| العالم اليوم
تروي الأساطير اليهودية قصة قديمة اسمها«الحاخام والخنزير» وخلاصتها أن يهوديا كانت له زوجة وأم وسبعة أطفال يسكنون في غرفة ضيقة، فشكا اليهودي إلى حاخامه أنه لا يستطيع الحياة لضيق المكان وكثرة السكان، فنصحه الحاخام أن يحضر خنزيراً ليسكن مع الأم والزوجة والأولاد، فلما أطاعه اليهودي أصبحت حياته لا تطاق وأوشك على الانتحار.
وعاد اليهودي للحاخام يطلب النصح.. فقال له الحاخام: عليك إبعاد الخنزير عن الغرفة.
وحين أبعد اليهودي الخنزير عن الغرفة الضيقة المزدحمة أحس بالراحة!
ويكرر معنا الآن آرييل شارون قصة «الحاخام والخنزير»!!
شارون استباح أراضي السلطة الفلسطينية، وقصف مقار أجهزتها الأمنية ودمر مؤسساتها الرسمية ومنازل المدنيين وطرد سكانها في العراء، وفرض حالة من الحصار الشامل على جميع الأراضي الفلسطينية وصلت الى حد المجاعة، ثم يتهم الفلسطينيين بممارسة الإرهاب..!
يقوم الجيش الأسرائيلي بإعادة احتلال الأراضي الفلسطينية المحررة كما حصل في بيت حانون وخان يونس ورفح والقرارة ودير البلح لخلق واقع جديد على الأرض لنتفاوض عليه سنوات عديدة، فقبل انطلاقة انتفاضة الأقصى كنا نفاوض على اعادة الانتشار من 95% من الأراضي الفلسطينية، والآن سنتفاوض على الانسحاب من الأراضي التي احتلت في عهد شارون!
شارون يقتل الأطفال الرضع كالطفلة ايمان حجو ذات الأربعة أشهر والطفلة ريم أحمد ذات الثلاثة أشهر، ويتهم الفلسطينيين بقتل المدنيين الإسرائيليين!
وشارون كمن سبقه في رئاسة الحكومة الإسرائيلية، فكلما جاء رئيس وزراء جديد نقض ما تعهد به سلفه، وعاد ليبدأ مشوار التفاوض من جديد ويتشدد ليحصل على تنازلات جديدة!
الشيء المؤكد أن جميع وزراء وقادة اسرائيل في الحكومات المتعاقبة قد اتفقوا على القضاء على الشعب الفلسطيني!
قبل شارون كان باراك الذي وضع خطة «حقل الأشواك» التي تهدف الى تصفية الشعب الفلسطيني باعتبار ذلك أقصر طريق الى وضع نهاية أبدية للقضية الفلسطينية، والتي استعمل فيها الغازات المحرمة دوليا في قتل الفلسطينيين، وهي الخطة التي وصفتها الصحف الاسرائيلية بأنها عملية ابادة بطيئة ولكنها منهجية ومحسوبة ضد أبناء الشعب الفلسطيني ! وجاء شارون ووضع خطة «المائة يوم» وهي مكملة لخطة باراك!
وقبل باراك كان بنيامين نتنياهو:
نتنياهو يصنع الحدث السياسي.. ويجعل جميع الفرقاء والمهتمين يتعاملون معه، ثم يماطل ويتهرب من التنفيذ..!
يحتل الأرض ثم يضيف إليها المستوطنات!..
يتوسع ويتمدد في المستوطنات ثم يهدد بوقف تزويد مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بمياه الشرب المخصصة لهم حسب اتفاق اوسلو!!
يطالب الفلسطينيون نتنياهو بتنفيذ المبادرة الأمريكية لاعادة الانتشار في الضفة الغربية، فيقوم بالموافقة على توسيع الحدود البلدية لمدينة القدس إلى ستة أضعاف حجمها الحالي من خلال ضم المستوطنات المحيطة ومساحات شاسعة من أراضي الضفة الغربية المحتلة!!
في عهد نتنياهو لم يكن القرار بتوسيع الحدود البلدية لمدينة القدس أو بناء مستعمرة جديدة في رأس العامود مجرد إجرءاً إداري كما حاول أن يظهره، ولا حتى مجرد خطوة من خطوات تهويد المدينة، ولكنه يشكل جزءاً لا يتجزأ من سياسة فرض الأمر الواقع الإسرائيلية التي لم تختلف في عهد العمل عنها في عهد الليكود، وإن كانت في عهد نتنياهو اتخذت طابعاً أكثر صراحة ووضوحا.
نتحدث عن المعبر الآمن الذي يربط الضفة وغزة فيسارع بهدم المنازل في الضفة الغربية والقدس بحجة عدم الترخيص!!
