| مقـالات
العقل هبة من الله تعالى يهبه لمن يشاء من عباده فكما قسم سبحانه الأرزاق وقدر الآجال، وقضى لمن شاء بما شاء سبحانه فكذلك قسم العقول بين الخلق، فهناك عقل معشى ذاتي وإن بلغ الأوج من الرفعة والذكر فهنا ليس هذا بذاك، فصاحبه لنفسه ومن حوله، لكن العقل النير الفطن الواسع هو ذاك المنظور إليه في العالمين حاله بين : عدل ورحمة ووفاء وعلم وفهم ورجاء وخوف، هذا العقل هو : أول العقول الموهوبة بيان أمر ووضوح حال يبعد عن الفتن والمثيرات ويبعد عن سوء الظن وسوء التقديرات عقل علمي معرفي ناهض السوابق شديد الخوافي إذا بسط جناحيه بسطهما عن دراية وحسن هداية، وإذا بسطهما بسطهماعن حسن رواية وجلال هداية عالية.
يسبح فيقبض ويبسط يمسك بما أمر الله به أن يوصل.
يبعد عن الحسد والوشاية والدس والهمس والرمي والغمس. يبعد عن قيل وقال وإذا علم علم لكن عن سداد ووعي وثقل وإذا نطق نطق بحكمة وعدل وتقوى ناهيك بها تصلح وتبني وتخلد.
العقل هبة ومنحة، العقل فطنة طويلة التأمل بعيدة وهدة الغور سامقة الهول والحول والطول، آمنة مستأمنة هادية مهدية، كريمة حليمة سليلة، نص هدى وأبان فشاخ عقل سليم بنص صواب صحيح. هذا العقل يتجرد من خلقته إنه يتجرد علما ومعرفة وفكرا وقياسا إن حاد اضطرب وإن زل ارتدع، وإن بهسل مات ثم حيا ثم نهض فقام على سوقه يعجب الناس طرا به: يا له من عقل سديد مديد ثقيل كريم عليم. يا له من عقل بعيد غوره ثقيلة وطأته متأنية نظرته، كريمة حكمته وفصله. يبعد عن: سبيل جهم وقدر ومعطل ومعتزل وهالك كرام، وساقط شعار ومريض مبتدع رافضي مهذار ولا يبرح عقل كهذا إلا بنازعة الخير للغير على تجرم القرون الطوال، ولا سبيل لاكتساب العلم ابتداء من غير نواهض ينهض بصاحبه إليه يفتق له غوامضه، وهواضمه، وقواضمه، على غرار سابقات الطرس في ثلاثة القرون تلك التي أنارت للناس هدايات البوارق من علم وفهم وحكمة وسداد رأي مصون. وإنك )قارئي الكريم( لواجد حابسات الثنايا من المبدعات على ما لا مثيل له لو قام كيف يقوم. وإني لمختار ذلك الاختيار الذي لو شئت لعقدت مربط الفرس عنده على حال تدوم. وإني فاعل ما العلماء والقضاة والدعاة بحاجة إليه فقط من باب مذاكرة ما هو مرسوم من خالدات المعاني سامقات القول في كل جيل يعي فيه من يعطي الطرح من ثمار عقول ناضجات مسؤولات أبد الآباد فها هو الإمام التيمي يقول في كتابه الحقيق بمعارج الخلود«رفع الملام عن الأئمة الأعلام» يقول: «فإن التحريم له أحكام من التأثيم والذم والعقوبةوالفسق وغير ذلك لكن بشروط وموانع». فقد يكون التحريم ثابتا وهذه الأحكام منتفية لفوات شرطها أو وجود مانعها أو يكون التحريم منتفيا في حق ذلك الشخص مع ثبوته في حق غيره.
وإنما رددنا الكلام لأن للناس في هذه المسألة قولين:
أحدهما: وهو قول عامة السلف )1( والفقهاء أن حكم الله واحد وأن من خالفه باجتهاده )2( سائغ مخطئ معذور مأجور. فعلى هذا يكون ذلك الفعل الذي فعله المتأول بعينه حراما لكن لا يترتب أثر التحريم عليه لعفو الله عنه فإنه لا يكلف نفسا إلا وسعها )3(.
والثاني: أنه في حقه ليس بحرام لعدم بلوغ دليل التحريم له، وإن كان حراما في حق غيره فتكون نفس حركة ذلك الشخص ليست حراما.
والخلاف متقارب، وهو شبيه بالاختلاف في العبارة.
فهذا هو الذي يمكن أن يقال في أحاديث الوعيد إذا صادفت محل خلاف، إذ العلماء مجمعون على الاحتجاج بها في تحريم الفعل المتوعد عليه، سواء كان محل وفاق أو خلاف. بل أكثر ما يحتاجون إليه الاستدلال بها في موارد الخلاف. لكن اختلفوا في الاستدلال بها على الوعيد إذا لم تكن قطيعة قطعية على ما ذكرناه.
