رئيس التحرير : خالد بن حمد المالك

أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 13th May,2001 العدد:10454الطبعةالاولـي الأحد 19 ,صفر 1422

مقـالات

المجتمع والأمن وكلية الملك فهد الأمنية!!
إبراهيم بن عبدالله السماري
المجتمع قوامه الإنسان؛ إذا لا يتصور قيام مجتمع بدون أفراد، والأمن نعمة من أكبر نعم الله على الإنسان. قال تعالى ممتناً على قريش:)الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف( قال العلماء المحققون عند تفسير هذه الآية: ان المقصود بالاطعام هو الرخاء الاجتماعي وصحة الأبدان، وإن سبب ذكر الأمن من الخوف بعد المنة بالرخاء هو ان الانسان لا يستلذ بعيش ولا يهنأ بطعام إلا إذا شعر بالأمن الحقيقي.
والعلاقة بين المجتمع والأمن علاقة واضحة جدا للصغير وللكبير، للأمي وللمثقف ولمحدود الثقافة؛ لأنه من الأشياء المحسوسة في حياة الناس وفي علاقاتهم الاجتماعية وفي همومهم اليومية.
لكن عند التعمق في مفهوم المصطلح ودلالاته، ونتائجه في المجالات المختلفة، وآثاره المتنوعة نجد ان هذه العلاقة ذات طبيعة تكاملية وأبعاد أعمق من مجرد الاحساس المباشر بها في الصورة الظاهرة من الحياة الاجتماعية، وان طبيعتها لا تقتصر على الحاضر فحسب وانما تتعداه الى المستقبل كذلك، مما يجعل التخطيط للعملية الأمنية في مختلف مجالاتها ومؤثراتها أمراً يبلغ حد الضرورة الملحة.
ومما يزيد أهمية العلاقة بين المجتمع والأمن تلك العوامل والأسس والمؤثرات التي تتحكم فيها؛ ذلك ان الأمن كلمة عامة يندرج تحت لواء مضمونها ومعانيها كثير من المصطلحات. فهناك الأمن الروحي، والأمن النفسي، والأمن المادي، والأمن الفكري، والأمن الاقتصادي، والأمن الاجتماعي الخ.
كما ان دراسة موضوع الأمن وعلاقته بأية جهة أخرى أو جانب آخر كعلاقته بالمجتمع مثلا لابد ان ينظر فيها الى عدة زوايا ومنطلقات فكرية وثقافية واجتماعية واقتصادية وبيئية وهكذا.
يضاف الى ذلك ان العلاقة بين المجتمع والأمن من حيث الواقع والتخطيط والآثار لها جوانب سلبية وجوانب ايجابية فالجوانب الايجابية يمكن تناولها من خلال دراسة أسباب وآثار استتباب الأمن في المجتمع. وبالتالي دراسة تنشيط هذه الجوانب في الجانبين الكمي والكيفي عن طريق المحافظة على المكتسبات في الجانب الكمي، وعن طريق حمايتها في الجانب الكيفي.
والجوانب السلبية تدرس من خلال عوامل ونتائج اختلال الأمن في المجتمع. وبالتالي دراسة أسباب الاختلال والعقبات التي تعترض استتباب الأمن والعلاج المطلوب في المدى القريب والبعيد. كما ان هذه الدراسة لابد ان تتناول الوقاية والعلاج.
العلاقة بين المجتمع والأمن عنوان ندوة علمية نظمتها كلية الملك فهد الأمنية برعاية سمو الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية في المدة من يوم الاثنين 13/2/1422ه الى يوم الأربعاء 15/2/1422ه تداول فيها المهتمون والمختصون بالشؤون الأمنية ما يمكن طرحه من رؤى وتصورات في مجال أمن المجتمع يمكن ان تعين صاحب القرار على اتخاذ ما يراه مناسبا لحماية أمن المجتمع.
في مبتدأ القول لابد من ازجاء الشكرلسعادة اللواء عبدالرحمن بن عبدالعزيز الفدا مدير عام كلية الملك فهد الأمنية على جهوده المشكورة في سبيل تنظيم هذه الندوة بالمستوى الذي ظهرت به. وشكره قبل ذلك على وعيه التام بأهمية العملية الاتصالية بين مؤسسة أكاديمية هي كلية الملك فهد الأمنية وبين المجتمع عبر وشيجة علمية تخصصية ذات أهمية قصوى في حياة الأفراد والمجتمعات وهي الأمن الاجتماعي.
