| سلع واسواق
* حوار م. خالد السليمان:
لمهنة الهندسة بشكل عام والعمارة بشكل خاص دور فعّال في بناء الحضارات باعتبار العمارة هي مرآة الشعوب، ولا يقتصر تطوير المهن المعمارية والهندسية على جمال المدن والنواحي الاجتماعية، بل ينعكس ذلك على الاقتصاد الوطني من خلال التبادل التجاري في مواد البناء وتوفير الفرص الوظيفية لفئة كبيرة من المجتمع. ومعنا في هذا الحوار المهندس عبدالله بن علي الثروة الذي يسلط الضوء على أدوار المكاتب الهندسية والاستشارية ويتحدث عن تطوير المخططات في بعض المكاتب وشبه بعضها بالبقالات وتتطرق الى دخول الشريك الأجنبي وقصور المهندسين السعوديين في بعض الجوانب بالإضافة لآمال وتطلعات ومعوقات وعقبات المكاتب الهندسية والاستشارية وألقى المهندس الثروة من خلال حوارنا معه اللائمة على الجمعية السعودية لعلوم العمران واللجنة الهندسية فيما يخص النواحي التنظيمية للمهنة وبدون إطالة نترككم مع الحوار:
* للمكاتب الهندسية والاستشارية دون أدنى شك دور كبير في النهضة العمرانية في المملكة.. فلو توضح لنا أبرز ما تقوم به هذه المكاتب؟
إن العمارة هي مرآة الشعوب وقد ساهم المعماري بشكل فعّال في بناء الحضارة الإنسانية والمعماري والذي غالبا ما يمثل العنصر الأساسي في المكاتب الاستشارية له دور هام وفعّال ومؤثر ويتناسب ذلك مع مقدار نزاهته وكفاءته وإمكانياته الفنية.
مما لا شك فيه فإن المكاتب الهندسية الاستشارية عليها مسؤوليات كبيرة تجاه الوطن ولكنها يجب ان تتناسب هذه المسؤوليات مع الصلاحيات الممنوحة لها ان صح التعبير ولكنها بالرغم من هذه القيود فقد استطاعت نسبة منها في إنتاج أعمال معمارية متميزة وجديرة بالاعجاب والتقدير.
إن مجال الخدمات الهندسية الاستشارية يعتبر قناة مهمة من قنوات الاستثمار الوطني وهو بحاجة الى دعم حقيقي من جميع الجهات ليتمكن هذا القطاع من تطوير المهن المعمارية والهندسية وسينعكس هذا بشكل مباشر على جمال المدن والنواحي الاجتماعية وعلى الاقتصاد الوطني هذا بالإضافة الى توفير فرص وظيفية لنسبة كبيرة من المجتمع.
* ولكننا نسمع كثيرا عن تصوير المخططات في بعض المكاتب دون أدنى مراعاة للاحتياج الفعلي للمواطن الذي يصبح غالبا الضحية في ذلك.. ما تعليقك على ذلك؟ وبماذا تنصح الراغب في البناء؟
إن المواطن ضحية لهذه النوعية من الخدمات ولكننا لا ننسى أن المكاتب الهندسية أو الاستشارية النزيهة والجيدة هي ضحية أخرى وأكثر تضررا ماديا ومعنويا واجتماعيا وسوف ينعكس هذا بدون شك وبشكل مباشر وغير مباشر على الفرد كمهندس أو كمعماري أو كمواطن عادي وعلى المجتمع بشكل عام وهام.
يؤسفني القول بأنه لا يزال المجتمع ينظر الى خدمات المهن الهندسية الاستشارية بمنظور فيه إجحاف وعدم تقدير هذا من جهة ومن جهة أخرى قد لا يلام المواطن كل اللوم والسبب يعود الى إساءة وتشويه عدد كبير من المعماريين والمهندسين من أصحاب المكاتب )البقالات( والذين يقفون وراء الكسب السريع على حساب الاقتصاد الوطني بشكل عام وعلى حساب المواطن بشكل خاص ويشجعون بكل قوة استمرار ظاهرة الخدمات الهندسية الهابطة.