فإن قيل: فهلا قلتم: إن أحاديث الوعيد لا تتناول محل الخلاف. وإنما تتناول محل الوفاق، وكل فعل «لُعن» فاعله أو توعد عليه بغضب أو عقاب )4( حمل على فعل اتفق على تحريمه. لئلا يدخل بعض المجتهدين في الوعيد إذا فعل ما اعتقد تحليله بل المعتقد أبلغ من الفاعل إذ هو الآمر له بالفعل، فيكون قد ألحق به وعيد اللعن. أو الغضب بطريق الاستلزام.
قلنا: الجواب من وجده:
أحدهما: أن جنس التحريم إما أن يكون ثابتا في محل خلاف أولا يكون )5(.
فإن لم يكن ثابتا في محل خلاف قط لزم أن يكون حراما إلا ما أجمع على تحريمه فكل ما اختلف في تحريمه يكون حلالا )6(.
وهذا مخالف لإجماع الأمة. وهو معلوم البطلان بالاضطرار من دين الإسلام.
وإن كان ثابتا ولو في صورة فالمستحل لذلك الفعل المحرم من المجتهدين إما يلحقه ذم من حلل الحرام أو فعله وعقوبته أولا.
فإن قيل )6( إنه يلحقه أو قيل إنه لا يلحقه فكذلك التحريم الثابت في حديث الوعيد اتفاقا والوعيد الثابت في محل الخلاف على ما ذكرناه من التفصيل(.
وقال: )ولا يفنى الفرق بقلة الذم وكثرته أو شدة العقوبة وخفتها فإن المحذور في قليل الذم والعقاب في هذا المقام كالمحذور في كثرة فإن المجتهد لا يلحقه قليل ذلك ولا كثرته بل يلحقه ضد ذلك من الأجر والثواب(.
وقال: )الثاني:أن كون حكم الفعل مجمعا عليه أو مختلفا فيه أمور خارجة عن الفعل وصفاته وإنما هي أمور إضافية بحسب ما عرض لبعض العلماء من عدم العلم(.
ومن أدق ما جاء حال أنواع العبادة والتي ينشدها العقل السليم ما ذكره الإمام محمد بن عبدالوهاب إذ قال في كتابه الجليل «الأصول الثلاثة» )7( : )وأنواع العبادة التي أمر الله تعالى بها مثل: الإسلام والإيمان والإحسان ومنه: الدعاء والخوف والرجاء والتوكل والرغبة والرهبةوالخشوع والإنابة والاستعانةوالاستعاضة والاستغاثة والذبح والنذر(.
وهذا كلام جليل المقام إذ هو حقيقة ما جاءت به الرسل، وهو معنى تحقيقه لا إله إلا الله فكلامه حوى كل حال من حالات التوحيد بالضرورة وهذا عائد الى دقة علمه وفهمه وأنه لم يأت بشيء من عند نفسه كحال الإمام أحمد بن تيمية في رسائله عن حقيقة التوحيد ومطلب الفطر، ومتى ما كان النص صحيحا والعقل سليما لم يكن هناك حال داعية الى كفر أو بدعة فأمور العبادة بينة واضحة وأمور الخلاف إنما تقع في الفروع ولكل مجتهد نصيب من الأجر.)8(.
ومما سبق لي من القصيد
«أجراس الغمام»
لا تظن السوء أجراسه
ولاتُرغم )الحر( ضربة في العلو
ولا تستهين
***
قائم أمره سامق
همة الآباد
في النقاء
والعروج
ولا تهجعين
***
ليس إلا الظلم في العذاب مرتعه
سابقٌ .. ذاك .. ظنٌ،
والظن القديم
سابق العاهرات
ولا تقدرين
***
فأمسك.. عليك.. ما بيته
ويهود حيارى
والنصارى
فدع.. عنك.. ظناً طالما ما بيته
واسلك..نهجاً.. غطيته
هاديات القول
من هود وطه
في نص:
مُبين،
***************
«المراجع والبيان»
)1( رفع الملام /ص85/99.
ويقصد بعامة السلف الصحابة وأهل الأثر الصحيح.
)2( المجتهد الذي توفرت فيه حقيقة شروط الاجتهاد، واستفاض هذا عنه بين عقلاء الأمة.
)3( فيقف كل عالم مجتهد عند حده.
)4( هذا حد: الكبيرة.
)5( هذا من باب اختلاف مدارك العقول.
)6( بينت هذا: سورة النحل.
)7( الأصول الثلاثة ص 8/10.
)8( شرح العقيدة الطحاوية ص23/180.
وشرح الطحاوية:
للإمام )علي بن علي بن عبدالعز( كتاب أجاد فيه وأفاد وبين ورسم وأسس ونظر وفتح وأرشد ووسد وسدد.
يحتاجه ا لناظر إليه أين كان منجعه ووجهته ومساره ولو كان عساره، جمع فيه: رواية ودراية، قال ابن لحيدان وما ذكرته عنه هو قليل من كثير لكن فك هذا ووضوحه بنظره على حال هادئة متأنية صادقة متجردة سامقة صافية، هناك يكون الحال على حال تجدها.
)قارئي العزيز( وأنت في طمأنينة الخير والعلم والفهم. ونشدان المبتغى.
|
|
|
|
|