| محليــات
في لحظة تأمل... أثمرت العديد من الأسئلة التي تقاطرت أمامي...، وحين تداهمني الأسئلة، أدرك أنَّ المرجل بدأ يتفاعل في أقصى حدوده، وأنَّ لحظاتٍ أمامي قد تطول، ومن ثمَّ تنتهي، لكن ما تخلِّفه من الآثار لا تنتهي بيسر، ولا في زمن محدد...
هذه اللَّحظة كانت تنتشر أمامي الصحف المحلية، وبعض التي تصدر في غير البلاد، لكنَّها لأهل البلاد، وبعضها في شكل دوريات...، وَرَدَ السؤال الأول: كم عددها.. ومن بعد، كم عدد الصفحات تلك التي التحم بكلِّ حرفٍ فيها استفهام، فاختلطت «بالسؤالات»، إذ أيقنت بأنَّ كلَّ ما تضمه من «الكلام» على اختلافه، ودلالاته، ومحاوره، وموضوعاته إنَّما هو ممزوجٌ بسببية وراؤها فراغ )الأين(، و)اللِّماذا(، و)الكيف(، و)المتى(، و)اللِّمن(، في الهيئة، والزمنية، والكيفية، والمكانية، والسَّببية، و...و... وهلمُّوا إليَّ أيِّها الربع من أهل اللغة، أهل المعاني، أهل الأسباب، والتعليل..
هذه اللحظة تساءلت: لو فُنِّدت الأفكار التي تضمُّها هذه الأوراق، وجُمعت فأُحْصيت، كم فكرةً ستكون قابلة للنقاش بعد تصنيفها في مجموعات متكافئة، متشابهة، متقاربة، متفاوتة، مختلفة، جديدة، مبتكرة، .. وقسمت إلى موضوعات، فأي الموضوعات أكثر إلحاحاً على ذاكرة الإنسان وتظهر فيما يكتبه الإنسان؟، ولماذا؟ وأي المجالات أكثر جاذبية سببية، وما الذي وضعها في محور السَّببية؟ هل هي الحاجة، أم الضرورة، أم الرَّغبة، وما وراء الرغبات؟! الذات المفردة، أم الذات الكليِّة، وما علاقة ما يُكتب من أفكار بالحياة العامة مع عدم إقصاء الحياة الخاصة من الحسبان، إذ ربما إشارة أبلغ من عبارة، وربما ثقب ضئيل يؤدي إلى خرق أوسع، وربما وراء الأكمة جبل..؟
ثمَّ...
أسفرت هذه الشاحذات لفتيل التساؤلات عن سؤال كبير بحجم كلِّ هذه الصحف، والمجلات، بعدد كلِّ حروفها، وبجهود كلِّ من أعدَّ وكتب وأشرف وأخرج ووزَّْع و... و..، وما يعلمه، ويعيش واقعه من يتعاملون خلال ساعات اليوم والآخر، والآخر، مع هذه الصحف والمجلات حتى تكون بين أيدي قرائها كما هي الآن بين يديَّ.. وأيديكم...
هذا السؤال الكبير هو: إلى أين، أي ما مصير كلِّ ما تنشره هذه الصحف والمجلات، مما تقتصره، وتعصره، وتُخرجه أذهان، وعقول، ومشاعر كُتَّابها، وصحافييها، وكل من يُدلي فيها بدلو..؟!
كيف تتمُّ معالجة التعامل مع هذه المتحركة من صاحبها إلى قارئها، مروراً بمن يفسح لها، ومن يطبعها، ويُصوِّب أخطاءها، ويُخرجها، وينشرها...؟!
كم من الزمن؟
كم من الجهود؟
كم من المقابل المادي والمعنوي.. حتى تستوي هذه الأفكار في صورتها المنطوقة خلال رحلتها بعد تكوينها في رأس صاحبها، ثم خروجها منه؟!...
وفي تأملي لم أكد أتخيَّل إمكانية إحصاء «الأفكار» إلا عن طريق تشغيل وسائل التِّقانة الحديثة بفائق وسائلها، وبدقَّة إمكاناتها... مع مهارة الأصابع النَّاقلة لها...
فهل يمكن أن يحدث هذا السِّجل الإحصائي لأفكار الكُتَّاب وتصنيفها؟!
ومن قبلُ، ومن بعدُ، إلى أين هذه الأفكار؟...
هل يؤخذ بها؟!
وكم من يقرؤها قبل ذلك؟
وكيف هي أساليب العناية بها؟
وما هي ألوان «المشاعر» وتفاعل «الإحساس» بها؟...
وهل من «المؤكد» أنَّ من هي لهم، وتُرسل «للتعاون» معهم، ولتمهيد سبل تفاعلهم مع مسؤولياتها أو أدوارهم في الحياة باختلاف جوانبها، ومجالاتها، تكون لهم بمثل ما يتوقَّع لها كُتَّابها؟!...
أم أنَّ الكاتب يفكر، ويرسل، ويقرأ «من نفسه لنفسه»؟!! اللهمَّ إلا أن يكون له خاصَّته الذين يتفاعلون مع أفكاره؟
وهل مستوى التفاعل يقف عند حدِّ القراءة، والاستمتاع، وإلقاء عبارات وقتيَّة بالتأييد، أو الرفض، أو الإعجاب...، وينتهي أثر هذه الأفكار بمجرد أن تُفارق أوراق الصحيفة، أو المجلة أيدي القرَّاء؟!
أم هل يبقى التفاعل الذي يدفع للموقف، هو عندما تحمل الأفكار مناقشة، أو مناقضة، أو ثناءً فيكون التفاعل معها، هو الردُّ بالرفض، أو الشكر، أو الإيضاح الذي غالباً ما يكون تبرئة جانبٍ؟!...
وأخيراً...
من يتبرع بإحصاء يومٍ واحدٍ فقط، لجميع الأفكار التي يقدِّمها الكُتَّاب في المطبوعات اليومية، والأسبوعية التي تصدر في اليوم ذاته، ويفنِّدها، ويُبوِّبها، ويمنح المؤشرات منها وعنها؟! وحصر ذلك... كي يطمئن الكُتَّاب ليومٍ واحدٍ فقط عن مدى التفاعل مع صدق ما يطلقون من أفكار؟!...
مع عدم حرمان القارئ من منحه حقَّه الطبيعي المستحق في التفاعل بمناقشة مدى أصالة أفكار الكُتَّاب.
|
|
|
|
|