نطالب برفع الحصار العسكري عن مدينة الخليل، فيبادر إلى التهديد باجتياح الاراضي الفلسطينية المحررة!!
نتحدث عن إعلان الدولة الفلسطينية فيقوم بالتلويح بالقوة ومحاصرة أراضي السلطة!! نطالب المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لوقف حملة التطهير العرقي ضد سكان القدس والتي تمثلت في سحب الهويات من أهلها فيقوم ببناء مستعمرة يهودية جديدة في حي رأس العامود في القدس الشرقية المحتلة!!
وقبل نتنياهو كان هناك إسحاق رابين:
في عهد رابين وفي نفس اليوم الذي أصدر فيه الكنيست الإسرائيلي قانوناً يمنع النشاطات الرسمية الفلسطينية في القدس في مخالفة صريحة لاتفاقية اوسلو التي تنص على أن المؤسسات الفلسطينية العاملة في القدس قبل توقيع الاتفاقية يمكنها أن تستمر في ممارسة نشاطاتها، وفي مخالفة أيضاً لتعهد الحكومة الإسرائيلية السري لمنظمة التحرير في اكتوبر 1993م بعدم إعاقة نشاطات المؤسسات في القدس الشرقية بدأ المستوطنون بتوسيع مستوطنة افرات القريبة من قرية الخضر الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة في نطاق توجه إسرائيل إلى بسط يدها على «القدس الكبرى» التي تمتد داخل الضفة الغربية المحتلة حتى تخوم بيت لحم جنوباً ورام الله شمالاً وأريحا شرقاً، وكثف رابين عملية بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية!
وكما اتفقت جميع الحكومات الاسرائيلية على القضاء على الشعب الفلسطيني، فإنها اتفقت على أن الاستيطان اليهودي هو ما يمكن أن يحسم في نهاية المطاف المصير النهائي للأراضي المحتلة، كما أن تأثيراته تمتد إلى مختلف القضايا المطروحة للتفاوض ، ومما يزيد من حدة المشكلة ويكسبها طابعاً شديد الإلحاح هو البرنامج الاستيطاني المكثف والذي يهدف لا إلى زيادة عدد المستوطنين في الضفة الغربية فحسب، بل إلى استكمال خلخلة تماسك وتواصل التجمعات السكانية الفلسطينية وإحكام شد العرى التي تربط المستوطنات القائمة حالياً بالتجمعات السكانية اليهودية داخل الأراضي المحتلة عام 1948م بإكساها ترابطاً جغرافياً في محاور مفصليةعلى خط حدود 1967م.
وفي حين أن حكومة رابين انتهجت سياسة انتقائية في مجال الاستيطان تحت يافطة للتصنيف الوهمي «الاستيطان السياسي» و«الاستيطان الأمني» وتغاضت عن تصرفات المستوطنين وتلكأت في التصدي لتصرفاتهم الإرهابية بل وتواطأت معهم في حملتهم المسعورة ضد الفلسطينيين، فإن حكومة نتنياهو ومن ثم باراك وشارون قامت بتسليح المستوطنين وأنشأت ميليشيا خاصة بهم تقوم بقتل الفلسطينيين وتخريب المدارس والمحال التجارية والمزارع وحرق السيارات وإطلاق النار على صهاريج المياه وإغلاق الطرقات وفرض الحصار على المناطق الفلسطينية!
ويلهث الفلسطينيون خلف شارون كما لهثوا خلف رابين وبيريز ونتنياهو وباراك لإخراج خنازيره من الأراضي المحتلة، ويحتارون في أي الخنازير سيخرج أولاً؟!..
ومع ازدياد عمليات القتل المنظم المنهجي للفلسطينيين منذ بداية أنتفاضة الأقصى، فان الحكومة الإسرائيلية مازالت تتحدث عن السلام!
إنه قدر الفلسطينيين أن ينتهوا من قضية تستمر لأشهر عديدة من المفاوضات السرية والعلنية وفي النهاية تحسم لصالح الإسرائيليين!! ليدخلوا في قضية جديدة!!
انه قدر هذا الشعب في أن تصبح وسائله .. غايات!!
انه قدر هذا الشعب أن يتعامل مع العقلية اليهودية المعروفة: إدخال أكبر عدد ممكن من الخنازير إلى الغرفة وبعد مفاوضات شاقة تستمر لسنوات، يتم في النهاية إخراج واحد منها!!
مع أن المطلوب أن يخرج شارون مع جميع خنازيره من الأراضي الفلسطينية!!
* كاتب وصحفي فلسطيني الرياض
|
|
|
|
|