| العالم اليوم
* بينهموندة )ألمانيا( د .ب. أ:
^^^^^^^^^^^^^
كانت بلدة بينهموندة تمثل ذات يوم قاعدة صاروخية نازية شهيرة عمل بها فيها 18 ألفا من أبرع العلماء والمهندسين لإنتاج صواريخ من طراز في1 وفي2 في زمن الحرب العالمية الثانية. لكن بينهمونده أصبحت الآن مكانا منعزلا موحشا يعتمد إلى حد كبير على الدخل الذي تدره من زيارة متحف يضم أعمالا تصور ماضيها أو تاريخها سيئ السمعة خلال تلك الحقبة. ومنذ 60 عاما مضت كانت هذه البقعة التي تحتضنها جزيرة أوسيدوم المطلة على بحر البلطيق والتي تحف بأقصى شمال شرق الساحل الألماني تعج بالحركة والنشاط حيث كان الدكتاتور النازي أدولف هتلر يحلم باستخدام صواريخه في1 وفي2 في ترويع لندن. وكان هتلر يأمل في تغيير مسار الحرب العالمية الثانية لصالحه وعندما تضاعف إنتاجه من تلك الصواريخ في عام 1943، أجبر آلاف من نزلاء معسكرات الاعتقال على العمل هناك. يقول ديرك زاخه، مدير متحف بينهمونده الذي يجري العمل حاليا على توسيعه «في تلك السنوات كان العلماء والمهندسون يعيشون في أحياء سكنية تنعم بوسائل الراحة والترفيه والدفء، خلافا للعاملين بالسخرة الذين كانوا يعيشون في أكواخ بدائية في غابة مجاورة».
^^^^^^^^^^^^^
ويشارك زاخه بالتعاون مع مجموعة من المؤرخين وخبراء متاحف في مشروع يهدف إلى إظهار الدور الذي لعبته بينهموند في المراحل الأولى لتكنولوجيا
عصر الفضاء. ولاشك أنها فكرة بالغة الحساسية في ضوء الأصول النازية في بينهموند التي كانت تمثل في الفترة من 1936 إلى 1945 مسرحا لعمل لا يتوقف من جانب العلماء من البحث وتنفيذ مشروعات عسكرية سرية. وكانت قد تفجرت قبل عشر سنوات فضيحة دولية عندما تم على وجه السرعة تنظيم معرض بإشراف مجموعة من قدامى علماء ومهندسي بينهموند، وهو المعرض الذي تعرض لانتقادات مريرة في أنحاء العالم نظرا لأنه كان يمجد «أعجوبة الأسلحة» التي تمخضت عنها عبقرية هؤلاء العلماء الذين سخرهم هتلر لهذا الغرض خلال الحرب العالمية الثانية. وتفاقم الغضب الدولي بدرجة أكبر في عام 1992 عندما أعدت احتفالات بالجزيرة المطلة على البلطيق بمناسبة الذكرى الخمسين لإطلاق أول صاروخ نازي في الثالث من تشرين أول )أكتوبر( عام 1942.
لكن الاحتفالات ألغيت في أعقاب هذا الاستياء الدولي رغم أن ذلك لم يمنع مجموعة من قدامى خبراء الصواريخ الألمان من المضي قدما في الاحتفال بطريقتهم «الخاصة» في زينوفيتس القريبة. وشارك في هذا الاحتفال الخاص آرثر رودولف، وكان الشخصية المحورية في عملية إنتاج الصاروخ ساتيرن5 في لحساب برنامج أبولو الفضائي الأمريكي في الخمسينات والستينات.
