|
| مقـالات
أرجو ألا يظن أحد أنه من باب المبالغة القول بأن عملية بناء جدار تخضع الآن لمعايير وضوابط وأساليب محاسبية تفوق نظيرتها في عملية تربية وتعليم طفل من حيث وضوح تلك المعايير وتحديد آلية المحاسبة.
إن إقامة جدار تتطلب أن نقرر مسبقا أبعاده ونوع المواد الخام المستخدمة، كما لابد أن نطمئن إلى ان الجدار يقوم بشكل رأسي دون ميلان )باستخدام الشاقول(.
وإذا أريد لهذا الجدار أن يكون عازلاً للحرارة فإننا لابد وأن نستخدم الترمومتر لنحكم على قدرة الجدار على العزل الحراري. وقد نستخدم أدوات هندسية خاصة لتكشف لنا عن مدى تناسق الجدار مع الجدران المجاورة له . وإذا أردنا أن نطمئن إلى استواء سطح الجدار فلابد أن نسلط عليه الضوء ليكشف لنا عن أي تعرجات في سطحه. وعندما يفرغ )المقاول( من بناء الجدار فإنه لا يعطى أجره إلا بعد أن نطمئن إلى أن العمل قد تم تنفيذه وفقاً للمعايير والضوابط المتفق عليها مسبقا، ولا أظن أن ذلك يتعارض مع القول المأثور: أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه. وفي حال ظهور خلل في التنفيذ أو تأخر في الانجاز فإن المقاول لابد وأن يخضع للمساءلة والمحاسبة.
وخلافاً لما قد تعتقده، فإن مجال التربية والتعليم لدينا لايزال غير محكوم بضوابط ومعايير واضحة ومحددة لمستوى الأداء والانجاز التعليمي المطلوب من المعلمين والمتعلمين. فلو أن مدرسة ما اتفقت مع أحد المقاولين )معلم في هذه الحالة( على تنفيذ )منهج ذو أهداف محددة( فمن الطبيعي أن تتوقع أن هذا المعلم سوف يحاكم في النهاية في ضوء ما يحققه طلابه من أهداف المنهج الذي عهد إليه بتدريسه. ولكن للأسف لا يوجد شيء من هذا القبيل على الاطلاق. فلا فرق بين المعلمين، يستوي منهم من اكسب طلابه المهارات التي حددها المنهج مع من لم يقدم لطلابه شيئا يذكر. باختصار، المشكلة تكمن في أننا حتى هذه اللحظة مازلنا نعتمد فقط على وعظ وإرشاد المعلمين متحاشين اتخاذ أي اجراء محاسبي يحتكم إلى معايير معلنة يضمن لنا تحقق أهداف منهجنا التعليمي. إذن، لابد من بناء معايير واضحة ومحددة لما يجب أن يكون عليه أداء الطلاب وأداء المعلمين ومن ثم بناء أدوات القياس التي تمكنا من التعرف على مستوى هذا الأداء، وما لم يتحقق ذلك فستصبح المحاسبة غير ممكنة، وهو الأمر الذي أدى إلى تواضع أدائنا التعليمي.
|
|
|
|
|