فهل يعقل أن يتمكن مكتب هندسي من إصدار أكثر من مئتين وخمسين مشروعا سنويا وبعض المكاتب التي ترفض ان تهبط الى هذا المستوى المتدني من الخدمات لا تصدر سوى عدد من المشاريع لا يتجاوز عدد الأصابع.
يحزننا أن نرى شريحة كبيرة من القطاع الهندسي الاستشاري ذات المستوى المتدني من الخدمات قد استطاعت وبكل قوة السيطرة على نسبة كبيرة من الأعمال المعمارية والهندسية والاستشارية وتمكنت من احتواء عدد كبير من المواطنين الأبرياء وان هؤلاء المواطنين لا يعلمون حقيقة أنهم بتوفيرهم هذه المبالغ في المخططات المعمارية المتدنية سوف يدفعون أضعافها سواء أثناء التنفيذ أو في إصلاح المشاكل والعيوب أثناء التشغيل وسيعانون من بعض السلبيات التي ستظهر في التوزيع المعماري لاحقا.. وأهم من ذلك هو ان ذلك سوف يؤثر عليهم بشكل غير مباشر لاحقا حيث ان الدورة الاقتصادية هي دورة كاملة والسلبيات ستعود عليهم.
* بعض المكاتب الهندسية وكذلك الاستشارية أدخلت الشريك الأجنبي في نشاطها.. هل هذا يعني ضعف في مهندسينا السعوديين؟ وما تعليقك حول عدم مشاركة المهندس السعودي حديث التخرج في بعض المكاتب وعدم إعطائه وضعه الوظيفي؟
بالنسبة للشطر الأول من السؤال فحبذا لو تم ذلك على أسس سليمة من وقت مبكر أثناء طفرة العقار ومشاريع البنية التحتية الهامة أو المشاريع الإسكانية أو المشاريع الفردية يمكننا القول بأن إدخال الشريك الأجنبي الى المكاتب الاستشارية له إيجابيات كثيرة ونحن لا نزال بحاجة ماسة الى الخبرات الكبيرة التي يتمتع بها الشريك الأجنبي المتميز. وفيما يخص الشق الثاني من السؤال في الحقيقة رحم الله امرأ عرف قدر نفسه.. نعم هناك ضعف فني وإداري واضح في نسبة كبيرة من مهندسينا السعوديين وهذا طبيعي لما نحن فيه حيث ان القطاع العام والقطاع الخاص وتحديدا قطاع الاستثمار العقاري قد تسببا في وجود هذا الضعف ويبدأ ذلك من أسلوب التعليم والتدريس الأكاديمي البحت، هذا بالإضافة الا أنه لم يكن للمهندس السعودي أي دور فعّال في المشاريع الكبيرة التي تمت ترسيتها من قبل القطاع العام على شركات ومكاتب استشارية عالمية وكذلك القطاع الخاص والذي أسند كثيراً من مشاريعه الهامة الى استشاريين أجانب وشركات تنفيذية كبيرة ولم يأخذ المهندس السعودي الفرصة للعمل بهذه المشاريع.
وهناك شركات أجنبية تعمل في المجال الهندسي والاستشاري ومتضامنة مع مكاتب وطنية ولكن غالبا ما يكون دور هذه المكاتب الوطنية تمثيلاً قانونياً فقط لذلك لا تستفيد هذه المكاتب أي فائدة والخبرة تأتي وتذهب من حيث أتت. وأحد أسباب وجود هذه الشركات الأجنبية هو ظاهرة تفضيل الأجنبي على المواطن وعدم الثقة بإمكانياته والتي لا تزال متأصلة في مجتمعنا. وحيث إننا على وشك الدخول في المنظمة العالمية للتجارة ) القات( فإنه لا مفر من دخول المكاتب والشركات الاستشارية الأجنبية لسوقنا ويجب علينا الاستعداد الجدي لهذه المرحلة الجديدة من الانفتاح ومعرفة سلبياتها أو إيجابياتها.
