| الثقافية
بعد اطلاعي على ملخص محاضرة الدكتور عبدالله الدنان التي القاها بنادي المنطقة الشرقية الادبي والتي نشرت تحت عنوان بارز «نحن نخرِّج اجيالا تكره لغتها» والمنشورة بجريدة اليوم يوم الاثنين 29/1/1422هـ فنجده يقول «.. ان الامتحانات في كل البلاد العربية لاتقيس التفكير بل تقيس الذاكرة فالذي يتخرج بعلامات عالية هم اصحاب الذاكرة الجيدة وليس بالضرورة اولي التفكير الجيد.. والنتيجة عداء بين الطالب والكتاب وأنحى باللائمة على طرق التدريس التي تخرج اجيالاً تكره لغتها.. اجيالا لا تقرأ»..
سريعا ما قفز الى ذاكرتي ما سبق ان قرأته في مذكرات الكاتب والفيلسوف الفلسطيني ادوارد سعيد المترجمة حديثا من اللغة الانجليزية تحت عنوان «خارج المكان» ترجمة فواز طرابلسي ومن منشورات دار الآداب بيروت ط1 عام 2000م وسبب كرهه للغة العربية التي غرسها في نفسه مدرس اللغة العربية، وقبل هذا نجده يروي قصة دخوله مدرسة «فكتوريا كولدج» بالقاهرة خريف عام 1949م وهو في الرابعة عشرة من عمره، وقد استمتعت بما يرويه من احداث بين فلسطين ولبنان والقاهرة مع والده التاجر ووالدته ربة المنزل واهتمامهما بتعليمه فوجدته يروي واصفا «توفيق افندي» استاذ اللغة العربية ص232 )... وهو الأستاذ الوحيد الذي ادى التزامه العميق بقداسة اللغة الى نيله احترام تلامذة صفه، ان لم اقل حبهم، وتبين ان توفيق افندي رجل مداهن بحاجة ماسة الى المزيد من المال، فقرر منذ وقت مبكر اني مرشح مناسب لتلقي «الدروس الخصوصية» ونجح في ان يكسب ثقة امي فصار يزورنا في البيت مرتين في الاسبوع لتعليمي.
وبعد نصف دزينة من محاولاته التافهة لتدريبي على تعقيدات القواعد العربية ـ وهو ما ادى الى تنفيري من الادب العربي، لاكثر من عشرين سنة، قبل ان اعود اليه بشيء من المتعة والحماس ـ صرنا انا وتوفيق افندي نفضي ساعات احتجازنا المشترك في الثرثرة عن الكتب، ولا ندرس ابدا، وهو لا هم له الا ان يقبض ماله ويرتشف فنجان القهوة مع البسكوت ثم يغادر الى درس خصوصي اخر لايقل عبثية دون ادنى شك..(. في نفس اليوم الجمعة 19/1/1422هـ قرأت مقال علي خالد الغامدي بالرياض عدد «11981» بعنوان «الدروس الخصوصية من سويسرا، والتلاميذ الاعزاء في جدة» واتفق الكتاب بعد جهد جهيد الى ان المدرس العربي هو السبب المباشر في انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية، واستشهدوا بـ «السويسريين» وكيف ان «تلاميذهم» لايعرفون شيئاً اسمه الدروس الخصوصية.. وينجحون ويتفوقون وينالون بعد تخرجهم اعلى المراتب والمناصب، وانهى مقاله باستعراض مايصيب الاهالي من توتر عند قرب الامتحانات وهم يمهدون لجلب المدرسين الخصوصيين لانقاذ ابنائهم واقترح جلب مدرسين سويسريين يتوفر فيهم الاخلاص والحماس على ان يتحمل الاثرياء العرب ممن لهم ارصدة مجمدة او سائلة في سويسرا وضواحيها تكاليف هؤلاء المدرسين او تعلن الحكومة السويسرية مشكورة اعتبارهم معونة انسانية لشعوب تفتش عن الاخلاص كما يفتش الظمآن عن قطرة ماء!..
وفي النهاية يقول ان احد اولياء الامور قال له: )ان مايغيظه هو ان المدرسين السعوديين لايأخذون نصيبهم من الدروس الخصوصية بينما يفتحون بيوتهم على مصراعيها للمدرسين الخصوصيين ليجدوا الوقت الكافي لمتابعة وملاحقة المواسم الكروية والغنائية والفنية والاستعراضية(.
