| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة:
بعد التحية:
نعم هي تلك الفتاة البسيطة التي لم تجعل من بهارج الدنيا وزخرفها إلا دروساً وعبراً لها بل ربما يزيدها ذلك إيمانا وتقوى وبالتالي تتحاشى الخوض في متاهات الدنيا والنيل من ملذاتها وذلك لأصالتها والتزامها بتقاليدها وعاداتها فمجتمع القرية مجتمع صغير ومحدود، مجتمع شديد الالتزام والأخذ بالعادات المعهودة، مجتمع يحاسب على الصغيرة قبل الكبيرة .. وبالتالي فعلى تلك الفتاة ان تتوخى الوقوع في مواقع الشك والريبة حتى لا تعطيهم الفرصة بأن تجعلم يأخذون سيرتها مسلى لهم في مجالسهم وتجمعاتهم، لذلك فهي شديدة الحرص حتى على حركاتها وأسلوبها وكلامها حتى لا يخرج منها ما يسمى «بالعيبة» حتى في خروجها الى الأسواق فهي قبل اقتنائها وشرائها لملابسها تجعل في ذهنها مدى قابلية مجتمعها ورضاه عن تلك الملابس خصوصاً ان ذلك المجتمع الصغير برغم صغره إلا انه شديد الالتزام بتعاليم الدين الإسلامي وبخاصة في الأمور التي تخص الفتاة لأن الفتاة عرضة للمخاطر ومهددة في الوقوع في دروب الشك هذا بالنسبة للقواعد والأسس التي ترسخها تلك الفتاة في ذهنها حتى تحفظ نفسها وترضي الجميع وفي مقدمتهم والديها.
نأتي الى ذلك التفكير والى تلك الثقافة التي تتحلى بها تلك الفتاة ايضا البسيطة وأنا لا أعم في ذلك جميع الفتيات فهذا يعتمد على مدى القابلية ايضا والرغبة الملحة في ذهن كل فتاة . وأنا سأتكلم عن تلك الثقافة وتلك العقلية المتفتحة التي تتمتع بها تلك الفتاة رغم تلك الظروف ووجود التناقض الواضح بين ثقافتها والبيئة الموجودة بها ، فالمواهب لا تخرج أبدا من فراغ وهذا سر موهبتها، أقصد بنت القرية فالظروف القاسية والمواقف الأليمة جعلت منها أديبة يافعة وكذلك مرور تلك الأيام العصيبة عليها كونت منها شخصية متفتحة واعية ومثقفة وكذلك سنين الحرمان التي حرمها مجتمعها فيها من ممارسة هواياتها جعلتها تخرج مشاعرها المكبوتة وكل ما يخالج نفسها وتبثها في الأوراق لتجد منها المنفس الوحيد والمخرج الذي يخرجها من همومها وآلامها لتتكون بذلك الجمل والعبارات فتخلق منها أسلوبا جميلا وعبارات أكثر من رائعة بعدما صقلت تلك العبارات بالآلام والمصاعب.
نعم فلربما بنت القرية تفوق بعض بنات المدينة بالكثير الكثير من الصفات العقلية والخلقية ومدى تفكيرها بالرغم من وجود التناقض الواضح، فبنت المدينة تجد التوفير التام من كل ناحية وبغض النظر عن التوفير فهي قريبة من كل شيء عكس تلك البسيطة التي تلاقي المشاق وتعاني من المتاعب لكي تصل الى مبتغاها والى هدفها المنشود.
ورغم كل ذلك فهي تكون في قمة السعادة بل تجد حقا لذة للسعادة عندما تحصل على الشيء بعد عناء وجهد طويل فهي تجد طعما خاصا عندما تحصل على هذا الشيء وتحقق شيئا من هدفها لأنها لم تحصل عليه باليسير بل بشق الأنفس.
ورغم ذلك ايضا فهي تقابل الأمور ببشاشة وعفوية تامة فابتسامتها لا تفتأ ان تفارق محياها الجميل وايضا يلجأ اليها الصغير قبل الكبير أما هي فقد عانت وصبرت وتحملت المآسي واتخذت من الأمل شعارا لها لمواصلة السير في طريقها الذي رسمته هي بنفسها أي بالاعتماد على نفسها ضربت كل من يقف حجر عثرة في طريقها بعرض الحائط تسلحت بالإيمان والصبر لتقوي بهما عزيمتها وتعزز الإرادة القوية عندها . وكما قال الشاعر: لاستسهلن الصعب وأدرك المنى
فما انقادت الآمال إلا لصابرٍ فهي تتخذ من تغريد العصافير وشقشقتها التي تصحو على أصواتها كل صباح حافزاً ودافعاً لكي تكتب وتكتب دون كلل او ملل . كذلك شروق الشمس الذي يوحي منظره الخاص المشرق من جبال تلك القرية بالتفاؤل والأمل والصمود ، كذلك تلك الجبال الشامخة التي اتخذتها قدوة لها في شموخها وصمودها وثباتها بالرغم من وجود الزلازل والبراكين في كثير من البلدان الأخرى، كذلك تلك السماء الصافية التي تبعث على الاطمئنان وصفاء النفس والروح وتلك الغيوم البيضاء التي تعكس نقاوة قلبها وصفاءه من جميع ألوان الحسد والحقد والكراهية.
فقلبها ابيض ناصع وصاف كصفاء الماء العذب من كل شائبة فهي تحمل بين طيات ضلوعها الأمل والتفاؤل والطموح الذي ليس له حدود.
منيرة البكر التميمي
حائل محافظة الغزالة
|
|
|
|
|