى تحِلَّ بنا..».
- وفي هاتين المقولتين محاولةٌ لقراءة الواقع العربي على مستوى الفرد أو المجموعة حين لا يزيده - في الأغلب - ركام السنين إلا تكثيفاً لـ«الأخطاء» أو «الخطايا»، وإذ استطاعت شعوب تجاوز كبواتها فنهضت خلال فترة قليلة فإن هذه الأمة لا تزالُ تسيرُ من عثار إلى عثار حتى أصبحت مفاهيم «البعث» و«الصحوة» و«النهضة» مجردةً من دلالاتها بل ذاتَ إيماءاتٍ وإيحاءاتٍ معكوسة..!
)4/2(
- بذا مرّ التاريخ العربيُّ، وبمثلهِ تبدو مسيرةُ الفردِ، «تختلف» شكلاً، «وتتخلفُ» مضموناً، وتمتدُّ مسافة، وتضيق رؤية، وتوصف بالريادة وحقّها الارتداد..!
- طال غيابُنا عن التفاعل الحضاري أمةً، وعن الفعلِ الإبداعي أشخاصاً، وظلّ حساب الحقل «الكمي» بعيداً جداً عن حساب البيدر «النوعي»، ونأى «الزمنُ» عن «الإنجاز»، و«الصوتُ» عن «الصِّيت»..!
)5(
- عنونَ «جان بول سارتر» تجربة «فرنسا» تحت الاحتلال الألماني خلال «الحرب العالمية الثانية» بأنها «جمهوريةُ الصمت»، ولعله العنوانُ الأصلح للتجربة العربيّة عبر قرونها الأخيرة، فهو صمتٌ عن الحركة، وعن «التطور» وعن العقل، وعن «التغيير»، فتحول «المشتقُّ» إلى «جامد»، و«الصحيح» إلى «معتل»، و«القائد» إلى «مقود»..
- هل نحن أمام إنشاءٍ وعظي..؟
- ربما..!.. لو لم تكن «الأمثلة» شاخصةً، و«الخبرُ» معايناً، والحقيقة مؤلمةً، و«الخِبْرُ» أسود، والكتابةُ مؤلمةً..!
- أضيفوا هذه إلى معلقة الإنشاء فقد سقطت لغةُ الفعل أمام تظاهرة الكلام..!
)6(
- يمكنُ اختصارُ المشكلةِ العربيّة «بالصَّمت» على «الجَهْل» و«الحجْر»، و«الجمود»، وهو ما يمثل البُعدَ «الفكري» الذي تعودُ إليه حالةُ «النّكوص» التي لازمتْ التاريخ العربيّ طيلة القرون المتأخرة وتحديداً منذ سقوطِ «غرناطة» قبل «ستمائة عام»..!
- «الصمتُ» على إلغاءِ «العقل» جوهرُ القضيّة، وبسببه استمر «التيهُ» العربيّ فلم يستطع استعادةَ «هويته»، ولم يخلقْ له مكاناً ضمن الهويات الأخرى، واستمرأَ «العرب» هذا المنهجَ «غيرَ المنتمي»، وكنا مقدمة مشوهةً لمرحلةِ «العولمة» «المَرَضيّة» -بفتح الميم - التي يَحسبُها من يحسن الظن «فتحاً» أو «انفتاحاً»، وهي «إغلاقٌ» يقود إلى «انغلاق»، فالطريق التي تقودُ إليها «القوةُ الوحيدة» طريق مظلمةٌ تكمُلُ بإلغاء الشخصية الحضارية للمجتمعات المقادة..!
)7(
- انتهى «الصمتُ» العربيُّ على تهميشِ «الفهم» و«الإرادة» إلى صمتٍ آخر على إهدار «الكرامةِ» وسلب «القيمة» وخسارة المعركةِ الفاصلة مع «الاستعمار» القديم والجديد بكل صوره العسكرية والسياسية والثقافية والاجتماعية..! ومن المهم التأكيد على أنه ليس من الضروري أن تجيء الإشارة الى مستعمر أجنبيّ فربما كان في أنفسنا ومن أنفسنا مَنْ تفوّق فسادَ وفرّق..!
)8/1(
- في محاولة بعضِ المفكرين لتلمُّس مواضع الخلل العربي من قارن بين «الدماغِ» العربيِّ والغربيّ، ولم يكن محتاجاً لولا «اليأس» الذي يقودُ «اليائس» الى بحثِ كلِّ الوجوه.. فلمَ نحنُ فقط..؟ ولِمَ نحنُ حتى اليوم..؟
- ولعل هذا هو ما دعا بعضهم إلى ربط التأخر العربيّ بعوائق «فكرية» أكثر منها «مادية»، وتجاوز بعضهم في تفسير هذه «الموانع»، فبدلاً من حصرها في «التطبيق» أرجعوها إلى «الأسس»، واستشهدوا ببعض الممارسات التي ترى في تعاليمها أن «العلم حجاب»، و«الجهالة أم الفضائل» و«العجز عن الإدراك إدراك»..
- وهنا «مغالطة» تقودُ إلى «تضليل»، وفي مثل هذا وقع «القصيمي» - عفا الله عنه - في أول تحولاته عبر كتابه «هذي هي الأغلال».. وانتهى منها إلى تطرفٍ لم يصل به أو بقارئيه إلا إلى مزيدٍ من «الضلال»..!
)8/2(
- كان «القصيميُّ» محقاً في استشهاده بأحد الشعراء:
طلاسمُ هذا الذل دقّت وإنما
تفك بسِـرِّ العلم هذي الطلاسمُ
يقولون حظ اليعربيين نائم
لقد وهموا فالسعيُ لا الحظ نائمُ
- وإذن فهو «السعي»، أو هو ما أسمته «الأربعاوية» «الصمت» على القعُود والخمول والتقليد.. وإذن فهنا نقطة قابلة للحوار تعيدنا إلى تقاطعات هذه المقالة..!
)9(
- يروق لبعض المتحدثين إيماءٌ إلى تجربتي «ألمانيا» و«اليابان» بعد الحرب العالمية الثانية، حيث نهضتا سريعاً بعد سقوط قاتل..
- لهم ذلك، ولنا - كذلك- أن نستشهد بتجربة أعـظم البشر رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم الذي نقل أمة، وبنى دولة، ووضع منهاجاً، خلال أقلّ من «ربعِ قرن»، واستطاعَ أن يقارع - خلال هذه الفترة البسيطة في عمر «الأفراد» بله عمر «الحضارات» - أعتى قوتين ثم يتغلب عليهما، ومدده في ذلك أنْ نصر الله فنصره وثبت أقدامه.. )نص الآية الكريمة في سورة «محمد» الآية السابعة(..!
- وربما آن أن ترتبط «البدايةُ» «بالنهاية»، وكما نسبيّة الزمن «للفرد» يأتي الزمن مختلفاً في حياة «الشعوب»، وقد ترون مئة سنة أو قريباً منها في تاريخنا الإسلامي المشرق منذ هجرة المصطفى معادلةً آلاف السنين في عالم غيرنا، كما أن غيابنا عن الفعل والتفاعل طيلة «القرون» الأخيرة لا يساوي «عاماً» واحداً من عام الإنجازات في سنوات «الجد» مع من استطاعوا صناعة «المجد».
طال الصمت فانتكست الحضارة..!
IBRTURKIA@Hotmail.com
|
|
|
|
|