| مقـالات
بدأ العد التنازلي لبدء موسم الحصاد العلمي مع ارتفاع درجة حرارة الصيف. وبدأت الغالبية من الآباء والأمهات تستيقظ وتحث أبناءها على المذاكرة وبذل مزيد من الجهد والاستعداد، وهناك فئة أخرى لم تستيقظ بعد وهذه الفئة من النوع الذي يستيقظ قبل الاختبار بأسبوع.
وهناك الفئة التي مستيقظة منذ وقت مبكر منذ بداية العام. من الصعب تحديد نسبة كل فئة دون دراسة علمية ولكن الفرضية تقول بأن الفئة الوسطى والأخيرة تشكل الغالبية وربما تكون الوسطى هي الأكثر.
وهذه الفرضية تؤكدها النتائج من خلال الاطلاع عليها في الصحف التي تقوم بنشر نتائج الثانوية العامة كل عام للبنين والبنات، والتي تظهر التقديرات وتبين أن نسب الامتياز هي الأقل يليها نسبة تقدير جيد جيدا جدا ثم جيد ومقبول والعلم عند الله بعدد من لم يسعفه جهده أو لنقل حظه في الاجتياز!!.
وأحسب أن ما ينسحب على الثانوية العامة ينسحب على كل المراحل التعليمية بما فيها المرحلة الجامعية.
لقد جرت بل تمت محاولات لتخفيف رهبة الموقف المتعلق بالاختبارات. يبدو لي أن كلمة امتحان كانت هذ اللفظة الشائعة. والامتحانات ومفردها ربما امتحان وفعلها امتحن ومصدرها ربما محن وهي تعني التدبير والتهذيب وتعني الاختبار حيث يقال محنته وامتحنته بمعنى خبرته واختبرته وبلوته وابتليته والمحنة جمعها محن المحنة لفظة قاسية المعنى وغير محببة على الاطلاق لأنها تعني النكبة أو أزمة شديدة والمحن بكسر الميم وتسكين الحاء تعني الضرب بالسوط كما ورد في لسان العرب.
ولذلك ربما استبدلت بكلمة اختبار وهي في نظري ألطف وأكثر تهذيباً وتعبيراً وهي ربما أكثر قبولاً أيضاً من كلمة فحص التي يستخدمها الإخوان في بلاد الشام لأن الفحص مرتبط بالنواحي الصحية. وعلى كل حال فهاتان الكلمتان موجودتان في اللغة الإنجليزية بنفس المعنى الصحي (test*examine).
لقد نجحت وزارة المعارف بشكل جيد في استبدال كلمة تفتيش بكلمة توجيه واستبدلت كلمة مفتش بكلمة موجه، وبهذا نستطيع أن نقول ان عقدة الكبار قد انحلت. يقصد بالكبار هنا المعلمين.
لم يعد المعلمون يخشون التفتيش والمفتش لأن العملية أصبحت توجيهية تقويمية أو تقييمية إن صح التعبير وهو بالتأكيد صحيح بأحدهما!!.
ولعل المدلول التطبيقي يتوافق مع لفظ التوجيه والموجه وليس مع لفظ التفتيش والمفتش ولعل الكلمات لا تكون من نوع المترادفات لأن لغتنا العربية من أغنى اللغات في الاشتقاق والترادف وفي تشابه الألفاظ واختلاف معانيها وفي اختلاف الألفاظ وتشابه معانيها أو لنقل تفعيلاتها وتطبيقاتها!!.
هناك فرضية تقول ان كلاً من وزارة المعارف ورئاسة تعليم البنات نجحتا في التقليل من النفور من التعليم والنفور من الالتحاق بالمدارس نتيجة لإلغاء العقوبة الجسدية المتمثلة في الضرب الذي يعتقد أنه أصبح في حالات نادرة ومحدودة ولا يقوم بها إلا مدير المدرسة وفي حالة تأكده من مردودها الإيجابي.
العقاب الجسدي للتلاميذ هو ما يسبب ألما جسديا ومن المفترض أن يكون بشكل أساسي معاقبة لتلفظ الطالب بألفاظ مرفوضة اجتماعيا أو نتيجة لسلوك مشين إلا أنه تجاوز ذلك في مدارسنا ليشمل من يجيب خطأ في الفصل أو يقصر في حل الواجبات.
ويهدف العقاب الجسدي الى منع تكرار مثل ذلك اللفظ أو السلوك من المعاقب أو غيره وجعل المعاقب عبرة للآخرين فلا يقوم بنفس السلوك.