أما الشق الأخير من السؤال حول عدم مشاركة المهندس السعودي حديث التخرج في بعض المكاتب يمكن القول بأنه هناك مكاتب امكانياتها المالية جيدة والتي لا تتجاوز نسبتها 1% أو أقل وباستطاعتها احتواء عدد بسيط من الخريجين الجدد ولكن هل هذا يكفي..؟ بالطبع لا.
لذلك يجب علينا إعادة النظر لسوق الاستشارات المعمارية والهندسية وتصحيح ما يمكن تصحيحه ومن أهمها تكاليف الخدمات الهندسية الهابطة والرفع من مستوى الخدمات الهندسية، هذا بالإضافة الى توعية وتوجيه المواطن الى تقدير هذه المهنة لتتمكن هذه المكاتب من تقديم خدمات عالية الجودة واستيعاب المهندسين السعوديين حديثي التخرج ليعود النفع في النهاية للمواطن.
* للمكاتب الهندسية والاستشارية بكل تأكيد آمال وتطلعات ومعوقات وعقبات.. فلو تسلط الضوء على أبرز آمالها وتطلعاتها ومعوقاتها وعقباتها..؟
دعني أبدأ بالمعوقات والعقبات التي تواجه مهنة الهندسة والمكاتب الهندسية والاستشارية إذا علمنا بأن ما نسبته 50% من عدد المهندسين السعوديين لا يمارسون المهنة بحق بالرغم من أننا دولة نامية وبحاجة ماسة الى الكفاءات الوطنية للحاق بركب الأمم المتقدمة علميا.
لقد امتلأت الدوائر الحكومية والوزارات بالمعماريين وبالمهندسين على مختلف تخصصاتهم والتي يغلب على عملهم العمل الإداري المكتبي البحت.
لماذا.. لأسباب عديدة منها ان جميع الأبواب الأخرى مقفلة وأهمها عدم وجود الجدوى الاقتصادية من العمل في القطاع الهندسي والاستشاري لتدني الدخل والأرباح.
فلنبدأ بالطريقة التعليمية والتي تركز غالبا على النواحي الأكاديمية البحتة وقد يرجع هذا الى المؤهلات الأكاديمية البحتة لمعظم أساتذة الجامعات.
أما طرق تدريب وتأهيل المهندسين فأين هي وأين القطاع العام والقطاع الخاص من المشاركة الحقيقية والتضحية في سبيل دعم ومساندة الخريجين للتدريب على المشاريع العديدة التي نفذت أو تحت التنفيذ أو ستنفذ.
أما ما يخص النواحي التنظيمية للمهنة وهو بيت القصيد فإننا لا نزال نتخبط يمينا ويسارا بين الجمعية السعودية لعلوم العمران والتي لم يكن لها أي دور فعّال وملحوظ في سبيل تنظيم هذه المهنة.
أما اللجنة الهندسية )الهيئة الهندسية مستقبلاً( فبالرغم من الإمكانيات المادية الكبيرة وكيانها القوي فلم يكن لها أي دور فعّال سوى جباية الاشتراكات السنوية أو إصدار وتوزيع النشرات الخاصة بالشروط والقوانين التي تزيد من التعقيد تعقيدا.
نعلم بأنه لا تزال هناك ارتباطات تنظيمية وتشريعية بين اللجنة الهندسية وكل من وزارة التجارة ووزارة الأشغال العامة والإسكان والتعليم العالي ووزارة البلديات.. ويجب على اللجنة ان تبدأ بتسهيل الإجراءات ومساعدة المكاتب المعمارية والاستشارية وتأهيل المعماريين والمهندسين وتصنيف المكاتب الهندسية والاستشارية وتنظيم ممارسة هذه المهنة.
ويجب على اللجنة أولا تعريف المهندس وتحديد التخصصات والتمييز بين المعماري والمهندس المدني والمهندس الكهربائي، حيث إننا نلاحظ اقتحام التخصصات الهندسية الأخرى على مهنة العمارة مما أدى الى تدهور هذه المهنة من الناحية الفنية والمادية.
لا يزال أصحاب هذه المهنة يتخبطون في خسائرهم اليومية ولكنهم لا يستطيعون إيقاف مزاولة نشاطهم في هذا القطاع الهام من القطاعات الاقتصادية لأسباب عديدة.
|
|
|
|
|