| مقـالات
يتلقى أبناؤنا في مدارسهم دروساً لا بأس بها في مجال التربية الوطنية.. ويتلقون هذه الدروس التلقينية من خلال حصة تنعت بهذا الاسم ضمن المنهج المدرسي شأنها في ذلك شأن حصة الألعاب أو الرسم والأشغال.
هذا فضلا عن جفاف موضوعاتها، ويتلقاها الطالب ولا يعي كنهها ولكن عليه أن يحفظها ثم يسترجعها دون أن يتقنها، بل والأدهى من ذلك أنه لا يتفاعل معها التفاعل الموجب كما يستدخلها في ذاته حتى تصير جزءا من شخصيته الوطنية والتي يستهدف منها ولا شك ارتباطه بوطنه وانتماؤه له كياناً ومصيراً وواقعاً.
ونحن إذ نرى ان التربية الوطنية يتشربها الطفل في بيئته الطبيعية حيث انها تمثل ذلك الواقع الاجتماعي الذي يعيشه ويدركه ويفهمه، فهو يتعلم من بيئته الحاضنة أكثر مما يتعلمه من الكتب التي تزخر بها حقيبته ويئن منها ظهره، وعضلات كتفه وسواعده ففي البيئة يقوم بعملية رصد الواقع، ويجهد نفسه في محاولة فهمه بمساعدة من الوالدين لأن واقع الأحداث الوطنية ومواقفها ليست في منأى عنهما وإن كان فتتناقلها الأجيال الصاعدة جيلا بعد جيل، وبالتالي فإنها لا تعصى على الفهم، وهي أثمن وأزخر مما تحمله الكتب بين طياتها مضمونا ومنهجا.
ان في كافة المواد العلمية التي يتلقاها الطالب قد لا يثور أي إشكال يتعلق بالمنهج والمضمون، إذ انه في حدود المقرر المسموح به، وفي حدود أبعاده الواضحة المعالم، بيد ان الأمر جد مختلف إذا تعلق بالتربية الوطنية حيث تتناول وقائع التاريخ وقيم المجتمع واتجاهاته الاجتماعية، ومحدداته الثقافية وأبعاده السياسية، كما تتعلق بحياة المواطنين المعيشية وعلاقاتهم وسلوكهم المجتمعي، وهنا تتداخل وتتشابك عدة متغيرات، وعوامل مختلفة، وزخم في المواصفات تجعل من المحتمل والجائز ان يدخل المعلم مع الطالب في سجال بل في حوارات وقضايا جدلية )ميتافيزيقية( ذات صلة قريبة أو بعيدة بمحتوى التربية الوطنية.
وليس في الوضع الراهن الذي نلاحظه في التربية الوطنية ان موضوعاتها ساكنة بل هي حية حيث دينامية وقائع وظروف الواقع المجتمعي خاصة ما جلبته الينا القنوات الفضائية من عوامل التغريب الثقافي، والظواهر الفكرية وما تبع ذلك من نقل آلي وحرفي لتقاليد غير تقاليدنا، واتجاهات ليست اتجاهاتنا، بل دعونا نتصارح ونقول وقد جلبت الينا قيما مسلكية لا تنتمي لمسلكياتنا وتأتي الينا مستترة أحيانا وصريحة أخرى.
وبات هدف التربية الوطنية هو الحفاظ على هويتنا وشخصيتنا الوطنية المميزة كما تهدف الى فهم وتحقيق الذات الوطنية.
والأدعى لتكريس هذه الأهداف هو وسائط ونظم التنشئة الاجتماعية في تعاون مع النسق التعليمي الذي لا نستطيع ان نقلل من فائدته ومزاياه في هذا الخصوص، ولكن يتوجب أن ينسجم عطاؤها مع املاءات البيت وتوجيه المسجد، والاخبار الاعلامي ومعطيات النادي وملتقيات الجماعات، فجميع هذه الأنساق لها دورها في التربية الوطنية، وتعمل في محاولة دؤوبة لرسم القيم الاجتماعية الملائمة مما يحتم بقاؤها وتكريس واقعها بغض النظر عن درجة التطور والظروف والأوضاع السائدة في المجتمع.
فها نحن نبغي من مادة التربية الوطنية ان تكون مضمونا دون الشكل.
وهذا ما نطمح لبلوغه في ضوء المرتكزات المحلية المتعلقة بالمجتمع السعودي مع الاشارة بالطبع الى المجتمع العربي.
ومن المتيقن القول ان مادة التربية الوطنية يتوجب سواء قامت بها الأسرة أو قدمتها وسائط التنشئة أو درستها الانساق التعليمية فهي تشتمل على ركيزتين أساسيتين هما:
امكانات رصد الظواهر الاجتماعية والثقافية والوطنية، وامكانات الفهم الواعي لها ومن ثم فتفسيرها.
وما من شك ان الشقين يتعلقان بالتطوير التاريخي من جانب وبالظروف والمواصفات الاجتماعية والثقافية والسياسية من جانب آخر.
ولعله من الضروري إذن ان تشتمل مادة التربية الوطنية على الظواهر الفارقة على مر التاريخ الوطني فيما قبل توحيد المملكة على يد المغفور له طيب الذكر الملك عبدالعزيز آل سعود، والمرحلة التي تلت ذلك بقيادة أبنائه البررة وسياساتهم الحكيمة وقدرتهم على التمييز والمبادأة.
فلاشك ان كل وسائط التنشئة الاجتماعية تعي وتدرك أن المملكة العربية السعودية قد مرت بظروف مختلفة ومغايرة من حيث نشأتها وتطورها وفقا لمعطيات كثيرة ومتشابكة على الرغم من أنها تضرب بجذورها في أعماق التاريخ مما ينتج عنه التراكم الحضاري والثقافي الزاخر الذي ننعم في حضن النسيج الحضاري والثقافي والاجتماعي الذي يتبوأه مجتمعنا، وما لحق بذلك من ظواهر وتطورات وتنمية على كافة الأصعدة، وما يتصل بذلك كله من واقع مجتمعي ومعدلات للتنمية يشهد بها القاصي والداني وما لها من عوائد كثيرة ذات صلة بالمستويات المعيشية وكفاية الخدمات المقدمة، وأنظمة الرعاية المتوفرة.
الأمر الذي له تأثيره البالغ على ملامح خريطة الوطن الاجتماعية والثقافية.
ومن ثم جاز لنا القول ان حصة التربية الوطنية في مدارسنا لا تفي بغرضها إذا لم تساهم معها في تجانس مؤسسات التنشئة الاجتماعية الأخرى وعلى رأسها الأسرة التي عليها أن تكرس حقائق الواقع الاجتماعي بمعطيات دقيقة وآراء واضحة مدعومة بالصدق التاريخي والتفسير المنطقي مع كل ما يحيط بذلك من مواقف استفسارية، وتوقعات حوارية، واستجابات موقفية حسب الواقع المدروس، وتأملات فكرية في المعروض من التراث، غاية الأمر أننا نعني التنبيه الى ان حصة التربية الوطنية بوضعها الراهن قاصرة عن الوفاء بغرضها ما لم تساندها وسائط التنشئة الاجتماعية وأهمها الأسرة وعلينا ان ندعمها ونعزز امكاناتها ونزودها بالممكن من ثقافة وطنية مستدامة.
|
|
|
|
|