| مقـالات
هناك الكثير من الأمور التي لا يمكن أن نرثها رغم أنها موروثات جميلة، لأنها الى حد كبير أمور مكتسبة ويمكن تنميتها مع مرور الوقت، كما أن هناك أموراً لا يمكن ان نحصل عليها أو نشتريها بمال رغم أن لدينا الكثير منه! أموراً لا يمكن الحصول عليها لمجرد أننا نريدها أو نتمناها فقط، لأنها مرتبطة بعوامل كثيرة متداخلة. ومن تلك الأمور «الذوق» تلك الخصلة الجميلة التي تضفي على الإنسان جمالا من نوع آخر وتجعله مميزاً عن الآخرين. تلك الخصلة الجميلة التي تجبر الآخرين على احترامنا وتقديرنا والاعجاب بنا والتقرب منا، لأن الإنسان حينما يكون ذوقا فهذا معناه أمور كثيرة أكثر من رائعة!
معناه أنه سوف يقدرنا ويراعي مشاعرنا ويحافظ على أسرارنا ويبتعد عن كل ما من شأنه إحراجنا حتى أمام أنفسنا قبل الآخرين. معناه أنه سوف يتفهم أحاسيسنا قبل أن نُعبر عنها أو نبوح بها، ولا يحاول أن يتدخل فيما لا يعنيه أو أن يفرض نفسه علينا مهما كانت سلطاته والصلاحيات الممنوحة له ومهما كانت مكانته الاجتماعية ومهما كان لديه من مال إلا في حدود القدر الذي يمليه عليه واجبه وبالذوق أيضا أليس هذا جميلا بحق؟!
إن هذا الإنسان الذوق ببساطة شديدة جدا لديه مقومات وأسس التعامل مع الآخرين يعرف متى يتحدث ومتى يستمتع ومتى يضحك ومتى يضع عينيه في عينيك لتفهم ما يريد أن يقوله لك أو يبوح به لك أو يشير به إليك.
ولكن هذا لا يعني فقط أن نتوقع من هذا الإنسان الذي نسميه نحن «بالذوق» لا يعني أن نتوقع منه عطاء متواصلا في كل وقت وكل مكان متناسين أنه هو الآخر له ظروفه الخاصة له همومه ومشاكله لا يعني أنه حينما يغيب عنا أو لا نجده حينما نريده بأنه قد تغير علينا ولم يعد كما كان معنا، أبداً كل ما في المسألة أن مثل هذا الإنسان يحتاج أن يكون لوحده أحيانا. يحتاج أن ينقطع عن الآخرين لبعض الوقت، يحتاج أن يشعر بالهدوء من حين لآخر،
بل حتى سكوته أو صمته أحيانا لا يجب أن يفسر على أنه لا يريد الكلام أو مل الحديث معنا بقدر ما يكون صمته هو خوفه من أن يتفوه بكلمة تحسب ضده ونحن في قمة انفعالنا معه، أو أنه مقر بالخطأ. نعم الذوق هو ما يجبر أمثال هؤلاء السكوت عن الحديث معنا لأن أفعالهم الجميلة وتاريخهم الرائع معنا ونواياهم الحسنة التي لا يعلمها إلا الله طبعا والتي تدل عليها مؤشرات كثيرة كل ذلك يجعلنا نعيد النظر من موقفنا السلبي تجاههم لأن صاحب الذوق الحقيقي لا يفعل ما يفعله مجاملة لنا بقدر ما هو قناعة ونابع من داخله فالذوق يا إخوة هو إحساس صادق بأن ما يفعله هذا الإنسان هو ما يجب أن يكون ثم أننا لو تتبعنا سلوكيات هذا الذوق لوجدنا أن ديننا الحنيف يحث عليها ويطالب بها. أليس الدين المعاملة؟ أليس تبسمك في وجه أخيك صدقة؟
إنها مكارم الأخلاق فعلاً ولكن مع الأسف فحتى أبسط أبجديات الذوق قد فُقِدت مع غالبية الناس هذه الأيام فلم تستطع أنت كإنسان على التفاهم مع بعض الناس بل الكثير منهم لأنك لا تعرف ماذا يريدون ولا تستطيع أن تتوقع منهم ما يفعلون معك وليس هذا على المستوى الشخصي أو الفردي بل حتى على مستوى المؤسسات والجهات الحكومية الخدماتية ذات الصلة المباشرة بالمواطن.