وكان رودولف ورائد الفضاء فيرنر فون براون وغيره من علماء الفضاء الألمان البارزين الذين كانوا قد توجهوا إلى الولايات المتحدة في نهاية الحرب العالمية الثانية. يذكر أن رودولف كان قد فر إلى الولايات المتحدة، وذلك في أعقاب كشف النقاب عن أنه كان يشغل في زمن الحرب منصب مدير مصنع سري لإنتاج الصواريخ في تورنجيا بألمانيا حيث لقي آلاف من عمال السخرة حتفهم في ظل ظروف عمل بالغة القسوة. ثم لاذ بالفرار من الولايات المتحدة وعاد ليستقر به المقام في ميناء هامبورج إلى أن وافته المنية في مطلع التسعينات. ويقول زاخه مدير المتحف إن تغييرات هائلة طرأت على بينهموند التي استخدمها الجيش السوفيتي سابقا في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية ثم بعد ذلك القوات المسلحة لألمانيا الشرقية الشيوعية سابقا. وبعد انهيار الشيوعية، تم فصل أربعة آلاف طيار من قوات ألمانيا الشرقية سابقا، ثم الاستغناء بعد ذلك عن خدمات عدد مماثل من قوات المارينز البحرية في عام 1990 حيث أعيدوا إلى بلادهم.
ويقول زاخه «اليوم يعيش حوالي 400 نسمة في بينهموند معظمهم من العاطلين عن العمل أو أرباب المعاشات. ولا يخضع دخل الفرد هنا لضريبة الدخل على الاطلاق».
ويضيف في هذا الصدد «نسبة البطالة تزيد على المتوسط هنا حيث تصل إلى حوالي 27 في المائة، وهو ما يعني أن المتحف يضم أكبر عدد من العمال من سكان الجزيرة».
يذكر أنه في أعقاب العاصفة المدوية من الانتقادات الدولية، تم تعيين زاخه وهو مؤرخ للفنون وداعية الحفاظ على البيئة الطبيعة، في منصب مدير متحف بينهموند، وهو من أبناء مدينة بامبرج. ويقول زاخه «شكلت لجنة استشارية من مؤرخين وسياسيين للعمل في وضع مشروع يعكس التاريخ الحقيقي لبينهموند».
وتركز المرحلة الأولى التي تتضمن إقامة معرض جديد على حقبة تطوير الصواريخ في ألمانيا في الفترة الممتدة من العشرينات وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية وكونها مقرا لمحطة للطاقة نجت من القصف البريطاني لها خلال تلك الحرب الطاحنة. ويضيف زاخه إن المرحلة الثانية من مفهوم المتحف الجديد والتي ستكتمل في حزيران )يونيو( المقبل، ستركز على التعامل مع ما آل إليه مصير العلماء والمهندسين بعد الحرب.
وبينما كانت مجموعة الصفوة التي كانت تلتف حول فيرنر فون براون محظوظة عندما نقلت جوا إلى الولايات المتحدة للقيام بدور رئيسي في أبحاث الفضاء الأمريكية، فإن بعضا من علماء البحوث العسكرية في بينهموند تم اقتيادهم إلى الاتحاد السوفيتي السابق حيث ظلوا يعملون لسنوات في مشروعات الفضاء الروسية. وكان مركز بعض هذه المشروعات في سيبيريا الشديدة البرودة. وفي برلين، يقول هاينز فيمهاور )62 عاما(، وهو عامل متقاعد يحصل على التأمين الصحي، إن والده وكان يعمل كفني كبير في بينهموند بداية من عام 1936 قبل أن يقتاده مسؤولون روس من منزله في عام 1945.
ويضيف «ومنذ ذلك التاريخ، لم نسمع عن والدي أي شيء مرة أخرى على الاطلاق. لكننا علمنا من مصادر مختلفة بعد ذلك إنه اقتيد إلى الاتحاد السوفيتي السابق، ولا نعلم شيئا عن مصيره منذ ذلك الحين».
أما الجانب الثالث من متحف بينهموند والذي يعده زاخه شخصيا في حمل اسم «أخلاقيات وتقنيات»، وهو جانب سيغطي قضايا عن المسؤولية الكاملة عن الرحلات الفضائية الحديثة وغيرها من المشكلات المتعلقة بالعلوم المعاصرة، مثل الهندسة الوراثية.
|
|
|
|
|