وكنت في القاهرة اثناء معرض الكتاب الدولي الاخير وممن يستهويه متابعة صفحة الحوادث في الاهرام يوميا واجد الكثير من القصص الخاصة بالمدرسين الخصوصيين والجرائم التي يرتكبونها وملاحقة الدولة لهم بعد ان استعان وزير التربية والتعليم بوزارة الداخلية فقد حمل الوزير حسين بهاء الدين حملة نشطة منذ سنوات لقطع دابرهم واستئصال شأفتهم بعد ان استفحل خطرهم واصبح المجتمع المصري يتباهى بجلب افضل المدرسين الخصوصيين لابنائه حتى لو استدان او سرق، واصبح مظهر ترف يتفاخر به الجميع، واصبح وزير التربية يحذر من ضياع ما لايقل عن عشرة مليارات من الجنيهات سنويا باسم الدروس الخصوصية، ولهذا اصبح كل مدرس يثبت انه يزاول هذه المهنة خارج المدرسة يعرض للفصل والسجن.
اما بالنسبة لنا في المملكة فقد اصابتنا العدوى وتمكنت فأنت تجد الاعلانات ملصقة في كل مكان وعليها عنوان وهاتف وبيجر والنقال لمن يريد ان يحصل على المدرسين الخصوصيين وقد شُنت حملة صحفية قبل سنتين لم يتسن لي تتبعها كاملة ولكن مازلت احتفظ ببعضها راجيا الا اثقل على القارئ الكريم باستعراض عناوينها:
1ـ ايدز التعليم بقلم الاستاذ فهد السلمان بجريدة الرياض 23/12/1419هـ.
2ـ الدروس الخسيسة للأستاذ فهد العريفي بمجلة اليمامة في 8/1/1420هـ.
3ـ استطلاع مصور يناقش المشكلة لعبدالعزيز عمر ابو زيد بجريدة الرياض 26/7/1420هـ.
4ـ الدروس الخصوصية مالها وماعليها د. محمد ناصر الكثيري بجريدة الرياض 15/9/1420هـ.
5ـ 84 الف ريال راتب المدرس الخصوصي ـ هاني العبدلي.
6ـ البترول والمعادن.. درس خصوصي ـ جهير المساعد جريدة الرياض 25/7/1420هـ.
7ـ حول ظاهرة الدروس الخصوصية ـ عبدالله حمد الحقيل جريدة الجزيرة 26/11/1420هـ.
8ـ ابنائي نجحوا دون مدرس خصوصي ـ محمد القشعمي ـ جريدة الجزيرة 17/3/1421هـ.
وغيرها الكثير مما لم اتمكن من حصره حتى الكاريكاتير ساهم بشكل مكثف لمحاربة هذه الظاهرة ولعله من المناسب الاستعانة بجملة او مقطع من مقال الاستاذ الحقيل «... ومن الامور التي يجب التنبيه اليها الدروس الخصوصية هذه الظاهرة السيئة التي تفشت في مجتمعنا وممارسة هذه الظاهرة الشاذة في ابتزاز الطلاب مما ادى الى تدني المستوى التعليمي لان الدروس الخصوصية وسيلة وباب للاتكالية وطريق للغش ولقد كان المعلمون على درجة من الجدية والاخلاص كما كان الطلبة على جانب من الجد والاهتمام وكان الطالب حريصا على العلم وليس على النجاح فقط». اما الاستاذ فهد العريفي فقد اختتم كلمته «الدروس الخسيسة» بصرخة موجهة لوزير المعارف والرئيس العام لتعليم البنات لتحمل مسؤوليتهم الثقيلة والقضاء على هذه الظاهرة.والآن والجميع على ابواب الامتحانات النهائية ونحن نشهد كثرة الملصقات التي تدعو الى الاتصال بمن يكفل نجاح ابنائكم فكل من يريد احد المتخصصين في اي مادة دراسية فما عليه الا ان يتصل على الرقم التالي... وقد وضع ارقام هواتفه الثابتة والمنقولة فانت تجدها بدون عناء بجوار المخبز او البقالة او الصيدلية او المطعم او المكتبة واخيراً فقد وجدتها بالامس القريب بلوحة الاعلانات المقفلة بمعرض الشركة السعودية للاسماك بالربوة وغيرها الكثير.
فهل نسمع من معالي وزير المعارف مايثلج الصدر ويطمئننا بعزمه ورجاله محاربة هذا المرض. واختتم كلمتي بقصة مؤلمة سمعتها من زميلي في العمل و هو من الكتّاب في مجال القصة والرواية والمقال قال ان ابنه قد احضر له سجل الواجبات وقد سجل المدرس ملاحظة لم يرتح لها او يطمئن وخشية ان تسبب لابنه تراجعا في مستواه فقد ذهب للمدرسة وقابل المدرس ووجده من ابناء احد الاقطار العربية المجاورة وعرف انه يكتب القصة مثله فتجاذبا اطراف الحديث.. وعرف منه مقدار راتبه ومن خلال مستوى المعيشة ومتطلبات الحياة لايمكنه الاستمرار هنا بمثل هذا المرتب ويذكر ان لجنة التعاقد عندما ابدى لهم قبل توقيعه على العقد ان الراتب قد لايفي بمتطلباته قال له احدهم يمكنك ان تعوض ذلك بإعطاء دروس خصوصية فهي رائجة في بلادنا!!
|
|
|
|
|