| الاخيــرة
علي أن أعترف أنني لا أجد في نفسي هذا الأسبوع رغبة في الكتابة أو شجاعة لتحمل تحدياتها. وأنني اسحب نفسي الى موعدها اتعثر عمداً مرة، وأشعر ان زعانف لأيدٍ لا اعرفها تدفعني بعيداً عن شوكة الكتابة كلما أوشكت أن أمسك برؤوسها الحادة الصاعقة، مرات. فأقترب من الأوراق وهي تمد سطورها الناحلة نحوي كأذرع تشبه مشانق تتوق لأن تلتف حول عنقي، أقدم قدماً وأتراجع عدة خطوات بالقدم الشقية الأخرى. ومع ذلك لا أرحم حالي ولا حال القراء فلا أكف عن شد نفسي من تلابيبها الى وثاق العقد غير الموقع بين الجريدة وبيني ملوحة بيدي ليدي بتمر وتين وبفضاءات رحبة متخيلة أعلم سلفاً انها غير مضمونة أو مأمونة العواقب حتى على مستوى الخيال أو الوهم ولكن ما الذي يتعين عليّ ان افعل وقد اعلنت عليّ العصيان يدي غير ان استعين بملح الرجال، فأذروه على جراح كفي وأعدها برحاب وحريات لا املكها علها تطاوعني وتعود إلى عادة الكتابة أو عادياتها.
ادفع يدي امامي على الورقة كما يدفع الآباء الذين حرموا من نعمة التعليم أبناءهم الصغار دفعاً خارج المنزل أول يوم في المدرسة. فتتفرفط الاجنحة وتتثنى الثياب الجديدة ويتطلخ الصباح بالدموع والنشيج.
أجرجر نفسي نحو كمين الكتابة كما يجرجر الشباب والشابات ايضاً هذه الأيام انفسهم من لذة نوم الضحى وأحلام الصحو للبحث عن عمل يعرفون عن تجربة ودراية انهم لن يجدوه ولم تشفع لهم فيه الشهادات أو الطموح أو ذات الحاجة إذا لم يكن مشفوعاً بشفاعة نافذة.
اسوط القلم على الورق كما تسوط زوجة سليطة اللسان مكفوفة اليد زوجها من الصباح الباكر ليوصلها إلى الوظيفة في يوم عطلته.
لا اعرف كيف أفض هذا الاعتصام الذي تجرأت عليه اصابع يدي غصباً عني. فليس لي رغبة للكتابة في السياسة ليس لانه لا يوجد ما يكتب عنها ولكن لاني سئمتُ المساومة مع الرقباء الذين لايحصون وأولهم نفسي. وليس لي رغبة الكتابة في أي من القضايا الاجتماعية ليس لأنها أشد من الظلام في الليل الحالك ولا ادري بالتالي اي المواضيع أتخير منها ولكن لأن حلولها اصبحت اندر من القمل في رأس الأصلع حيث اصحابها انفسهم اما لا يبالون او لا يجدون مايساعدهم على الحل وان كان أمامهم، أو لأنهم لايريدون حلها لأنهم لايدرون لو حلت هذه القضايا ماذا سيفعلون وكيف سيديرون أزمة الفراغ والعزلة. وليس لي ادنى رغبة بالكتابة في أي من القضايا الفكرية أولاً لأن الصحف ليست حملا أو مكانا لمثل هذه القضايا الشائكة ، وثانيا لأنه ليس لدي استعداد للمساهمة في نشر مزيد من الضباب وانعدام الرؤية والتلوث البيئي السائد في الوطن العربي منذ حرب الخليج 1991 إلى يومنا هذا، رغم ما يغنى عن الحلم العربي، وما يقال عن الدفاع العربي المشترك أو ما لا يجرؤ أحد على التفوه به عن فقد المناعة الذاتية بالعالم العربي.
وعدا هذا وذاك فليس لي رغبة حتى للكتابة في الأدب أو الشعر حتى لا اقطع رزق الصحيفة التي اكتب بها وأتسبب في نزول نسبة مبيعاتها مما يعني ان اخاطر حتى بمكافأتي المالية المتواضعة.
وإذا كنتُ أرجو ألا يكون هناك من أخذ على محمل الجد في زمن المثقف المتخصص، تلك القدرات المتوهمة والطاقات الحالمة للكتابة في مختلف شؤون وشجون البشر من الشعر الى السياسة، فإني ألح أنها كانت مجرد محاولة مشاكسة لاستدراجكم لتشاركوا الكتاب بعض حالات اكتئاب الكتابة التي تعتريهم لكثرة ما تلوي أكفهم بأكفهم أو اكف غيرهم.
فمن يوم ان أصر سعادة رئيس التحرير على ان اسلم مقالي في وقت معين من الاسبوع والوقت يركض من منتصف الليل الى ترقوة الصبح غير آبهٍ بانسحال أوردتي عكس الطريق وعليّ ان اتكتم على أوجاع المسودة حتى لا يلحظ القراء التشققات على شراييني والكدمات في دمي صباح الخميس.
والحقيقة ان يدي من يومها اي من ذلك اليوم الذي تسلط فيه رئيس التحرير على وقتي ومزاج الكتابة الذي لا يقبل توقيتاً وخاصة بالنسبة للكتاب الهواة مثلي، ويدي لا تعرف كيف تتخلص من القيد الثقيل الذي ألقت به الأوامر حول معصمها النحيل. من يومها واصابعي لاتعرف كيف تستعيد مرونة مفاصلها إلا بمزيد من التمرد على عقارب الساعة كلما اقترب الموعد الأسبوعي.
فهل الأمر كما اشتكى الزميلان؟ محمد عبدالواحد ود. عبدالواحد الحميد بان مشكلة الكاتب في الصحف المحلية غالبا هي مع رؤساء التحرير، مع اختلافاتها النوعية حيث قد ينصّبون انفسهم أوصياء علي الكتاب في ماذا يكتبون وكيف يكتبون ومتى يكتبون وذلك الشرط الأخير على قسوته ارحم انواع التسلط لاعتباراته التقنية وليس مجاملة لرئيس التحرير... هل هي تلك المشكلة التي تجعل من «بعض» رؤساء التحرير وقد يجانبهم الصواب في معظم الاحيان ينصبون أنفسهم من خلال مناصبهم خدماً للمسئولين إذ يخيل إليهم من خلال ما تخولهم الصحيفة من صلاحيات انهم عين الحكومة فيفرضون عددا من المحاذير التي لا تخطر على بال المخبرين الصغار أو الخبراء الكبار... ام ان المشكلة في تهلكة الكتابة نفسها التي عليها ألا تتخلى عن عنفوان المشاكسات النزيهة لئلا تصير فريسة سهلة لاكتئاب الكتابة.
هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.
|
|
|
|
|