وعلى كل حال يبدو أننا لم نعد نسمع بعصا الخيزران ولا بالضرب بالمسطرة على ظهر الكف ولا بإبرام قلم الرصاص بين الأصابع ولا بالقبض على الأذن أو عضلة الذراع مع حصاة صغيرة ولا بربط الرجلين بالغترة أو الشماغ أو قبضة اليدين والنزول ضرباً على بطن القدمين أوما يسمى بالفلكة في بعض الأقطار العربية.
لم نعد أيضا نسمع بأن الأستاذ يعاقب بعض الطلاب بإيقاف الواحد منهم على رجل واحدة طوال الحصة وإذا أنزل أحدهم رجله فله نصيبه من العقوبة حسب المتوفر من الوسيلة في حينه أو يجعله يقف ووجهه الى الحائط.
لم نعد نسمع من الآباء المقولة المشهورة (لكم اللحم ولنا العظام) أي للمدرسين. قد يقول البعض انني خبير أو صاحب تجارب!! أو صاحب معاناة وآمل أن تحسنوا بي الظن وتجعلوني في مرتبة المتفرج وإن لم يخل الأمر من بعض التجارب القاسية. وأحسب أن آثارها زالت ومحوتها من ذاكرتي!!
وعلى كل حال هناك مثل يقول (ليس هناك رأس لم يهب عليها الهواء وفي رواية أخرى يهبها الهواء). ربما لا يزال بعض الآباء يترحم على مثل تلك الأساليب التربوية القاسية وقد يكون معهم حق وقد لا يكون وذلك حسب مدى نجاح تطبيق الأساليب التربوية الحديثة مع أبنائهم بشكل جيد سواء في المدرسة أو البيت.
إن إلغاء العقوبة الجسدية لا شك أنها خطوة جيدة ولكن هناك اختلاف حول الإلغاء التام لها ليس فقط في المملكة ولكن حتى في المدارس العامة في كثيرمن ولايات الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر صاحبة نظريات وفلسفات تربوية رائدة.
لاتزال كثير من الولايات تطبق العقوبةالجسدية. بينما في ولايات أخرى ومجتمعات أوروبية يلاحقون الآباء الذين يضربون أبناءهم للتأديب. على كل حال هذا موضوع يحتاج الى تناوله ربما في مقال آخر وذلك لتشعبه واختلاف الآراء حوله.
وإذا قلنا بأن وزارة المعارف نجحت في حل عقدة الكبار وفي إلغاء العقوبة الجسدية للتلاميذ، إلا ان الجانب الذي لم تنجح فيه وزارة المعارف وغيرها من الجهات ذات العلاقة بالعمليات التعليمية هو حل واحدة من أهم عقد الصغار (تلاميذ المدارس بنين وبنات وطلاب الجامعة والكليات بنين وبنات) الذين هم أشد حاجة الى حل عقدتهم بل هم أشد حاجة في ألا يتسلل الى نفوسهم أي نوع من العقد!! لأن العقد عندما تتسلل الى النفس في عمر مبكر فإنه يصبح من الصعب حلحلة هذه العقد. هذه العقدة تتمثل في الاختبار بل في رهبة الاختبار. كيف نقيم الجهد العلمي للتلميذ والطالب؟؟
من منا لا يذكر المثل الذي كان يتمثل به الكثير من أساتذتنا (عند الامتحان يكرم المرء أو يهان) لماذا الإهانة.
كان القلة يقولون لنا (من جد وجد ومن زرع حصد ومن سار على الدرب وصل) ويقولون لكل جواد كبوة ولكل صارم نبوة.
هذه عبارات محفزة وجيدة ولا فيها إهانة. كانت الدراسة سنوية والاختبارات تتمثل في اختبار واحد في نهاية العام الدراسي وتخصص له كافة الدرجات وهنا مكمن الخطر. لقد جرت محاولات للتخفيف من رهبة الاختبار النهائي وذلك بالتقليل من درجاته.
كان هناك اختباران خلال الفصل الدراسي عليهما نسبة من الدرجات واختبار نهائي عليه نسبة أكبر قليلا وهكذا الحال في الجامعة ولا يزال، إلا أن التعليم العام أنقصت الاختبارات فيه الى اثنين واحد خلال الفصل وواحد نهائي وذلك بدلا من ثلاثة.