لاريب ان كلية الملك فهد الأمنية لها جهود علمية سابقة لأن هذا هو المفترض من جهة أكاديمية مثلها. ولكن مما يحمد للواء عبدالرحمن الفدا انه وسع الدائرة التي تصل بها هذه الندوة الى المستفيدين منها عن طريق الاختيار الموفق لموضوع الندوة واستكتاب باحثين من خارج الكلية، واتاحة الفرصة للجمهور لحضور فعالياتها ومناشطها، وتمكين الوسائل الاعلامية المختلفة من التعريف بها، واصدار رسالة يومية عن فعاليات الندوة باسم «رسالة ندوة المجتمع والأمن».
وعي سعادة اللواء الفدا برسالة كلية الملك فهد الأمنية في بناء عملية اتصالية وثيقة مع المجتمع المحيط بها في حدود اختصاصاتها وبما يحقق رسالتها العلمية والاجتماعية يجعلني أتوقع مناشط علمية واجتماعية متعددة في المستقبل القريب في رحاب كلية الملك فهد الأمنية؛ لأن هذه الكلية في ظل الوعي الاداري اليقظ والكادر الأكاديمي المتميز قادرة على اثراء هذه الجوانب المهمة بما يعود نفعه على المجتمع وعلى الكلية ذاتها بل وعلى مرجع الكلية وهو وزارة الداخلية التي تسعى الى علاقات اتصالية ايجابية ومؤثرة تؤسس على الثقة المتبادلة مع مختلف قطاعات المجتمع وبما يحقق رسالتها الأمنية المهمة.
أفرحني حقا ما ذكره لي أخي الدكتور محمد بن عبدالله المحيذيف أستاذ العلوم الشرعية في كلية الملك فهد الأمنية عن الحرص على تكثيف مواد الاعداد الشرعي لطالب الكلية من خلال تزويده بالمعارف الدينية القادرة على بناء شخصيته ايمانيا وخلقيا.
ويبقى بعد ذلك - في رأيي- أهمية متابعة تأثير هذه المعارف في سلوك طالب الكلية من خلال الاشراف الاجتماعي. فليس مهما تخريج أعداد كبيرة كل عام ولكن الأهم ان يكون البناء الايماني والخلقي والعلمي لهؤلاء مما تفخر به الكلية، ولاسيما ان المتخرج من الكلية سيكون مؤتمنا على أمن المجتمع وسلامة نسيجه عن طريق الأعمال الحساسة التي سيمارسها بعد التخرج. كما أفرحني ما أشار اليه الدكتور المحيذيف من الدورات المتتالية التي ينظمها المعهد العالي للضباط لتدريب الضباط بعد تخرجهم لما يدركه كل عاقل من أهمية التدريب في رفع كفاءة الأداء.
تكونت ندوة «المجتمع والأمن» من ست جلسات علمية طرح فيها عدد من الأوراق في موضوعات مختلفة تتعلق بالأمن والمجتمع، وتميزت كل جلسة بوحدة موضوعية من حيث أهدافها وطرحها العلمي، وبلغ مجموع الأوراق المقدمة تسع عشرة ورقة عمل.
فالجلسة الأولى تناولت علاقة الأجهزة الأمنية بالجمهور عبر ثلاثة محاور هي: العلاقة المتبادلة بين المواطن ورجل الأمن، وأثر العلاقات الانسانية في رفع الأداء الوظيفي لرجل الأمن، والرأي العام وتأثيره على أداء رجل الأمن. وتناولت الجلسة الثانية الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية وعلاقتها ببعض المشكلات الأمنية عبر محورين هما: البطالة والسلوك المنحرف، وتوطين العمالة وأثره في الحد من الجريمة.
وخصصت الجلسة الثالثة لدراسة انعكاس المشكلات المرورية على أمن المجتمع عبر ثلاثة محاور هي: حوادث المرور وأثرها على الاقتصاد الوطني، والجذور الاجتماعية للمخالفات المرورية، والحملة الوطنية الشاملة للتوعية المرورية.وكان محور الجلسة الرابعة هو: المسجد وأثره الأمني في المجتمع.
في حين كان عنوان الجلسة الخامسة هو: الأثر الأمني للمدرسة عبر ثلاثة محاور هي: الأثر الأمني للمدرسة في المجتمع السعودي، والأنشطة المدرسية وأثرها في وقاية الشباب من الانحراف، وتحديات العولمة للهوية الثقافية وانعكاساتها على أمن المجتمع.