اذهب إن شئت الى أي من تلك الدوائر وقابل الموظفين فيها، فماذا سوف تجد؟ أنفس والعياذ بالله! وكان الشخص يخدمك من ماله الخاص! استقبال )الله لا يوريك!( وكأنك أتيت لتشحذ منه! أوجه عابسة! أحاديث ومكالمات جانبية شخصية بين هؤلاء الموظفين وعبر التلفون على مرأى ومسمع منك وأنت أيها المواطن المراجع ما عليك سوى الانتظار الى حين أن يتفضل حضرته بالانتهاء من المكالمة الهامة دون أن يقدم لك اعتذاراً وحتى لو التفت إليك بعد طول انتظار وأخذ معاملتك مثلا فإنه أما يحولها لغيره دون أن يعرف ما فيها أو يعطيك موعدا آخر دون أن يكلف نفسه عناء الاطلاع عليها أو أن ينهيها لك ولكن إما ناقصة أو أن يشعرك أنه صاحب فضل عليك ! أرأيت ذوقا كهذا؟! ان هناك دوائر حكومية ومن دون مبالغة تحسب لها ألف حساب قبل أن تذهب لها بيوم أو يومين لا شك سوف «تمرمط فيها» من «روح وتعال» الى «هذا ملف ناقص» وهذه «ورقة مفقودة» الخ من المسلسل اليومي المعروف وليت «فلوسك» تقودك أحيانا تنفعلك فأحيانا أنت تريد أن تعز نفسك وترتاح من البهدلة في المراجعات داخل بعض الدوائر الحكومية فتضطر أن تعطى معاملاتك لمكاتب الخدمات العامة لإنجازها لك وفق مبلغ معين وهنا الطامة الكبرى لأن هذه المكاتب مع الأسف ماديه بحتة لا يهمها سوى ما تأخذ منك أما أوراقك فقل عليها السلام. إنها سوف تضيع داخل هذه المكاتب العشوائية التي هي بحاجة لتنظيم إداري ومتابعة لصيقة من الجهات ذات العلاقة يحفظ حقوق المواطن والمقيم على حد سواء من الضياع والاستهتار والعبث وعدم اعتراف أصحاب هذه المكاتب العامة بأخطائهم الكثيرة المتواصلة وما على المراجع سوى «رح وتعال» وضياع وقت ومال وجهد وعلى حساب من؟ الله أعلم! الذوق في أبسط معانية كما ذكرنا أسلوب معاملة راق، تقدير لمشاعر الناس وأحاسيسهم، تقدير لوقتهم الثمين وكل هذا يتضح من خلال الابتسامة الحلوة والمبادرات الجميلة والتحلي بالصبر والكلمة الطيبة ولكن يظل السؤال أين كل هذا اليوم؟ ترى ماذا الذوق؟
إنه يعني المنطق يعني أن يكون لدينا بعض الحياء في تصرفاتنا اللفظية والسلوكية يعني أنني حينما أسمع شخصا يتحدث بالتلفون حديثا شخصيا مع شخص آخر أن أخرج من المكان مثلا أو أتظاهر على الأقل بعدم السماع لا أن أكرس كل جهدي في سماع كل كلمة لا تعنيني. الذوق يعني أن أحافظ على مقدرات الوطن ومكتسباته فأحافظ على بيئة الوطن ولا أرمي أعقاب السجائر من خارج السيارة في الشارع بينما طفاية السيارة موجودة وخالية يعني ألا أقف خلف سيارة وأذهب لأداء وإنجاز عملي متجاهلا أن هناك من سوف يخرج. الذوق أن أعتذر عن أي خطأ بدر مني مهما كان بسيطا حتى لمن هو أصغر مني عمرا أو أقل مرتبة وظيفية منى أو مكانة اجتماعية لأنها مكارم أخلاق أحرى أن تتوفر لدينا ونحن أولى الناس بها من غيرنا.
إن ما نطالب من توفر الذوق مطلب ضروري وحيوي ليس لنا نحن الكبار بل حتى مع الأطفال، فهؤلاء الأطفال بحاجة الى تنمية الذوق العام لديهم بشكل عملي، فمناهجنا التعليمية منذ الصغر وحتى على مستوى الجامعات نحن بحاجة لمقرر أو مادة تسمى )101 ذوق( مهمتها تنمية الذوق العام لدى الطالب أو الطالبة وقبلها استاذ المادة الذي يجب أن يدرك تماما أن من أبسط أبجديات الذوق وتدريسه أن يحترم الوقت، وبالذات وقت المحاضرة فلا يأخذ وقت غيره من طلاب وأساتذة مهما كانت تبريراته حتى على مستوى المؤتمرات وفي اللقاءات والمقابلات التلفزيونية فالشخص المدعو لبرنامج عام مباشر ينبغي أن يعرف تماما أنه ليس المتحدث الوحيد بل ان هناك ضيوفاً آخرين.
نحن بصراحة لا نريد مناهج نظرية صماء جامدة بل نريد من هذا الطالب أن يتخرج ولديه مهارات عملية ضرورية يستعين بها على الحياة ويعرف كيف يتعامل معها بنجاح ولعل أبسط تلك المهارات هي مهارة «الذوق» أو حسن التعامل مع الآخرين فهل هذا مطلب مستحيل؟ الناس فيها الخير والأشياء الحلوة ولكنها بحاجة لمن يدربها ويوجهها بأسلوب جميل وراق. وحتى في العلاقة الزوجية بين الطرفين، فإن وجود الذوق لدى طرفي العلاقة الزوجية أمر ضروري جدا ومطلب حيوي، فهو يساهم في رقي هذه العلاقة الزوجية، ويزيد من كمية ونسبة التفاهم بين طرفيها وهذا بالتالي ينعكس على بقية أفراد الأسرة من أطفال وأبناء وبنات لأن الذوق وإن كان مكتسبا الى حد كبير في نظري إلا أنه يمكن ان يورث حينما تكون هناك قدوة عملية يومية جميلة. ولكن الأهم من ذلك، أن ننظر لأنفسنا من الآن وفي هذه اللحظة بالذات، فكم نسبة الذوق لدينا وما مدى استخدامنا إياه في حياتنا اليومية وهل هوكاف وهل لدينا القدرة أو الاستطاعة أو الإصرار على تعليمه لمن هم حولنا ممن يهمنا أمرهم. لا أريد الإطالة، ولكن يكفي أن يكون الذوق مرتبطا بكل شيء جميل كي نؤكد عليه ونطالب به وندعو لأن يكون جزءاً أساسيا في حياتنا اليومية التي هي بحاجة فعلا لجماليات من نوع آخر يعيد إليها وهجها.
وقبل أن أنسى أولئك الذين كثيرا ما سألوني عن معرفة الكتب الخاصة بنا ولم يكن عدم الرد ناتجاً عن التطنيش أو الاهمال بقدر ما هو الخوف من إساءة تفسير ذكرها في الزاوية على أنها نوع من الدعاية ولكن منعا لهذا اللبس وتلبية للتساؤلات العديدة فإن الكتب الأدبية المتوفرة حاليا في المكتبات لي هي:
1 مشاعر من نوع آخر )جزءان(.
2 أنفاس عذبة.
بالإضافة للكتب التي سوف تصدر قريبا جدا مع خالص شكري لكل من منحني ثقته.
همسة
بالإحساس الصادق!
لقد كنت محقاً..
منذ البداية..
حينما قلت مراراً..
وما زلت أقول..
إن الذوق يظلّ ذوقاً..
لا يؤثر فيه من حوله!
مهما حاولوا الإساءة إليه!
مهما حاولوا النيل منه!
أوحاولوا التقليل من شأنه!
***
يظل هذا الذوق..
ذهباً صافياً..
لا يتغير..
تزداد قيمته..
كلما تقادم عمره..
***
يظل كذلك وأكثر..
حينما يرتبط بك..
حينما يكون جزءاً منك..
حينما يكون أنت..
***
لقد كان هذا رأيي فيك..
منذ عرفتك..
منذ سمعت صوتك..
لأول مرة..
منذ أحسست بصدق..
بأنك شيء آخر!
لست كالآخرين!
***
أألام حينها..
حينما أُعجبُ بك؟
حينما أتمنى صحبتك؟
حينما أصرّ على رفقتك؟
وأحرص على التمسك بك؟
علَّني أكتسب منك..
ما أفخر به..
علَّني أكون مثلك..
في رقي ذوقك..
وفي رهافة إحساسك..
ورقة مشاعرك..
***
فهل آلام فعلا..
وأنا أرى الذوق متمثلاً أمامي؟
جالساً بين يديّ؟
ينظر إلي؟
يبتسم لي؟
وكأنه لم يفعل شيء!
بينما هو كل شيء!
|
|
|
|
|