وهذه خطوة من خطوات التخفيف.. تقسيم العام الدراسي الى فصلين خفف من هذه الرهبة قليلا لكنها لم تنته ولن تنتهي ولكن المطلوب تخفيفها الى أقصى درجة. إجراءات الاختبارات فيها نوع الاستفزازات في أحايين كثيرة.
قد يدخل المراقبون الى قاعة الاختبارات متجهمي الوجوه أحيانا دون سلام أو كلام من باب التأكيد على قوة الشخصية وهذا أمر ليس له علاقة بقوة الشخصية ولا يتفق مع اللياقة واللباقة ومبادئ الدين الإسلامي حيث السلام سنة.
ويوزع المراقبون على القاعات والغرف بحيث تجد مراقبين أو ثلاثة أحيانا في غرفة لا تستحق إلا مراقباً واحداً. إن هذا العدد يربك الطلبة والتلاميذ ويشعرهم وكأنهم مذنبون. من المفترض أن نعتبرهم بريئين من التفكير في الغش حتى يثبت عكس ذلك.
عندما تدخل الى غرف وقاعات الاختبارات فإن أول ما يواجهك هو كتب ودفاتر الطلبة والطالبات مرمية ومتناثرة خارج القاعة ويمنع منعا باتا إدخالها الى القاعة. إن هذا التصرف في نظري يلغي مكانة الكتاب وأهميته عند الطالب أو الطالبة حتى أن الكثيرين لا يأخذنه من مكانه الذي رماه فيه بعد الانتهاء من الاختبار، ثم أننا بهذه الطريقة ننزع الثقة من الطالب والطالبة. أعتقد أنه بالإمكان زرع الثقة بدلا من نزعها والسماح بإدخالها ووضعها على الأقل في الجزء الأمامي من غرفة أو قاعة الاختبار.
بعض الأساتذة لا يسعى أبدا في الإيضاح لبعض الاستفسارات من الطلاب وما يجتليها من غموض ويصر على وضوح الأسئلة، بينما بعض الأسئلة بالفعل تحتاج الى توضيح وبعضها به أخطاء مطبعية وغيرها.
بعض الأساتذة لا يحرصون على توجيه التلاميذ والطلاب بما عليهم الالتزام به في قاعة الاختبارات وبما عليهم القيام به قبل البدء في توزيع الأسئلة وذلك بطريقة بشوشة.
من المفترض الاستهلال بكلام طيب وتنبيه الطلبة بطريقة لبقة بأن هناك بعض الكتابات ربما على مقاعد الدراسة قد تكون من أشخاص آخرين فعلى كل واحد التأكد من مقعده حتى لا يقع تحت طائلة العقوبة.
أعتقد أنه وفي هذه الحالة حتى ولو كتب أحدهم فإنه سيجد مخرجاً له من المأزق وسيخجل من تصرفه ولكنه سيقدر ذلك للمدرس أو المراقب وسيتعلم ذلك التصرف كسلوك يطبقه في حياته فيما بعد. (إن الكتابات على المقاعد والجدران لافتة جدا للنظر وتحتاج الى دراسة جادة ومعالجة جادة) ومن هنا أوردتها هنا كمثل.
من المفترض التنبيه وعدم التربص بالطلاب والتلاميذ والحرص على خلق جو الثقة والاطمئنان.
من المفترض أن يكون التقييم صائباً لمحاولة الغش عند المعاقبة والضبط بالتلبس.
إنه وكما ذكرت في السابق ليس هناك البديل التقويمي للتلاميذ والطلاب وليس مطلوب إلغاء الاختبار ولكن التقليل من الحيز الكمي للدرجات الذي يستحوذ عليها وتهيئة مناخ ملائم للاختبار مع محاولة التفكير في طرق مساندة ومحفزة تنهي رعب الاختبارات.
إننا بحاجة الى تفعيل دور الطالب في البحث عن المعلومة بدلا من تلقيها واستذكارها واجترارها عند الاختبار ثم نسيانها
إنه وفي ظل غياب البديل في الوقت الحاضر فإنه لا مجال أمام الطلبة والتلاميذ والأسر إلا وضع استراتيجيات لخوض غمار الاختبارات.
أولى هذه الاستراتيجيات هي إعلان حالة الطوارئ في المنزل كمنع الخروج إ لا في حالات الضرورة القصوى والتقليل من مشاهدة التلفزيون إلى أقصى درجة إلا لمن أنهى المذاكرة أو لأخذ قسط من الراحة لمدة وجيزة لمشاهدة أخبار أو ما يعتقد الطالب أو التلميذ أنه يفيده ويريحه. النوم المبكر والاستيقاظ المبكر.