أما الجلسة السادسة فكان موضوعها: الأثر الأمني لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبر محورين هما: الأثر الأمني للهيئة، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأثرها في مكافحة الدوافع الاجرامية.
والذي يستوقف المتأمل عند مطالعة أوراق العمل المقدمة في الندوة عدة أمور منها:
أولا- أهمية وحيوية موضوعها بالنظر الى حاجة المجتمع وبالنظر الى مواكبة التطورات الحاصلة فيه وظروف العصر المستجدة.ثانيا- ان بعض أوراق العمل تحتاج الى ندوة مستقلة بل عدة ندوات ولاسيما ما يتعلق منها بالتطورات العصرية مثل تحديات العولمة وتوطين العمالة وغيرها.
ثالثا- هناك موضوعات مهمة جدا لم تستطع الندوة بحكم الوقت المخصص لها من استيعابها برغم أهميتها وبرغم علاقتها القوية بأمن المجتمع.
على رأس هذه الموضوعات موضوع تدريب رجل الأمن وضرورته لتأسيس علاقة مؤثرة بين أجهزة الأمن والمجتمع. فعلى سبيل المثال فإن كلية الملك فهد الأمنية تخرج كل عام عددا من الطلاب يدرسون كثيرا من العلوم الأمنية ومنها نظام المرور ولوائحه التنفيذية مع شرح واف عنها. وكم كنت أتمنى ان يكون كل الممارسين والمباشرين لعملية التحقيق في الحوادث المرورية في الميدان من خريجي هذه الكلية المؤهلين علميا وتدريبيا مع العناية بالدورات الشرعية المستمرة لهؤلاء الرجال في ميدان العمل لتعزيز البناء الايماني بصفة مستمرة وبالتالي كسب ثقة المواطن وتعاونه لأن تولي عملية التحقيق من قبل غير المؤهلين الذين قد لا يعرفون كثيرا عن نظام المرور لأنهم لم يؤهلوا لهذه العملية ينتج عنه تضارب التقديرات وتعارض الاجتهادات في الحالات المتشابهة مما يولد نوعا من التذمر لدى المواطن الذي يلحق به الظلم.
ومن الموضوعات المهمة التي كان المؤمل لولا ضيق الوقت تناولها لعلاقتها المباشرة والمهمة بأمن المجتمع: التقنيات ووسائل ووسائط الاتصالات الحديثة وعلى رأسها الانترنت وما شاب التعامل معها من خطورات أمنية في المجالات الفكرية والجنائية والاقتصادية وأثر هذه التقنيات في أمن المجتمع من حيث السلبيات والايجابيات وهو موضوع مهم جدا يحتاج لتشعب وتداخل عناصره الى ندوات ودراسات متخصصة ولا يمكن اغفاله لأهميته القصوى.
ومن الموضوعات المهمة كذلك: الوسائل الاعلامية وأثرها في أمن المجتمع من الناحيتين الايجابية والسلبية، وكيفية توجيه هذه الوسائل توجيها يخدم أمن المجتمع من خلال تخطيط السياسات ووضع أسس التنفيذ ودراسة الأداء.
ومن أهم الموضوعات المباشرة والوثيقة بأمن المجتمع المتعلقة بأسباب رخائه وأمنه وهما من الأهمية بحيث جمع بينهما المولى عزوجل في كتابه العزيز )الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف( ذلكم الموضوع هو موضوع التنمية وأثرها في تحقيق أمن المجتمع.
إذ لابد من دراسة عملية تنمية المجتمع في ضوء سياسات التخطيط ووضع الكيفيات الملائمة لطبيعة الفرد والمجتمع.
وليس هناك أدل على أهمية هذا الموضوع من تركيز خطط التنمية في المملكة العربية السعودية منذ عهد الملك فيصل حيث وضعت أول خطة شاملة محددة السنوات للتنمية الى اليوم على الجوانب الاستراتيجية ومنها الجوانب الأمنية في المجتمع.
في مختتم حديثي أكرر ازجاء الشكر لكلية الملك فهد الأمنية على مبادرتها الايجابية الى عقد هذه الندوة العلمية المهمة، وأخص اللواء عبدالرحمن الفدا بمزيد شكر لسياسته الحكيمة في تنويع نشاطات الكلية وتفعيل رسالتها العلمية في خدمة المجتمع.والأمل كبير بأن تتمخض عن هذه الندوة توصية بعقد ندوات أخرى مكملة لها في ذات الموضوع لتناول الجوانب التي أشرت اليها لأهميتها في موضوع أمن المجتمع.
وبالله التوفيق.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved