| شرفات
* * لا يولد الإنجاز فجأة، أو بين يوم وليلة! إنه يحتاج الى جهد وصبر السنين، وهناك شخصيات كبيرة ارتبط انجازها بمشروع بعينه او بفكرة ما تشغل بال صاحبها وتلح عليه مع مر الأيام وكر الشهور. من هذا المنطلق أسست الأميرة سارة الفيصل جمعية النهضة النسائية الخيرية بالمملكة في عام 1962م ، وكان الأمر أشبه بالحلم الذي ينمو في رحم الحياة والواقع ويتحقق شيئا فشيئا.
واحتفاء بالمشروع وهو يوشك ان يبدأ عقده الخامس نشر الكاتب عادل حافظ الجزء الأول من موسوعته عن المرأة العربية وخصصه للحديث عن سارة الفيصل رائدة العمل الخيري والتطوعي بالمملكة . وهو حديث عن أنشطة جمعية النهضة النسائية مثلما هو حديث عن مؤسستها الأميرة سارة الفيصل.
يقع الكتاب «سارة الفيصل وعطاء الزمن الجميل» في أربعة فصول او أربعة محاور تغطي مائتي صفحة، يركز الفصل الأول على الأسس التي تنبني عليها رؤية سارة الفيصل للعمل النسائي الخيري، فهذا العمل تفرضه ضرورة مواكبة روح العصر وضرورة تنظيم طاقات المرأة السعودية في اتجاه فاعل ومثمر. كما أن هذا العمل ينطلق بالأساس من القيم والتقاليد الإسلامية التي أعلت من شأن المرأة وأعادت اليها وعيها المغيب لتشارك الرجل كفاحها نحو غد أفضل.
بناء على هذه الرؤية تعددت أهداف الجمعية وبرامجها التي تسعى الى تنمية قدرات المرأة وتوجيهها بما يتلاءم مع تعاليم الشريعة الاسلامية، وكذلك التعرف على ملامح اهتمامات المرأة مع نهضة المجتمع السعودي ، بما يمنح الجمعية بعدا حيوياً دينمايكياً من خلال التفاعل بين الفكر الاجتماعي والواقع.
تشكلت الجمعية وفق هذه الأهداف وبدأت مزاولة نشاطها بالفعل في يوم 5/6/1963م تحت رعاية صاحبة السمو الملكي الأميرة سارة الفيصل وشقيقتها صاحبة السمو الملكي الأميرة لطيفة الفيصل . وإذا كان عدد الجمعيات المسجلة بوزارة الشؤون الاجتماعية حاليا يبلغ «173» جمعية، فيمكن القول تأكيدا على ريادة الجمعية انها تحمل رقم 2 بين الجمعيات المشهرة من قبل الوزارة .. ووصل دعم الجمعية الى ما يزيد عن «1257» أسرة و«404» أرملة، علاوة على انشاء العديد من المدارس للأطفال الأصحاء وكذا للمعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة.
يركز الفصل الثاني على علاقة الأميرة سارة بوالدها المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز، وكذلك بجدها المؤسس جلالة الملك عبد العزيز آل سعود، رحمهما الله. ففي مدرسة آل سعود تشكل وعي الأميرة سارة وأدركت ان سلطة الحكم هي سلطة مبادئ لا منافع شخصية، وأن على المسؤول أيا كان مستوى المسؤولية ان يدافع عن حقوق المواطنين بصدق وتجرد وأمانة . ويأتي اتجاه سارة الفيصل الى العمل النسائي الخيري متماشيا مع حرص أبيها الملك الفيصل رحمه الله على أن تبلغ المرأة السعودية مركز الصدارة، ولن يتم هذا الا بانتشار المراكز التعليمية والتأهيلية والثقافية المنوط بها تحقيق هذا الأمر.
وبينما خصص الفصل الثاني للحديث عن علاقة الابنة بأبيها القائد والانسان، والذي هو بلا شك أحد صنَّاع التاريح في الوطن العربي في النصف الثاني من القرن العشرين، نلاحظ ان الفصل الثالث اهتم بأنشطة الجمعية ولجانها، حيث تتكون الجمعية من ثماني لجان هي: الإعلام والعلاقات العامة، التأهيل الخاص، التراث والصناعات التقليدية، التعليم، الثقافة والفنون، الخدمات الاجتماعية والصحية، رعاية الطفولة وأخيرا لجنة المالية والتبرعات.
وسعيا من أجل تفعيل هذه اللجان وما يتبعها من مراكز ومدارس حرصت الجمعية باستمرار على «سعودة» الوظائف بها باعتبار ان هذا مبدأ وطني.
وقد حصلت الجمعية مؤخرا على شهادة تقدير من صاحب السمو الملكي الأميرنايف بن عبد العزيز وزير الداخلية ورئيس مجلس القوى العاملة نظرا لجهود الجمعية في توظيف العمالة الوطنية.
تهتم الجمعية اهتماما بالغا بمحو الأمية على كافة صورها، سواء أكانت أمية لغة أم أمية ثقافة أم أمية صحية، تقول الأميرة موضي بنت خالد الأمينة العامة للجمعية: ويكفي فخرا بجمعية النهضة النسائية ان الأميرة سارة الفيصل هي أول القيادات الاجتماعية النسائية التي نادت منذ أكثر من سبعة وثلاثين عاما بأهمية ان نولي العناية بالصحة اهتماما كبيرا في حياة المرأة والطفل والأسرة السعودية.
وكان من أبرز انجازات الجمعية الاهتمام الجاد والفعّال بالأطفال المعاقين وذوي الاحتياجات ، فافتتحت أول مدرسة للأطفال الداون عام 1986م كأول مدرسة تربوية سعودية متخصصة في هذا المجال.
تقول الأميرة سارة الفيصل: ان عمليات تأهيل المعاقين لم تعد ترفا او إضاعة للجهد والمال، بل أصبحت ضرورة والتزاما حضاريا.. ومن هذا المنطلق يتم تدريبهم على حياكة الملابس والتطريز وبعض الصناعات اليدوية البسيطة لاعادة تأهيلهم داخل نسيج المجتمع.
أما على صعيد الأنشطة الثقافية والفنية نجد ان للجمعية سوقا خيريا سنويا تحول مع الوقت الى احتفالية ثقافية سعودية. وهناك فعاليات مركز التراث وكذلك تقدم دورات عالية المستوى في مجالات الكمبيوتر واللغات والفنون التشكيلية وبرامج الأطفال وغير ذلك.
وفي يوم 5/5/1999م احتفلت الجمعية برعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض بالذكرى المئوية لتأسيس المملكة، وافتتحت عدة معارض للتعريف بمنجزات الجمعية برعاية كريمات الملك عبد العزيز رحمه الله . وكان من أهم الأنشطة في هذه الاحتفالية فيلم «بحثا عنك عبد العزيز» الذي يقدم رؤية فنية للأدوار البطولية للمؤسس المغفور له جلالة الملك عبد العزيز آل سعود وما تحمله من مشاق في سبيل توحيد المملكة.
وجاء هذا الفيلم كثمرة مشتركة للفنانة المميزة سارة بنت ماجد بن عبد العزيز، التي درست الفنون بباريس، وللفنانة مها بنت محمد الفيصل كاتبة السيناريو. والجدير بالذكر ان مركز التراث بفعالياته المختلفة خصصت له لجنة برئاسة الأميرة بسمة بنت ماجد والأميرة مها بنت محمد الفيصل.
ثم يأتي الفصل الرابع والأخير من هذه الدراسة ليتحدث عن بعض القضايا الحضارية العامة والتي تتعلق بوضع الرجل والمرأة في الإسلام «حقوق وواجبات» وأهمية الوعي التربوي وتكامل مجالات التنمية وما يواجه المرأة العربية من تحديات.
ورغم ان هذه الإطلالة على الجمعية ينقصها الكثير من التوثيق والإحصاءات إلا أن الكتاب يقدم ما يشبه البانوراما او الخطوط الأولية لأحد صروح النشاط الاجتماعي بالمملكة.ويكفي ان نشير الى ان الأميرة سارة الفيصل تنظر الى النهوض بالمرأة على أنه نهوض بالوطن وكان يمكن ان تقنع بكونها إحدى مثقفات الأسرة الحاكمة لكنها أخذت على عاتقها عبء الريادة وشق طريق غير ممهدة باتجاه العمل التطوعي العام، وعلى حد تعبير الأميرة موضي بنت خالد: «تؤمن سارة الفيصل بأن جوهر الوطن هو في مضمونه البشري .. وأن سلامة الوطن لا تكون بخلاصه من الأخطار الخارجية وحدها، بل بسلامة جسمه الاجتماعي من الشوائب الداخلية، وبتماسك الجسم وفاعليته».
شريف صالح
|
|
|
|
|