البعد عن المنبهات أياً كان نوعها. عدم مواصلة السهر حتى الانتهاء من الاختبار في اليوم التالي لأن ذلك فيه مخاطر عديدة كالحوادث نتيجة النوم أثناء القيادة في الطريق الى الاختبار أو العودة منه أو النوم قبل البدء في الاختبار، ثم عدم القدرة على التركيز أثناء الإجابة، وضع جدولة للمذاكرة والالتزام بهذه الجدولة والتقليل الى أقصى حد من الالتقاء بالأصدقاء خارج إطار المدرسة إلا لضرورة ملحة.
استغلال هذه الأيام في الاستفسار عما يشكل على التلميذ أو الطالب بالذهاب المتكرر الى مكتب عضو هيئة التدريس أو المدرس أو السؤال أثناء المحاضرة وعدم الاكتفاء بمجرد الاستفسار عن طريقة الأسئلة ونوعيتها. ومن الاستراتيجيات أيضا المذاكرة لكامل المقرر وما تم مناقشته دون التخمين وتقليب الصفحات والقول بأن هذا مهم وهذا غير مهم وهذا سيأتي في الاختبار وهذا لن يأتي لأن ذلك مجرد احتمال ونتائجه خطيرة جدا وفي الغالب عدم اجتياز هذا المقرر أو ذاك.
عند استلام التلميذ أو الطالب لورقة الأسئلة فعليه. أولا كتابة اسمه ورقمه إن كان له رقم، ثم البدء في قراءة الأسئلة كاملة ثم البدء بالإجابة على أسهل الأسئلة ثم السهل ثم الصعب ثم الأصعب.
التأكد من ترقيم الاجابات والتأكد من أنه تمت الاجابة على كافة الأسئلة. عدم الإسراع بالخروج من القاعة ومحاولة أخذ الوقت المخصص للاختبار كاملا.
المراجعة وعدم اليأس من القدرة على الإجابة على سؤال أو أكثر والاستمرار في محاولة التفكير والتذكر. إذا كانت الأسئلة هي على طريقة الاختيار للإجابة الصحيحة من بين الإجابات أو طريقة صح أو خطأ فيجب عدم ترك أي إجابة فارغة لأنه قد تصيب الاجابة الصحيحة بالتخمين. العودة الى المنزل مباشرة بعد الاختبار دون إضاعة الوقت في مناقشة الاختبار المنصرم أو الذهاب للمطاعم أو التجوال دون هدف لأن ذلك سيكون على حساب اختبار المقرر المقبل.
على الوالدين توفير جو الهدوء في المنزل والالتزام بنفس برامج الأبناء في الصحو والمنام والارتباط بشكل أكبر بالمنزل خلال فترة الاختبارات.
الكثيرون يحلمون بإجازات بعد نهاية الاختبارات والجميع يتمنى ألا يتعثر أحد من الأبناء أو البنات في أحد المقررات مما يقود الى تعطيل الركب وضياع متعة الإجازة بل ربما التمتع بها.
لا شك أن الكثير مما أوردته في هذه المقالة هي من واقع تجربة بل تجارب سواء كان ذلك على مقاعد الدراسة في التعليم العام أو الجامعي أو كان ذلك من خلال تجارب التدريس في المرحلة الجامعية لأن تجربتي في التدريس في التعليم العام لم تكن إلا لفترة ثلاثة أشهر فقط. هناك تجارب اكتسبتها من أساتذة أفاضل كما رفضت منهم ومن غيرهم بعض الممارسات.
آمل أن ينفع الله بها كما آمل التواصل مع المهتمين لبحث ومناقشة موضوع العقوبة الجسدية ومحاولة التفكير في الإجابة على الأسئلة التالية..
هل وصلنا الى مرحلة الإلغاء التام للعقوبة الجسدية في المدرسة.. هل البديل التربوي متوفر؟ هل الوعي التربوي متوفر؟ هل المدرس مؤهل ومقنع؟ هل المدرس محمي بقوانين تربوية صارمة؟ هل هناك تفعيل لدور المنزل؟ هل ينطبق هذا القول (من أمن العاقبة أساء الأدب) على التلاميذ؟
وكذلك التفكير في طرق أخرى للتقييم مع الاختبارات أو بدونها. والله أسأل التوفيق والسداد.
جامعة الملك سعود كلية الآداب قسم الجغرافيا
البريد الإلكتروني
zahi_2000@hotmail.com
|
|
|
|
|